جبران باسيل وزير خارجية العرب

ناصر قنديل

– «عندما يحمل لبنان رسالة السلام مبنيّاً على العدل، إنّما يقوم بدور طبيعي. وعندما يدافع عن شعب فلسطين، فإنّه يضيف إلى بلاغة الكلام، من طريقة عيشه وتصرّفه، ما هو أبلغ من الكلام. وكما أنّ للحقّ والعدالة منطقاً، فللحكمة منطقها أيضاً.

– فلنستمع إليها تؤكّد أنّ العنف قصير الأجل، عاجز عن تأمين سلمٍ صحيح دائم، عقيم إذا تصدّى لحقوق الشعوب الأساسية، كما هي الحال بالنسبة إلى شعب فلسطين، «أضعف من أن ينال من عزم الفلسطينيين على المقاومة داخل الأراضي المحتلّة أو من تصميم على مواصلة الضغط من الخارج من أجل التحرّر. تلك هي سنّة التاريخ في حركات المقاومة والتحرير».

– من كلمة الرئيس الراحل سليمان فرنجية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 14/11/1974.

– تصحّ هذه الكلمات التي استعملها الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية قبل نصف قرن تقريباً من منبر الأمم المتحدة لتوصيف موقع لبنان ودوره من القضية الفلسطينية وموقع هذه القضية في صناعة الاستقرار في العالم، للتعليق على الكلمة التي ألقاها وزير خارجية لبنان جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب المخصّص لمناقشة القرار الأميركي باعتماد القدس عاصمة لـ «إسرائيل».

– أضاف باسيل لشرعة المقاومة التي بشّر بها الرئيس فرنجية تجربة المقاومة التي شيّد لبنان بنيانها ورفعها إلى مستوى لاهوت التحرير وقانون الردع، وخاطب الوزراء العرب بما افترض الرئيس فرنجية أنه يخاطب العالم به نيابة عن العرب كلّهم، ليجد باسيل أنه يتلو مزامير داود على من بهم صممٌ، مكتفياً بالتحدث للتاريخ الذي ترك له الرئيس فرنجية الحكم الأخير، لينالا معاً شرف التحدث بالنيابة عن الحق وبلسان الشعوب التي لا تكلّ ولا تملّ من المقاومة عندما يتخاذل الحكام، كما في لبنان، كما في فلسطين، كما في كلّ مكان، والعنف والجبروت والعنجهية، تعبيرات عن قصر نظر عندما يتصل الأمر بقضايا الشعوب وحقوقها الأساسية، «حيث العنف قصير الأجل وأضعف من أن ينال من عزم الشعوب على المقاومة».

– «نحن هنا، لأنّ عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتهرّب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة»، قال لهم باسيل، وأضاف «نحن من هوية القدس، كرامتنا لا تُمَسّ وهويتنا لا تُخطَف، بل تعود لتتحرّر فتنطلق من لبنانيتها إلى مشرقيتها إلى عروبتها. نحن هنا لنستعيد عروبتنا الضالة ما بين سنة وشيعة، والمهدورة بين شرق وغرب، والمتلهية بصراع عربي – فارسي، والمدفوعة وهماً الى تخويف إسلامي – مسيحي متبادل». وختم قائلاً، «لم نأت الى هنا لرفع اليدين لبيان رفع العتب، فتعالوا ننتفض لعزتنا ونتجنّب لعنة التاريخ وأسئلة أحفادنا عن تخاذلنا، لأنّ الانتفاضة وحدها تحفظ ماء وجهنا وتُعيد حقوقنا، فإما أن نتحرّك الآن، وإلا على القدس السلام… ولا سلام».

– استحقّ باسيل بجدارة أن يكون وزير خارجية العرب الذين لا وزراء خارجية لهم، وصرختُه لم تذهب هباء، ولا تبدّدت في الهواء، فقد وصلت إلى حيث يجب أن تصل، سمعها شعبُ فلسطين، وسائر العرب، وسمعها المحتلُّ الغاصب ومَنْ منحه تفويض التقويض والتهويد في القدس، فمن يجب أن يُصيبهم الذعر من القرار الأميركي لا زالت قلوبهم نابضة بالحرية وأصواتهم تنبض بالرجولة، ومَنْ يجب أن ينجحوا بالتعمية والتغطية والتورية فضحهم صدق الكلمات النابعة من الحق، وكما في العلاقة بين النور والظلمة، يكفي بعض النور لتبديد كلّ الظلمة ولا تكفي الظلمة كلّها للتعمية على نور شمعة منفردة، فكانت كلمة باسيل هي المؤتمر وكان هو الوزير، ولا حاجة لوزراء وكلمات، فما يجب أن يُقال قد قيل، ومَنْ يجب أن يسمع فقد سمع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى