جدليّة القضاء… ومرسوم الأقدمية

هتاف دهام

ليست المرة الأولى التي تسلك فيها أزمة مياومي كهرباء لبنان مسار الحل، بعد اعتصامات وقطع طرقات وإقفال المؤسسة. فـتحريك «الأزمة الكهربائية» المعقدة بين الفينة والأخرى لم يعُد ينطلي على أحد، تقول مصادر التيار الوطني الحر لـ «البناء». فقطع طريق الرينغ مساء أمس، من مناصري حركة أمل قبل نحو ساعة من اتفاق وزارة المال بين الوزيرين علي حسن خليل وسيزار أبي خليل، يدفع إلى تتبّع إرهاصات الأحداث الميدانية التي قد تتظهّر في أماكن أخرى، عند كلّ مفترق بين بعبدا وعين التينة، بخاصة أنّ أزمة مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العام 1994 تتدحرج لأهداف ومرامٍ بعيدة في الرئاسة الثانية، علماً أنّ وزير المال أكد أنّ «كلّ ما دار في وسائل الإعلام عن خلفيات سياسية لما يجري مع مستخدمي كهرباء لبنان أزمة مرسوم أقدمية الضباط أمر غير دقيق على الإطلاق، فالنقاش كان مالياً بحتاً».

ورغم ذلك، فإنّ الثابت الوحيد أنّ الملفات الخلافية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ليست سراً. فالتباينات المضبوطة بإيقاع حارة حريك، قد تأخذ مع أزمة مرسوم الأقدميات منحى مغايراً.

اتسعت التجاذبات القانونية بين فخامة الرئيس و«الأستاذ». فجدّد رئيس الجمهورية أمس، تأكيد التزامه الموافقة على الرأي الذي تُصدره الجهات القضائية المختصة في شأن المرسوم. رأي، بحسب المكتب الإعلامي للرئاسة الأولى، يُفترض أن يلقى موافقة والتزاماً من الجميع، لا سيما أنّ القضاء هو المرجع الصالح للبتّ في الخلافات الناشئة حول قانونية المراسيم والإجراءات الصادرة عن الجهات الرسمية المختصة، سواء أكانت الخلافات داخل المؤسسات أم في ما بينها، وذلك انطلاقاً من اقتناعه بأنّ كلّ تباين في الرأي حول تدبير ما للسلطة التنفيذية ثمّة جهات قضائية معنية ببتّ أيّ نزاع ينشأ حوله. بيد أنّ رئيس المجلس سارع إلى الردّ، مشدّداً على أنّ الذي حصل ليس مجرد إشكالية قانونية في مرسوم يُطعن به أمام مجلس شورى الدولة، وإنما مخالفة صارخة لقاعدة دستورية تسمّى مداورة الأصول بالالتفاف على اختصاص سلطة دستورية ومواد بمنتهى الصراحة والوضوح في الدستور ليس أقلها المادتين 54 و56، هذا في المنطوق. أما في التفسير فالاختصاص يعود لمجلس النواب دون سواه».

لقد التفّت بعبدا على مجلس النواب في موضوع مرسوم الأقدمية، وضربت منطق دولة المؤسسات، بحسب مصادر عين التينة، لـ«البناء». فتصرّف رئيس الجمهورية يمسّ باتفاق الطائف والدستور. وتؤكد المصادر أنّ الرئيس بري لن يقبل بصيغة اللجوء إلى القضاء، مشدّدة على أنّ حلّ الأزمة سيكون إما بتوقيع وزير المال أو بتوقيع وزير المال، بخاصة أنه لن يسجل على نفسه أنه اتبع يوماً ما مسلكاً غير دستوري أو قانوني.

وسط هذا المشهد، فإنّ الأزمة ستطول وستتخذ مزيداً من التصعيد. فالصراع الدائر هو صراع مفاهيمي قد يؤثر، بحسب مصادر مطلعة لـ«البناء» على الانتخابات النيابية وعلى العمل الحكومي، وربما يدفع البلد إلى مزيد من التأزّم، فالخلاف كبير ومثلث الأضلاع.

وفي موازاة ذلك، يشدّد الخبير الدستوري عادل يمّين لـ «البناء» على أنّ توقيع المرسوم الرئاسي العادي يعود لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين استناداً إلى المادة 56 من الدستور، وبما أنّ مرسوم الأقدمية لا يرتّب بذاته نفقة مالية مباشرة وحتمية، فلا يكون وزير المال مختصاً بتوقيعه، بل يكون الاختصاص لوزير الدفاع وحده إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، خلافاً لمرسوم الترقية الذي يرتّب تعديلاً في الراتب ويستوجب توقيع وزير المال مع وزير الدفاع ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. فهذه الممارسة، بحسب يمّين، هي المتبعة منذ ما قبل الطائف وما بعده خلال عهود الرؤساء السابقين الياس الهراوي والعماد إميل لحود والعماد ميشال سليمان وحتى في العهد الحالي في خريف 2017، حيث صدرت ثلاثة مراسيم أقدمية بالصيغة ذاتها من دون أن يعترض أحد. لا نقاش في أنّ من اختصاص مجلس شورى الدولة، إعلان صحة المرسوم أو بطلانه بناء على مراجعة ترده ضمن المهلة القانونية من صاحب مصلحة وصفة المتضرّر، يقول يمّين. وليس من مداورة أو تجاوز على صلاحية مجلس النواب لأنّ الأقدمية تصدر بموجب مرسوم رئاسي عادي بناء على اقتراح وزير الدفاع وبناء على اقتراح المجلس العسكري، بحسب قانون الدفاع الوطني. وهذا ما حصل بموجب المرسوم موضوع البحث. صحيح أنّ المادة 47 من قانون الدفاع تقول بـ «عدم استطاعة أحد أن يعطي الأقدمية إلا إذا كانت تقديراً لأعمال باهرة خلال عملية حربية أو حفظ أمن أو اشتباك مسلح في الداخل»، لكن تقدير توافر شروط الأقدمية يعود للمجلس العسكري الذي اقترح المرسوم ويبقى لمجلس شورى الدولة ممارسة رقابته، بناء على مراجعة مستوفية الشروط. وبالتالي، ليس من اختصاص مجلس النواب بصورة انفرادية وبموجب قانون عادي تفسير الدستور، لأنّ تفسير الدستور يجب أن يتمّ بموجب قانون دستوري تشترك فيه السلطتان التنفيذية والتشريعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى