موسكو ترى الانتصارات السورية تمهّد لحوار سياسي.. وتكشف أسباب فشل مفاوضات «جنيف 8»

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الانتصارات التي تحققت على الإرهابيين في سورية وخلق مناطق خفض التصعيد يمهّدان للتسوية السياسية في البلاد على أساس القرار الأممي رقم 2254.

وقال لافروف في كلمة له أمام مجلس الاتحاد الروسي: «بفضل الأعمال الفعالة للقوات الجوية الفضائية الروسية لدعم الحكومة السورية تسنّى دحر «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تحصنت في الأراضي السورية. ويمهّد دحر الإرهابيين وإنشاء مناطق تخفيض التصعيد التي تمت إقامتها في إطار عملية أستانة للانتقال إلى المرحلة التالية، ألا وهي التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».

وتابع لافروف قائلاً: «ما يُراد منه أن يساعد في حل هذه المهمة هو التحضير لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي بمبادرة زعماء روسيا وإيران وتركيا. وعلى جدول الأعمال إعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات عامة برعاية الأمم المتحدة وحلّ القضايا الإنسانية ووضع برنامج شامل لإعادة إعمار البلاد».

وفي معرض حديثه عن الجهود المشتركة لروسيا وإيران وتركيا الخاصة بالتسوية السورية، أشار لافروف إلى أن «ليس هناك تطابق للأغراض والمصالح بنسبة 100 في المئة، ولكن مع تنوّع مواقف الدول الثلاث بشأن مختلف نواحي الوضع في سورية، نعتمد على التضامن المطلق بشأن ضرورة الانتصار على الإرهاب والحفاظ على وحدة أراضي سورية، وضمان تعايش كافة طوائفها بشكل منسجم».

وفي سياق الحديث عن التعاون مع إيران وتركيا، لفت لافروف كذلك إلى أن قضايا العصر تتطلّب تحالفات مرنة تسمح بالردّ على التحدّيات بسرعة وبشكل فعّال.

وفي السياق، لم تمثّل نتائج مفاوضات جنيف – 8 مفاجأة بالنسبة إلى المواطنين في سورية، إذ توقع كثيرون أن تكون أطراف خارجية تتدخل لمنع حدوث أي تقدم فعلي، وهو ما كشفه مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين عن الأسباب التي تقف وراء فشل الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بشأن التسوية السورية.

وحمل الدبلوماسي الروسي، أثناء مؤتمر صحافي عقده أمس، وفد المعارضة المسؤولة عن فشل المفاوضات، مشدداً على أن المشكلة الأساسية تكمن في استمرار المعارضة بطرح شروط مسبقة على طاولة الحوار، لا سيما مطالبها برحيل الرئيس السوري بشار الأسد.

وأكد بورودافكين أن وفد المعارضة وصل إلى جنيف بـ «موقف لا يمكن وصفه بالتفاوضي»، مضيفاً أن هذا المنهج للمعارضة يجعل من المستحيل مشاركة وفد الحكومة السورية في الحوار.

وقال المسؤول الروسي إن إنجاح المفاوضات يتطلّب أولاً إدراك المعارضة ومموّليها ضرورة استبعاد مطالب كهذه من أجندتهم.

إلى ذلك، ينبغي على وفد المعارضة، حسب الدبلوماسي الروسي، الامتناع عن استخدام مصطلح «وفد النظام» بالنسبة لوفد الحكومة السورية.

وتابع: «إلى ذلك، يجب التفكير بإضافة نقاط عدة مهمة إلى أجندة المعارضة التفاوضية، بما في ذلك التعبير عن دعمها وجاهزيتها للمشاركة في الصراع المشترك ضد ما تبقى من تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» في الأراضي السورية، وكذلك ضد الفصائل المسلحة الأخرى المتواطئة مع هذين التنظيمين الإرهابيين».

كما دعا المندوب الروسي المعارضة السورية إلى دعم الجهود المبذولة بغية وقف العمليات القتالية وإنشاء ودعم مناطق خفض التوتر، قائلاً: «ينبغي أن تؤكد المعارضة في بياناتها بكل وضوح عدم رؤيتها أي حل عسكري في سورية وحرصها على العمل على التسوية السياسية».

واستنتج: «لو وصلت المعارضة بهذه المواقف إلى جنيف، لكان من الممكن باعتقادي إجراء اتصالات مباشرة بين الطرفين والمضي قدماً نحو إحراز تقدّم في المفاوضات».

وثمن بورودافكين الجهود المبذولة من قبل المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا من أجل تحريك التسوية السياسية، لا سيما في إطار الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف، مؤكداً أن طرفي الحوار هما مَن يتحمّل أكبر قدر من المسؤولية عن فشلها.

وأعرب الدبلوماسي عن دعم موسكو للخطوات التي اتخذها دي ميستورا، وخاصة تركيز المفاوضات على محاربة الإرهاب وصياغة الدستور للانتقال لاحقاً إلى تنظيم انتخابات تحت الرعاية الأممية، مؤكداً إمكانية إحراز تقدّم في هذا الاتجاه.

وقال: «لكن المشكلة تكمن في أننا لا نرى من قبل وفد المعارضة المشكل في الرياض رغبة في بحث هذه المسائل».

إلى ذلك، تطرّق المندوب الروسي إلى موضوع مؤتمر «الحوار الوطني السوري» المتوقع عقده قريباً في مدينة سوتشي الروسية، مؤكداً أن هذا المنتدى يهدف إلى إعطاء زخم إيجابي إلى مسار جنيف التفاوضي، مثل ما حققته مفاوضات أستانة.

وقال: «هكذا، ينبغي القول «سوتشي وجنيف»، لا «سوتشي أو جنيف».

وذكر الدبلوماسي أن القوات السورية، بعد القضاء على «داعش» عسكرياً في أراضي البلاد، تستطيع التصدي للعدوان الإرهابي بنفسها، مؤكداً أن قدرات الجيش السوري تعزّزت بدعم من روسيا لهذا الغرض.

وشدّد بورودافكين على أن موسكو تبقي عسكرييها في قاعدتي حميميم وطرطوس لمواصلة دعم السوريين في محاربة الإرهاب الدولي، وخاصة تنظيم «جبهة النصرة»، معرباً عن جاهزية موسكو لتقديم دعم عسكري للقوات السورية في حال ظهور خطر إرهابي جدّي في أراضيها.

في الوقت نفسه، طالب المسؤول الولايات المتحدة بسحب قواتها من سورية، مشيراً إلى غياب الحاجة إلى وجودها هناك بعد استئصال «داعش»، وخاصة أن واشنطن تجري عملياتها هناك دون دعوة رسمية من قبل حكومة دمشق.

وأكد بورودافكين أن واشنطن لا تعتزم سحب قواتها من سورية، على ما يبدو، معرباً عن قلق موسكو في هذا الخصوص.

ميدانياً، واصلت وحدات من الجيش السوري بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية تقدّمها خلال عملياتها ضد تجمعات إرهابيي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، وبسطت سيطرتها على عدد من التلال الحاكمة على اتجاه مزرعة بيت جن بريف دمشق الجنوبي الغربي.

من جهته، اعتبر خبير عسكري روسي، أن الاقتراب الخطير لمقاتلة أميركية F-22 من القاذفات الروسية «سو 25»، وإطلاق بالونات فخاخ حرارية لإعاقتها، يمكن أن يسفر عن وقوع حادث جوي حقيقي.

وقال إيغور كوروتشينكو، الخبير العسكري، ورئيس تحرير مجلة «الدفاع الوطني» في روسيا، إن ميل الطيارين الأميركيين إلى القيام «بأخطار غير مدروسة» ومناورات إلقاء فخاخ حرارية، لمنع القاذفات الروسية من تنفيذ مهامها القتالية، يمكن أن يسفر عن وقوع حوادث جوية حقيقية، حسبما أظهرت الوقائع.

ونفت وزارة الدفاع الروسية في وقت سابق، تقارير وسائل إعلام أجنبية، عن تمكن مقاتلات أميركية من طراز «اف 22 « من اعتراض طائرتين هجوميتين روسيتين من طراز سو – 25 في الأجواء فوق سورية.

ووفقاً لكوروتشينكو، فإن منطق الجانب الأميركي هو «إظهار العضلات في مثل هذه اللعبة السياسية غير النظيفة تماماً». وهذا السلوك، يمكن أن يكون نوعاً من ردّ الفعل الأميركي على انتصار روسيا على تنظيم «داعش» في سورية.

وختم الخبير العسكري قائلاً: «إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أن سحب قسم من المقاتلات الروسية من سورية يتيح لها إظهار وممارسة الغطرسة، فإنها مخطئة تماماً، لأن الوسائط المتبقية في القاعدة الجوية في حميميم كافية للتصدّي لفلول الجماعات الإرهابية المتبقية، وكذلك لوقف الولايات المتحدة وقواتها هناك عند حدّها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى