أمّتنا بين حِقْدَي آل سعود والعثمانيّ المنتفخ أردوغان

جورج كعدي

ثمّة دول ونظم وزعامات مستبدّة لا تملك سوى أحقادها التاريخيّة، المتوارثة أو المستحدثة، أسلوب تعامل مع الدول الجارة أو البعيدة وحكّامها وشعوبها، فمثل هذه الزعامات المتخلّفة، سواء أوليغارشيّة متهافتة أو مرتقية سلّم التعصّب الدينيّ بل المذهبيّ لبلوغ السلطة تحت مظلّة «ديمقراطيّة» مخادعة وديماغوجيّة مبنيّة على التضليل والخداع والتلاعب بالعقول وإثارة العصبيّات القوميّة أو الطائفيّة أو العرقيّة كما هي حال أردوغان وحزبه ومافياه وأتباعه العميان من العثمانيّين الجدد الحالمين بإعادة زمن السلطنة وفي مقدّمهم أحمد داوود أوغلو ، لا تملك من الحسّ الإنسانيّ أو الأخلاقيّ شيئاً، ولا تفقه شيئاً في الحضارة الإنسانيّة والتطوّر الفكريّ والثقافيّ والعلميّ الذي يدفع باقي الدول والأمم وقياداتها نحو آفاق عصريّة في ظلّ تبدّل أساليب التعامل في ما بينها على أسس من الرقيّ والتعاون والسعي إلى خير الشعوب المرتبطة بمصير واحد مشترك، مثلما هي الحال في أوروبا المتحدة اليوم بعد قرون من الحروب والمآسي والضغائن المزمنة بين الأعراق والأقوام واللغات، أو مثلما هي بين الدول الاسكندنافيّة في أعقاب أزمنة من «التوحّش»، أو بين مجموعة كبيرة من دول أميركا اللاتينيّة التي ترى في تعاونها وتقاربها وشَبْك مصالحها المشتركة فائدة لسائر شعوب هذا الجزء الحضاريّ العريق من القارّة الأميركيّة، فضلاً عن التحالفات الاستراتيجيّة بين الدول والأمم العظمى مثل روسيا والصين وشركائهما الآسيويّين… أي أنّ العالم كلّه، أو لنقل غالبيّته المطلقة، تسير في خطّ التقارب والتعاون والمشاركة والتلاقح والانفتاح والبحث عن المصالح المشتركة، برؤى علميّة وفكريّة وثقافيّة واقتصاديّة متكاملة، لما فيه خير الجميع وتطوّرهم ورفاه مجتمعاتهم ورقيّها، انسجاماً مع روح العصر ومستلزماته وما تفرضه الأصول السياسيّة والديبلوماسيّة الحديثة من أسلوب تعامل وتعاون بين الدول، فضلاً عمّا فرضته مفاهيم «العولمة» ووسائل التواصل من محو المسافات وإزالتها بين الجماعات والأفراد، على اختلاف الانتماء أو التوجّه الثقافيّين.

… إلاّ آل سعود وأردوغان، لا يملكون من زاد الحكمة والمعرفة والثقافة والحضارة شيئاً، وما قدّموا لشعوبهم أو للبشريّة إنجازات من أيّ نوع، رغم تمتّع السعودية وتركيا بثروات وإمكانات من كلّ نوع، نفطيّة في الأولى وصناعيّة وسياحيّة في الثانية. ولا رعى أيّ منهم الثقافة والفنون والعلوم، ولا أعطى المثال المحتذى، ولا أضاء شمعة في ظلام المنطقة الحضاريّ والثقافيّ والطائفيّ البغيض، ولا لعب دور الوسيط أو الساعي إلى خلق وحدة شرقيّة حضاريّة تهدي العالم نموذجاً متقدّماً عن شعوب هذه المنطقة وتبدّل نظرته القبْليّة المسبقة الحكم حول تراجعها وتخلّفها وغرقها في العصبيّة والتطرّف الدينيّ. آل سعود وأردوغان وأوغلو وحاشياتهم وأزلامهم وأتباعهم ومرتزقتهم والمتكسّبون الصغار من فتات موائدهم النفطيّة الفاحشة، لا يقدّمون شيئاً على الإطلاق إلى الحضارة الإنسانيّة عامة، ولا إلى شعوبهم خاصة، ولا أيضاً وأيضاً إلى المنطقة التي ينبغي أن تفيد من قدراتهم وإمكاناتهم للّحاق بركب الحضارة الإنسانيّة المتقدّمة، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وفي سائر النواحي والقارّات.

ننظر إلى آل سعود فماذا نرى وماذا نسمع؟

نرى بدءاً مجتمعاً صحراويّاً يلهج ليل نهار بلغة المال والنفط والتباهي بشاهق البناء مقابل ضمور الفكر والثقافة والانفتاح، وسط حكم أعمى متخلّف باسم الشريعة والدين، فمقابل كل ناطحة سحاب وبناء مرتفع مئة من «المطاوعيّة» الذين يجلدون الرجال والنساء في الأماكن العامة… ومقابل كلّ منشأة نفطيّة أو حكوميّة ضخمة تراجع في الفكر والثقافة والانفتاح على حضارات العالم…

أمّا في السياسة فحدّث ولا حرج، إذ لا يملك آل سعود ذرّة معرفة في أسس بناء التعاون وحسن الجوار مع الآخرين، ولا يتعاملون مع الدول المجاورة أو القريبة إلاّ بالشكّ والحقد، فهم يشكّون دوماً، على المثال، بنوايا إيران ويحقدون عليها طائفيّاً وعرقيّاً عربان عربة سنّة مقابل فرس من أهل الشيعة ، فضلاً عن الغيرة والحسد لكون الإيرانيّين ذوي قدرة على التطوير والابتكار والاختراع والتقدّم في العلوم بلوغاً إلى امتلاك الطاقة النوويّة السلميّة، فيما لم يخترع آل سعود و«دولتهم» العظيمة إبرة ولم يركّبوا حبّة دواء، أي لم يقدّموا شيئاً على الإطلاق للحضارة الإنسانيّة، رغم الإمكانات والثروات الهائلة التي لا يحسنون إلا تبذيرها على صنوف الفحش كافّة أو التباهي بها أمام الشعوب الفقيرة، في دنيا العرب والعالم الإسلاميّ وما أكثر فقره وفقرائه! حتّى جيرانهم الخليجيّون ليسوا في حالة وئام معهم فيخاصمون القطريّ ويخاصمهم، وينافسون الإمارات ويضيّقون عليها، كذلك الكويت وسلطنة عمان واليمن ومصر… لا تملك السعوديّة علاقة سويّة، أو حتّى ندّية، مع أيّ دولة قريبة أو بعيدة، اللهم إلاّ علاقة الامتثال والخضوع والخنوع للولايات المتحدة، سيّدتها المطلقة ومسيّرتها وآمرتها وناهبة ثروتها النفطيّة.

حيال سورية، الدولة والأمّة في آن واحد، ما أظهر آل سعود يوماً أمراً آخر غير الحقد الدفين الصحراء تحسد الهلال الخصيب وتطمح إلى الاستيلاء عليه الذي تبدّت ذروته في الهجمة الحاقدة المسعورة على سورية وطناً وتاريخاً ودولة ونظاماً ومقوّمات، مغلّفين حقدهم المرعب بدعوى «إسقاط النظام» فيما هدفهم الضمنيّ العميق تدمير سورية الحضارة والتاريخ والمدينة الحضريّة الأعتق في عمر البشريّة.

إلى البالون العثمانيّ المنتفخ، الفارغ إلاّ من هواء، أردوغان، وتابعه الصغير، الواوي أحمد داوود أوغلو، فهما مثل دميتين عتيقتين باليتين، خلف ستارة مسرح دمى، تزعقان أكثر ممّا تفعلان كان العرب ظاهرة صوتيّة فبات العثمانيّون الجدد مجرّد ظاهرة صوتيّة وتحتدّان أكثر ممّا تخيفان، وتعيشان في الخرافة والوهم أكثر منهما على أرض الواقع، فبكلمة تهديد خفيّة ومستترة وغير علنيّة من الإيرانيّين تنكفئ هاتان الدميتان، أوغلو ـ أردوغان، ويخفت زعيقهما، إذ تخشيان الصواريخ المصوّبة إلى اسطنبول، منبع الاقتصاد السياحيّ الذي لا يملكان سواه قوتاً لـ«جبروتهما» العثماني البالي والمهترئ، والأكثر إضحاكاً في زعيقها المتواصل ذاك الحلم المستحيل المنال والرغبة غير المتحقّقة إلى الأبد: إسقاط الرئيس بشّار الأسد، كابوس أردوغان في مناماته العثمانيّة الليليّة مرتدياً عباءة السلطان… في أحلامه ـ الكوابيس فحسب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى