باكستان ترفض السماح بتسلّل جماعة رجوي إلى إيران… فتعاقبها واشنطن الحكومة تدخل الشلل وتصريف الأعمال في ظلّ التوتر الرئاسي وغياب الحلول

كتب المحرّر السياسي

أكدت النتيجة التي انتهت إليها جلسة مجلس الأمن الدولي التي دعت واشنطن لعقدها لبحث الأحداث الإيرانية الأخيرة، أنّ واشنطن تكرّر الخيبات في محاولة استعادة الهيمنة على المؤسسة الأممية التي سبق وأمعنت باستخدامها كمطيّة وغطاء لسياساتها وحروبها وتصفية الحساب مع خصومها، كما وصف المندوب الروسي جوهر الدعوة الأميركية، متسائلاً عن إمكانية مناقشة مجلس الأمن لتظاهرات مانهاتن وقمعها من الشرطة الأميركية عملاً بمبدأ الدعوة ذاته، ومع مواقف روسيا والصين وبوليفيا الرافضة كلياً لبحث الوضع الإيراني، مواقف رافضة أقلّ حدة مثلتها دعوات فرنسا وكازاخستان، وفيما وقفت بريطانيا وحدها تدعم نسبياً موقف واشنطن، اكتفى سائر أعضاء المجلس بتمنيات أن تسود لغة الحوار مع إيران، وأن تكون المعالجات للأحداث الإيرانية قد نجحت باحتوائها.

الفشل الأميركي في مجلس الأمن بالتوازي مع الفشل في الميدان الإيراني في ظلّ احتواء الاحتجاجات ومواجهة عمليات التخريب، كما تفيد التقارير الواردة من طهران، ترافقا مع فشل أميركي آخر لا يقلّ أهمية، فقد كشفت مصادر إيرانية لـ «البناء» معلومات تفيد بأنّ الأزمة الأخيرة بين باكستان وأميركا ترتبط بالوضع في إيران، حيث طلبت المخابرات الأميركية من نظيرتها الباكستانية التعاون بتسهيل استقبال وتوطين قرابة خمسمئة من جماعة خلق الإيرانية المعارضة وتسهيل منحهم شروط تنظيم أوضاعهم كغرفة عمليات متقدّمة لإدارة المواجهة داخل إيران تمهيداً لاستقبال موجات جديدة من المهاجرين الإيرانيين الذين يجري تطويعهم للقتال داخل إيران وتأمين طرق التسلل لهم. ومن ضمن ذلك نصب هوائيات عملاقة لتأمين الحصول على شبكة خاصة للإنترنت يمكن نقل تردّداتها داخل إيران بأجهزة تقوية محمولة تنصب بصورة سرية بين المحافظات وتتيح تأمين التواصل بين جماعات الداخل والخارج. وقالت المصادر إنّ باكستان رفضت بشدّة التورّط في أعمال تخريب الاستقرار في إيران إدراكاً لمصالحها ولعدم الوقوع في ردة فعل إيرانية موازية تهدّد الاستقرار في باكستان، في ظلّ وجود جماعات باكستانية موالية لإيران تجنّد عشرات الآلاف من المريدين، لكنها تلتزم بضوابط الدولة الباكستانية الأمنية في الداخل الباكستاني، رغم مشاركتها بأعمال عسكرية في سورية تحت لواء الحرس الثوري الإيراني، هذا إضافة لشبكة مصالح في مجال النفط والغاز، أبرزها أنبوب الصين العملاق الذي يشكل شراكة إيرانية باكستانية استراتيجية. وتختم المصادر أنّ موقف باكستان الرافض للضغوط الأميركية كان السبب في الإعلان الأميركي وقف المساعدات الأمنية عن باكستان ووقف التعاون الثنائي مع جهاز المخابرات الباكستانية.

لبنانياً، حذّرت مصادر متابعة للخلاف الرئاسي من سيادة الفتور في العمل الحكومي، ينتهي بتحوّل الحكومة رغم انعقاد جلساتها إلى حال أقرب لتصريف الأعمال والشلل. فالجلسة الأخيرة مضت بسلام، لأنها استبعدت كلّ ما يسمّى بالقضايا الحساسة، وهي كلّ القضايا التي كان يتمّ إدراجها على جدول الأعمال بعد توافق الرئاسات على كيفية التعامل معها، سواء أكانت تطال تعيينات أم قرارات إنفاق أو تلزيمات ومناقصات، وقالت المصادر لو بقي الملف النفطي لما بعد نهاية العام لأصابه الشلل بالتأكيد. وأبدت المصادر خشيتها من تأخر في إنجاز موازنة العام 2018 انطلاقاً من كون التفاهمات التي تتيح إنجاز مجلس الوزراء مهامه تقوم دائماً على تسويات وتنازلات متبادلة، يكون أطرافها الرؤساء، كممثلين للقوى الأوسع تمثيلاً في طوائفهم وفي الحكومة ومجلس النواب في آن واحد، ويستحيل من دون توافقهم مرور القرارات بسلاسة، وفي ظلّ التوتر الرئاسي القائم سيعني تفادي المواجهة والتصعيد تجميد عمل الحكومة عملياً واحتفاظها بانعقادها الشكلي لإقرار بنود روتينية أو إصدار قرارات لا بدّ منها في مواجهة استحقاقات زمنية ومهل ضاغطة لملفات إدارية أو مالية.

أزمة «المرسوم» عالقة بين تصلُب المواقف

لا تزال أزمة مرسوم الضباط عالقة بين بعبدا وعين التينة في ظل تصلُب الرئيسين ميشال عون ونبيه بري بموقفيهما حيال دستورية المرسوم وقانونيته وميثاقيته، في وقتٍ لم يطرح رئيس الحكومة سعد الحريري حتى الآن أي اقتراح للحلّ حتى يوم أمس، ومن المرجّح أن يزور الحريري عين التينة خلال اليومين المقبلين للبحث مع رئيس المجلس النيابي مخارج الأزمة.

ولم تتلقّف بعبدا مبادرة عين التينة التي طلبت ملاقاتها في وسط الطريق من خلال إنهاء الأزمة بإضافة توقيع وزير المال على المرسوم، وأشارت مصادر رئيس الجمهورية إلى أنه «على الرغم من حصول بعض المشاكل إلا أننا نحتكم إلى المرجعين: الدستور والقانون، ولا يمكن تجاوز المؤسسات، وعند حصول أي خلاف يجب الاحتكام إليها وإلى القضاء الذي شهدنا تحسين ظروف عمله».

في المقابل أكد الرئيس بري في حديث تلفزيوني أن «أزمة مرسوم الضباط يمكن أن تُحلّ بخمس دقائق إلا إذا تمسكوا بمواقفهم»، مشدداً على انه لن يتراجع عن موقفه في هذا الملف». ورأى بري أن «في لبنان كل شيء يحصل، ومن الممكن أن تطول الأزمة حتى الانتخابات النيابية»، مضيفاً: «لقد نبّهنا مما كلفنا للوصول الى الطائف أي الـ 150 الف شهيد ويجب علينا التقيّد بنصه»، مكرراً أن «لا خلاف مع الجيش وقيادته وشرحت ذلك لقيادة الجيش وكان هناك تفهّم لموقفي».

ورداً على سؤال حول مبادرة رئيس الحكومة سعد الحريري لحل الأزمة، اكتفى بري بالقول: «عندما يصبح لدى الحريري مبادرة حل يقوم بطرحها».

هل يتمّ فصل المرسومين؟

ورجّحت مصادر سياسية على صلة بالرئاستين لـ «البناء» أن يُصار الى «ايجاد حلٍ للازمة خلال الاسبوع المقبل»، مشيرة الى أن «الجهود مستمرة ونشطت خلال الأيام القليلة الماضية، حيث يعمل أكثر من طرف على خط الوساطة بين بعبدا وعين التينة وفي مقدمتهم حزب الله مواكبة لجهود الرئيس سعد الحريري». ونقلت المصادر عن رئيس المجلس انفتاحه على الحلول و»حرصه على مقام رئاسة الجمهورية وعلى الرئيس ميشال عون ودوره، لكن في الوقت نفسه هناك دستور وأعراف ويجب التقيد بها واحترامها».

واستبعدت المصادر تصاعد الأمور أكثر، فلدى الرئاستين «حرص شديد بأن البلد لا يحتمل مزيداً من الأزمات لا سيما شلّ عمل الحكومة في ظل تردي الوضع الاقتصادي وتكاثر الأزمات الحياتية والمعيشية».

وعن المخارج المطروحة للأزمة، أوضحت المصادر أن «أحد المقترحات فصل مرسومي منح الأقدمية عن مرسوم ترقيات ضباط الجيش من خلال إصدار مرسوم جديد يستثني الضباط الذين منحوا الأقدمية يوقعه الوزير المختص ثم وزير المال ثم رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، أو إضافة توقيع وزير المال على المرسوم نفسه إذا وافق رئيس الجمهورية».

وأكدت مصادر مقرّبة من عين التينة لـ «البناء» أن «الحريري لم يقدّم أي اقتراحات أو مخارج للحل حتى الآن ولم يعرض أي شيء على الرئيس بري». ونفت المصادر أن يكون هناك ربط بين المرسوم وبين الاستحقاق الانتخابي، مؤكدة أن «الامر محصور بخروج المرسوم عن الأصول الدستورية والميثاقية»، لكنها تخوفت من أن «إطالة أمد الازمة سينعكس سلبياً على شكل التحالفات الانتخابية».

وعن اعتبار بعبدا بأن المرسوم انتهى وأصبح نافذاً تساءلت: هل يمكن تجاوز مخالفة دستورية وكأن شيئاً لم يكن؟ مضيفة: «المرسوم غير نافذ أولاً لأنه يخالف الدستور وثانياً لم ينشر في الجريدة الرسمية، فالبلد لا يُحكم بهذه الطريقة»، ولفتت الى أن «القانون رقم 646 العام 1997 تحدّث عن ضرورة نشر القوانين والمراسيم والقرارات في الجريدة الرسمية ولم يميز بين المراسيم. والمادة 54 من الدستور تلحظ توقيع الوزراء المختصين المراسيم الصادرة عن رئيسي الجمهورية والحكومة وفي حالة مرسوم الأقدمية يصبح وزيرا المال والداخلية هما الوزيران المختصان لأنه يرتب أعباءً مالية ويؤثر على ضباط قوى الأمن الداخلي». ولفتت المصادر الانتباه الى أن «وضع الضباط الذين منحوا الأقدمية على جدول الترقيات دليل بأنه المرسوم رتب أعباءً مالية ولو لم ينالوا أقدمية لما أُدرِجوا على لائحة الترقيات وكل ترقية ترتّب عبئاً مالياً».

وأكدت المصادر أن «وزير المال أرسل توضيحات بهذه الأسماء الى وزارة الدفاع، وبالتالي وزير المال لن يوقع مرسوم الترقيات حتى يتم تصحيح الخلل»، وأشارت الى أنه «في حال تم استثناء الضباط مرسوم الأقدمية من مرسوم الترقيات العادي سيوقع وزير المال المرسوم أو أن يوقع وزير المال مرسوم الأقدميات وعندها لا مشكلة في توقيع مرسوم الترقيات»، وشددت أن الرئيس بري يجنّب المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء تداعيات الأزمة».

جعجع: الانتخابات مفصلية لمستقبل لبنان

على صعيد آخر، ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، لن يشهد قانون الانتخاب الجديد أي تعديلات عليه مع ضغط المهل القانونية، كما أكدت مصادر «البناء» التي علمت أيضاً أن مختلف القوى السياسية جهزت ماكيناتها الانتخابية وبدأت بعقد اجتماعات مكثفة لتقييم ودراسة حجمها الانتخابي وحضورها وقدرتها التجييرية في مختلف الدوائر في ضوء قانون النسبية تمهيداً لحسم قرارها من الترشحيات والتحالفات التي من المتوقع أن تبدأ بالظهور بداية الشهر المقبل.

وفي سياق ذلك، أعلن رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع عن مرشح «القوات» عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه أنيس نصّار، وخلال كلمة له رفع وبشكل منفرد عن حلفائه التقليديين شعار وعنوان المعركة الانتخابية، معتبراً أن الانتخابات مفصليّة لمستقبل لبنان، مشيراً الى أن «الانتخابات معركة ما بين خطين سياسيين الأول يريد الحرية والسيادة والأمن والاستقرار للبنان، أما الثاني فيرفض أن يعلو صوت فوق صوت المعركة».

وأشارت مصادر سياسية لـ «البناء» إلى أن «اعلان رئيس القوات الترشيح في عاليه لا يعني حسم تحالفاته الانتخابية»، وتساءلت: «هل تستطيع «القوات» تشكيل لائحة بمفردها في الشوف وعاليه من دون الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل لا سيما أن الاشتراكي يريد التحالف مع المستقبل الذي بدوره أعلن مراراً تحالفه مع التيار الوطني الحر في جميع الدوائر، حيث لديهما وجود مشترك، وبالتالي الأمور حتى الساعة غير محسومة، ومن جهة ثانية، لم يطرأ أي جديد على علاقة حزبَي «القوات» و»الكتائب» الذي أكد أنه لن يتحالف مع القوات في ظل استمرار مشاركتها في الحكومة».

واعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في حوار مع مجلة «الأمن العام»، إجراء الانتخابات النيابية «انعكاساً لعودة الحياة الطبيعية والديموقراطية الى البلاد بشكل واضح، عودة تكرّس الاستقرار السياسي والاجتماعي»، مشيراً الى «الربط بين الاستقرارين السياسي والأمني، من دون الاستقرار السياسي ليس هناك استقرار أمني». ولفت في الشأن الأمني الى أن «قدرات الشبكات الإرهابية اصبحت محدودة جداً بعد عملية فجر الجرود». وقال: «الشبكات الإسرائيلية في لبنان فاعلة وقائمة، وناشطة باستمرار، كذلك فإن مكافحتها مستمرة بالوتيرة عينها وعلى المستوى نفسه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى