كيف يحمي سلاح المقاومة «ذهب» لبنان؟

محمد حمية

لم يكن بالأمر السهل أن تخطو الحكومة اللبنانية الخطوة الأولى على طريق نقل لبنان الى مصاف الدول النفطية العالمية في منطقة معقدة وتقع على خط الزلازل الإقليمية والدولية وتتلقى ارتداداتها وتجاور كيان العدو الإسرائيلي الذي لم يُخفِ يوماً أطماعه في أرض ومياه ونفط لبنان، وقد شنّ لهذه الغاية حروباً متعدّدة منذ العام 1982 تحت حجج وذرائع متعددة.

لا شك أنّ هذه الخطوة التي وصفها خبراء اقتصاديون بالهامة والاستراتيجية كانت تحتاج إلى قرار داخلي وإرادة سياسية لم يتوفرا في العهود الماضية ولا الحكومات المتعاقبة رغم وجود معطيات وأدلة علمية شبه مؤكدة على وجود كميات نفطية كبيرة في المياه اللبنانية منذ عقد على الأقلّ، وغياب القرار والإرادة ليس سببه الخلاف السياسي الداخلي على التحاصص فقط، بل لعدم وجود عناصر الاستقرار الأمني في لبنان ومنطقة الشرق الوسط بشكلٍ عام ما شكل عاملاً مانعاً للشركات العالمية من الاستثمار في النفط اللبناني لنسبة المخاطرة الكبيرة جراء حالة اللاستقرار التي تمثلها «إسرائيل» والإرهاب معاً.

فما الذي تغيّر اليوم حتى يعقد ائتلاف من ثلاث شركات العزم على استثمار الثروة النفطية والغازية في الحقلين 4 الشمالي و9 الجنوبي؟ ومن المعروف أنّ هذه الشركات وغيرها لن تستثمر في مشاريع تقدّر ميزانيتها بمليارات الدولارات من دون دراسة الجدوى الاقتصادية من جهة والظروف الأمنية من جهة ثانية أو ما يُعرف بنسبة المخاطرة.

من المتغيّرات التي أدّت الى تقاطع القرار المحلي ومصلحة الشركات الثلاث هو توافر الإرادة السياسية بعد التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة وما حققه ذلك من استقرارٍ سياسي نسبي خرقه التصرف السعودي الأحادي والمنفرد بفرض الاستقالة على الحريري، قبل أن تدخل الولايات المتحدة وفرنسا ومصر على خط الضغط على المملكة لاستعادة الحريري وتثبيت التسوية ما شكل مظلة إقليمية دولية فوق لبنان كانت العامل الثاني من عوامل الاستقرار الجاذبة للشركات.

لكن السؤال هل هذين العاملين كافيين لتكوين الدافع للشركات للاستثمار في النفط والغاز اللبناني من دون قاعدة استقرار خلفية «غير مرئية» يشكلها سلاح المقاومة وتوازن الرعب الذي حققه مع مصادر الأخطار الخارجية؟ وكيف يحمي السلاح «ذهب لبنان الأسود» المتمثل بالنفط والغاز؟

من الانتقادات «المغرضة والظالمة» بحق المقاومة القول بأنه لم يعد لسلاحها جدوى بعد التحرير عام 2000 ويتهم بعض الخبثاء المقاومة بعقد «هدنة» مع الكيان الصهيوني منذ ما بعد عدوان تموز 2006 حتى اليوم مستندين إلى غياب حتى «العمليات التذكيرية» في مزارع شبعا، في حين يتناسون عن عمدٍ وقصد أنّ هذا السلاح هو الذي ردع العدوان الإسرائيلي في تموز وحقق الانتصار الاستراتيجي، وبالتالي فرض حالة الاستقرار الأمني في الجنوب ولبنان منذ العام 2006 الى جانب معادلات الردع التي أرساها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاباته منذ ذلك الحين، كان أهمّها معادلات «البنى التحتية والموانئ والمطارات ومصافي النفط والأمونيا ومفاعل ديمونا النووي».

ربّ من يقول إنّ الشركات الثلاث كما تقول المعلومات لم تكن لتأتي للاستثمار في المياه اللبنانية من دون ضمانات ووعود دولية انتزعتها الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا من «إسرائيل» بالامتناع عن شنّ حرب على لبنان أو على سورية أو على الأقلّ تجنّب استهداف منشآت النفط والغاز التي تعمل في البحر في ايّ حربٍ مقبلة واعتبارها خطاً أحمر، وأنّ خيار الشرعية الدولية هو ضمانة وحماية لبنان أزاء أيّ خطرٍ خارجي، لكن هل منعت هذه الدول نفسها والشرعية الدولية العدوان الاسرائيلي في تموز 2006؟ هل حالت دون الحرب على سورية؟ هل أثنت الولايات المتحدة عن قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة «لإسرائيل»؟ وهل منعت الاعتداءات «الاسرائيلية» عن الفلسطينيين؟ ولماذا لم تتمكن من إلزام «إسرائيل» الانسحاب من مزارع شبعا أو ردع اعتداءاتها المتكرّرة على السيادة اللبنانية كحدّ أدنى؟

لم يقتصر دور المقاومة وسلاحها على توفير الأمن في الجنوب اللبناني للاستثمار في الحقل الجنوبي، بل لها الدور الأبرز في ضمانة الاستثمار في الحقل الشمالي من خلال المشاركة في مكافحة الإرهاب في سورية والعراق وعلى الحدود اللبنانية السورية، ما يؤكد البعد الوطني لدور المقاومة، فهل كانت لتتوفر منظومة الاستقرار والحماية في المياه الإقليمية الممتدة من السواحل السورية حتى اللبنانية في الناقورة لولا انتصار محور المقاومة التي كانت مقاومة لبنان جزءاً أساسياً فيه على الإرهاب؟ وهل كان شمال لبنان ليشكل منطقة جاذبة لشركات العالم فيما لو تمكن تنظيم «داعش» من إنشاء دولته على المتوسط كما كان مخططاً؟ وهل كان سيبقى نفط وغاز أصلاً؟ فمن كان سيمنع «إسرائيل» من السيطرة على الأحواض النفطية والغازية؟ وهل تشكل الضمانة الدولية بوليصة تأمين للشركات لو تمكّنت التنظيمات الإرهابية من إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد والسيطرة على سورية؟

سيفتح العمل في الاستكشاف والتنقيب الباب واسعاً امام آلاف فرص العمل للبنانيين، ستنعكس نهضة اقتصادية ومالية سيكون ذلك من النتائج الإيجابية للمقاومة وسلاحها وفضائلها وإنجازاتها على اللبنانيين رغم اتهامات «الفريق السيادي» بتحميلها مسؤولية الوضع الاقتصادي المزري الذي وصل اليه لبنان، وعلى المعترضين على دور المقاومة وسلاحها أن يدققوا عام 2021 ما هي حصة المقاومة من العائدات المالية النفطية؟ وهل ستكون كحصتها الوزارية؟

للمقاومة الدور الأساس في حماية لبنان وشعبه وحدوده ومياهه ونفطه وبناه التحتية حتى تتفق القوى السياسية على استراتيجية دفاعية وطنية يكون سلاح المقاومة عمادها، وبحسب خبراء استراتيجيين لا يمكن وضع لبنان على الخريطة النفطية العالمية لولا الخريطة العسكرية التي رسمتها المقاومة والحلفاء للمنطقة بدماء الشهداء وتضحيات القادة والمقاومين في جبهات الجنوب والميادين السورية والعراقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى