صرخة صحافي موجوع.. عام انتكاسة الصحافة

روزانا رمّال

في اختتام العام 2017 يحق للصحافة أن ترفع الصوت، وقد كتبت ونشرت وكشفت الكثير من تفاصيل الحياة السياسية وكواليس إدارة الأمور في البلاد والانحرافات والتجاوزات والإنجازات أيضاً لعل أحداً يقرأ عن مأساتها نهاية العام، وهو يستذكر محاسنه ومآسيه ويتفكّر قليلاً بأولئك المكلّفين بصون حياة وكرامة الصحافي في لبنان، كما هو مفترض.

الأمر لا يتعلّق بالصحافة الورقية، بل بحسابات خاصة صارت واضحة، لكنّها حق من حقوق الخيارات العامة التي يتخذها كل إنسان وفق حساباته، شرط أن يتمّم ما عليه وما له. وإذا كانت جريدة السفير قد أغلقت بناء على خيار شخصي من مالكها أو مادي والكلام كثير، فإنه وفي كل الاحوال حق من حقوق من يرى أن لا طائل من الاستمرار، لكن ان تقفل ايضاً صحيفة لم يمرّ على الاحتفاء بانطلاقتها شهران، وهي صحيفة الاتحاد، فإن هذا يعني أن هناك كارثة يبدو أن لا أحد من المعنيين في السلطات اللبنانية يدرك آثارها.

الكلمة لكل مسؤول عن صحيفة اليوم ترتّب عليه يوماً تحمُّل مسؤولياته تجاه موظفين رهنوا مستقبلهم على وعود وآمال لا ذنب لهم في أي انتكاسة أو سوء حسابات. وهؤلاء من عامة الناس المستعدّين لبذل ما يملكون من أجل البقاء في هذه المنابر، لأن الصحافة ليست مهنة يعتاش منها أولئك الذين يمارسون أعمالهم. فأحد غير قادر على المجاملة لأن الصحف كلها في لبنان تعاني ازمة مالية كبيرة ولا يستطيع أحد أن ينكر أن أولئك يتحمّلون كل الظروف من أجل الاستمرار. والمقصود هم العاملون الصحافيون الزملاء الشرفاء الذين يعتمدون على مصداقيتهم من أجل توفير حياة كريمة لعائلاتهم.

الحديث عن مالكي وأصحاب الصحف وانتقادهم يجب أن يكون خلف الجميع، فمالكو الصحف قرّروا ما قرّروه ولم ينظروا خلفهم، وليست هذه مناسبة لمناقشة أسباب لا تعني أحداً. فالموظف يعنيه شيء واحد «ماذا عن مستقبله؟».

ولأن العجز يحيط بالجميع، أكان أصحاب الصحف أو الموظفون، فإن الدولة معنية هنا بالكثير، وهي وحدها المسؤولة عما يجري لأسباب تتعلّق بالرقابة المعدومة على المال السياسي الموزّع شمالاً ويميناً منذ عقود، والذي جعل الصحافة مرتهنة ومعها كل مَن يعمل فيها. وهذا بسبب الحاجة لا بسبب الترف الذي يطمح إليه كل صحافي، لذلك لا تلوموا الصحافيين ولا تلوموا ذلك الصحافي الذي ضرب بالمهنة عُرض الحائط، فأخلاق الاولاد تفقد عندما يتركهم الأهل بلا رعاية او حماية او سلطة وصاية. وهذه الدولة والوزارات المعنية تركت أولئك لمصيرهم وصارت أغلب الصحف مرتهنة للمال السياسي، لأنها تريد الاستمرار ولأن الصحافي لا يمكنه أن يتوقف عن العمل، لأن هذه المهنة تجري في عروق مَن يمتهنها وليس سهلاً أن يتخلّى عنها، ولأن هذه المهنة فيها الكثير من الوجدان، رغم محاولة نسف معاييرها ولأن هذه المهنة هي المحرك الأساسي للحياة السياسية برمّتها.

أيها المسؤولون والمعنيون ماذا يحلّ بكم اذا تجاهلتكم الصحافة والصحافيون الشرفاء تحديداً؟ أين أنتم؟ ومَن سيعرف عنكم؟ وأية أقلام ستكتب عن إنجازاتكم بخيرها أو بشرّها؟ بإصلاحاتها وفسادها؟

إلى كل سياسي يعرف جيداً أنه استفاد من وراء هذا الصحافي المتروك الآن لمصيره لا يعرف ماذا يقول أين هو ضميرك الحي من أقلام جعلت منك حيثية سياسية موجودة؟ كم من مرة استغللتَ هذا الصحافي من أجل أن يكتب ويمدح ويطيب لك العيش وتزهو بإنجازاتك أمام الأعداء والأصحاب؟ بعض التكافل والتعاطف «القانوني» يُعيد لهذه المهنة كرامتها.

لا أحد يريد المال السياسي من أي جهة. المطلوب كله إجراءات قانونية من وزارة الإعلام ونقابة الصحافة. وكل مَن له علاقة مباشرة او سلطة وصاية مباشرة على الصحافة الورقية وأيضاً التلفزيونية التي تعاني مثلما تعاني الصحافة الورقية أيضاً، على شكل مبادرات دعم من الدولة من أجل بقاء هذه المنابر وبقاء المهنة المشرفة التي يدرك الكل أنها أغنى ثروة يملكها لبنان وما من أحد قادر على إنكار ذلك.

لا يجوز أن يعاني البلد الذي صدّر وبلور معايير الإعلام وصار مرجعاً عربياً لكل قناة فضائية عربية وخليجية بكوادر لبنانية محترفة أن يصبح الإعلام فيه مهدداً من دون أي دعم واضح من الدولة اللبنانية. لا يجوز أن ينظر المعنيون لما يجري واعتباره قضاء وقدراً.

في نهاية المطاف، لا أحد أهم من كرامة هذا الصحافي الذي كان يعيش على امل الحصول على فرصة عمل في صحيفة تمّ تأسيسها تعويضاً عن غياب أخرى، لا أحد أهم من مشاعر هذا الصحافي المخذول، وقفة ضمير مطلوبة فلا صوت سياسي ولا كرامة كراسي تعلو على صوت أنين صحافي يحمل قلمه ولا يدري أن تكتب يداه أحرف الوجع والحلم معاً. هذا الحلم كان فيه لبنان، دائماً كان لبنان كل الهم وسيبقى ودائماً كانت المصالح الخاصة هي الهم الوحيد عند أغلب السياسيين الذين يتسابقون على أطيب العلاقات مع الصحافيين لأنهم يخشون كثيراً من صرخة صحافي موجوع!

عام انتكاسة الصحافة اللبنانية، انتكاسة بسبب دولة غائبة وضمائر شاردة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى