عندما يردّ الشعب على الإرهاب!

د. محمد سيّد أحمد

في كلّ المعارك التي تخوضها الأوطان يكون الشعب هو الجندي المجهول، وكثيراً ما تظلم الشعوب ويتم نعتها بأوصاف قاسية من قبيل التخاذل والسلبية وعدم القدرة على المشاركة وتحمل المسؤولية، هذا الى جانب إصدار أحكام عامة على بعض الحالات الخاصة، وفي هذا الإطار يوصف دائماً الشعب المصري بأنه سلبي تجاه الأزمات والمعارك الكبرى التي تخوضها مصر، فالمواطن يقف متفرجاً من دون أي محاولة للمشاركة في حل المشكلات والأزمات الكبرى التي يمر بها المجتمع، وفي أحيان كثيرة يكون متلقياً سلبياً تجاه الأحداث الجارية من حوله، ويرمي بالمسؤولية كاملة على مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من اعترافنا بأن هناك بعض التقصير أحياناً من المواطن تجاه بعض الأحداث والأزمات الكبرى التي تمرّ بها الأوطان، إلا أن هذا التقصير دائماً ما يكون غير مقصود، بل قد يكون نابعاً عن نقص في الوعي نتيجة تقصير مؤسسات تشكيل الوعي في المجتمع من أداء دورها تجاه المواطن، وهنا لا بد من الاعتراف أن المواطن المصري ليس سلبياً بالفطرة، لكنه بالفعل لم يتلقَّ تشكيلاً لوعيه بشكل حقيقي عبر مؤسسات تشكيل الوعي المختلفة سواء الأولية أو الثانوية، فالأسرة والمدرسة والجامعة تخلّت عن مسؤوليتها في تشكيل وعي المواطن بقضايا مجتمعه الأساسية، وكذلك المؤسسات الدينية والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام لم تؤد دورها المنوط القيام به في عملية تشكيل الوعي.

وفي ظل هذا التقصير من مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية تجاه المواطن وعدم قيامها بعملية تشكيل وعيه لا يحق لها بعد ذلك محاسبته ووصفه بالسلبية تجاه القضايا والمشكلات والأزمات العامة التي يمر بها المجتمع، لأن المواطن في مثل هذه الحالة ليس أمامه سوى خيارين، الأول هو الاستسلام وعدم التفاعل والسلبية تجاه الأحداث والأزمات التي يمر بها المجتمع، لأنه يعتبرها لا تمسّه أو أنها ليست من مهامه المشاركة فيها، والثاني هو البحث عن بديل يمدّه بالمعلومات اللازمة لتشكيل وعيه حول القضايا والمشكلات والأزمات العامة، وفي ظل غياب دور المؤسسات الوطنية تبرز أدوار مؤسسات أخرى غير وطنية، لعل أبرزها في العصر الحديث وسائل الإعلام التي سيطر عليها اللوبي الصهيوني عالمياً، وعبر هذه الوسائل يتمّ تزييف وعي المواطن بحقيقة ما يحدث ويدور داخل مجتمعه.

وفي العقود الأربعة الأخيرة تخلّت مؤسسات الدولة عن دورها الرئيسي في تشكيل وعي المواطن المصري، كما تخلّت عن مسؤولياتها في المساهمة في توفير احتياجاته الأساسية، وهنا تراجعت القيم الجماعية مقابل انتشار وسيادة القيم الفردية، وعندما تنتشر القيم الفردية يضعف الانتماء والولاء وتبرز القيم السلبية تجاه القضايا والمشكلات والأزمات العامة، لذلك لا يجب اتهام الشعب المصري بالسلبية وعدم المشاركة وتحمل المسؤولية، فالدولة ومؤسساتها هي السبب الرئيس فيما أصاب المواطن من قيم الفردية والأنانية والسلبية.

وفي معركتنا الأخيرة مع الإرهاب كانت مؤسسات الدولة هي السبب الرئيس في حيرة الشعب تجاه هذه الجماعات الإرهابية، فمنذ مطلع السبعينيات قام الرئيس السادات بعقد صلح مع هذه الجماعات الإرهابية وأخرجهم من السجون والمعتقلات ليواجه بهم خصومه السياسيين، وترك لهم المجتمع يصولون ويجولون فيه كما يحلو لهم، وتمكنوا من التغلغل وبناء النفوذ داخل المجتمع المصري، ونشروا أفكارهم في ربوع الوطن واكتسبوا مؤيدين ومتعاطفين معهم، وفي الوقت الذي تخلّت الدولة فيه عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها، كانوا حاضرين بقوة ويملأون الفراغ الذي تركته الدولة، ثم قاموا بقتل الرئيس السادات، وجاء من بعده مبارك واستمرّ على النهج نفسه تاركا للجماعات الإرهابية المجتمع المصري يتحركون فيه بحرية تامة، حتى تمكنوا من الوصول للسلطة بعد 25 يناير 2011.

وكانت أول مواجهة حقيقية للشعب المصري مع الإرهاب في 30 يونيو 2013 حين أدرك الشعب المصري خطورة هذه الجماعات على مصالحه حتى الفردية. وخلال السنوات الأخيرة قامت الجماعات الإرهابية بالتصعيد ضد الوطن، حيث تلاقت إرادة ومصالح هذه الجماعات الإرهابية مع مصالح القوى الاستعمارية الغربية التي تمتلك مشروعاً لتقسيم وتفتيت المنطقة على أسس طائفية. فبدأ التصعيد في الداخل المصري ضد الأخوة المسيحيين، ففي كل عيد أو مناسبة تكون الكنائس هدفاً للإرهاب، وتصدّت الأجهزة الأمنية للجماعات الإرهابية وقدّمت مئات من الشهداء، وبدأ الحديث عن كيفية مواجهة الإرهاب وضرورة أن تكون المواجهة شاملة بحيث تقوم كل مؤسسات الدولة بدورها في عملية التصدّي والمواجهة، وكان من بين آليات المواجهة ضرورة عودة الوعي الشعبي وتفعيل دور المقاومة الشعبية لمواجهة الإرهاب.

وجاءت حادثة كنيسة مارمينا في حلوان هذا الأسبوع لتؤكد أن السلبية ليست سمة متجذّرة داخل الشخصية المصرية، بل هي سمة مكتسبة تتم عبر عمليات التنشئة الاجتماعية، لذلك يجب أن تعود كل مؤسسات الدولة المصرية الرسمية وغير الرسمية لأداء دورها في عملية تشكيل الوعي، والوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها. هنا سيعود الانتماء والولاء ومشاركة المواطن في مواجهة المشكلات والأزمات بل وخوض الحروب جنباً الى جنب مع مؤسسات الدولة، كما فعل المواطن صلاح الموجي وأهالي حلوان حين أعلنوا أن الشعب سيردّ على الإرهاب، فعندما تتوافر المعرفة الحقيقية عن الجماعات الإرهابية، يستطيع المواطن أن يتخذ منها موقفاً، ثم يترجمه سلوكاً، وبذلك تكتمل كلّ مكونات الوعي. اللهم بلّغت، اللهم فاشهد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى