القدس تعيد خلط الأوراق حول المرجعية السنية بين تركيا والسعودية

روزانا رمّال

وصل رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم المملكة العربية السعودية أمس، مبعوثا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاء الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع في زيارة هي الأولى ليلدريم بهذا المستوى الى المملكة بوقت يقوم أردوغان يقوم بجولة أفريقية واسعة من أجل تعزيز وشدّ أواصر أصدقاء تركيا نحو المزيد من تعزيز العلاقات ومن ضمنها تونس التي يحضر فيها وزن لا يستهان به من الاخوان المسلمين الواقعين ضمن سلطة الحزب التركي الحاكم العدالة والتنمية ، وذلك بالرغم من ثورة تونس الثانية التي أخذت الحكم نحو أفق جديد ومغاير على غرار ما جرى في مصر، إلا أن هذه الجولة تثبت أن الرئيس التركي يجنح نحو الارتقاء ليكون رمزية إسلامية في هذه الظروف تعبر الحسابات الحزبية. وهي ليست المرة الأولى التي يستفيد منها أردوغان من أي تصعيد في الأراضي المحتلة.

الزيارة التحضيرية هي أرضية للقاء مباشر يجمع الرئيس أردوغان بالملك سلمان، إلا أن مهمة بن علي الاستطلاعية تكسر بعض الجليد الذي يحوم في أجواء العلاقات الخليجية التركية والموقف من ملفات عدة بينها العلاقة مع ايران، خصوصاً بعد التصريحات النارية المتبادلة بين مسؤولين خليجيين وأردوغان.

لكن تركيا التي تحكمت لفترة لا يُستهان بها بأحد أبرز مفاصل الميدان داخل الأراضي المحتلة لجهة قرارات ونشاط حركة حماس، أكان نشاطها داخلياً أو خارجياً في سورية وفي مصر، كما تتهم السلطات المصرية الحمساويين إفساحاً للمجال امام سير العمليات في سورية بشكل خاص، أكدت أنها قادرة على الإمساك بورقة أساسية وهي الحليفة حركة حماس. الورقة الكبرى استطاعت النجاح في جذب قيادات الحركة خالد مشعل وإسماعيل هنية نحو خطاب تحالفي عريض كشف أكثر من مرة عن ولاء غير مسبوق لأردوغان بخطابات مباشرة للقادة المعنيين.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، وبجدولة للقاءات متلاحقة يزور العاصمة السعودية الرياض، في إطار زيارة رسمية يلتقي خلالها كبار المسؤولين السعوديين في وقت قد تبدو الزيارة مفاجأة في ظل الأجواء المحيطة والتي تشوب العلاقة بين البلدين، لكن وحدها القدس فتحت الباب أمام إطلالة من نوع آخر لتركيا على المجتمع الإسلامي.

وعليه التقى يلدريم بالعاهل السعودي في زيارة رسمية تعد الأولى له للرياض كرئيس للوزراء، وتباحثا في أهم الملفات الإقليمية وفي أهمية وضع القدس المحتلة وملفها، وعلى وجوب تحرك العالم الإسلامي معاً لحماية حقوق الفلسطينيين. مع التطرق لمباحثات بين المسؤولين، حول اعتبار قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار القدس أنه يمثل رسالة قوية من المجتمع الدولي.

تستغل تركيا ما جرى في القدس لتعزيز حضورها القادر هذه المرّة أن يستهدف ما بنته السعودية لإعلان مرجعيتها الإسلامية كمرجع أول لدى الأميركيين بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التاريخية وعقد القمة الإسلامية بحضوره وهي قمة يعلن فيها البيعة للسعودية كمرجعية سنية أولى في المنطقة بمباركة الأميركيين وحضور ترامب شخصياً، بعد أن تمّ التسلّم والتسليم بين صفقات مالية لواشنطن ومعنوية سياسية للرياض. وحينها مُنيت تركيا بخسارة كبيرة في هذا الخصوص، لكن على ما يبدو تحرك الملف مجدداً وها هي تركيا تجيد استغلاله من أجل إعادة الزخم بحركة نشطة ضمن زيارات ولقاءات تجعل من زيارتها للسعودية من موقع القابض على ورقة مهمة في الأراضي المحتلة كحلفاء ميدانيين، مثل حركة حماس، ورقة مهمة جداً تضاف الى مواقف حرّكت الشارع الإسلامي لأردوغان لجهة خطاب حازم أكثر جدية من المواقف العربية مع انتظار كيفية ترجمتها.

المرجعية السنية التي تقاتلت عليها الدولتان الهامتان إقليمياً تركيا والسعودية والتي استطاعت فيها السعودية الفوز فيها عند الأميركيين مهدَّدة اليوم بالتحول لتكرس لأردوغان فرصة غير مسبوقة لتصدُّر مواقف العالم الإسلامي من خلال أقوى ورقة ممكن أن يملكها زعيم إسلامي، وهي القدس . ومعروف أن فلسطين هي ورقة رابحة دائماً لدى العالم الإسلامي.

يتسلح بن علي في زيارته ومن خلفه أردوغان بملف أساسي وبمحطة كبيرة، وهي تصويت معظم دول العالم في الجمعية العامة ضد قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس بعدما تقدم كل من اليمن وتركيا بطلب عقد الجلسة الطارئة في الجمعية العامة نيابة عن المجموعة العربية في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. وكانت القيادة الفلسطينية أعلنت عقب الفيتو الأميركي أنها ستلجأ للجمعية العامة. وهو ما تبنّته تركيا وهي قرّرت اليوم خوض غمار متطلبات القضية الى آخر الطريق على ما يبدو.

أسطول الحرية الذي كان يضمّ سفينة مرمرة التركية التي هدفت الى كسر الحصار عن غزة عام 2010 أرّخت أول أنواع التحدي التركي الظاهري امام اعلام العالم المستعد لإظهار الوجه الآخر للاحتلال بما يتعلق بالملف الإنساني من دون مسايرة بعض العرب. وهو يسجل لتركيا من دون ان يحسب موقفاً مبدئياً بعد ان تبين امكانية ان تضغط على المقاومة الفلسطينية بوقت من الاوقات لصالح أخونة المقاومة بدلاً من القضية الرئيسية وهي مواجهة الاحتلال. ولهذا السبب شهدت الاراضي المحتلة هدوءاً ملحوظاً طيلة فترة الأزمة السورية بمعنى توقّف حركة حماس عن شن أي عملية ضد الاحتلال.

تركيا تسرع لاستثمار الظروف وتعرف أن بيدها أوراقاً مؤثرة في فلسطين وضاغطة على الاطراف العربية و الإسرائيلية .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى