صديقة الحزب ابنة مدينة عكّا… الأديبة سعاد ملكي

تعرفت إليها في سان باولو في زيارتي الثانية إليها، عام 1983. أديبة، ومواطنة صديقة للحزب، ومتفانية في سبيل المسألة الفلسطينية، إعلامياً، وسخاءً مادياً.

كانت تنشر من حين إلى آخر مقالات أدبية في مجلة «الرابطة» التي كان يرأس تحريرها الأمين نواف حردان، وكان طبيعياً أن تسود علاقتها به محبة وصداقة، وهي شقيقة كل من: الرفيق يوسف ملكي، الذي كان قد أورد عنه جبران جريج في الصفحة 531 من الجزء الثالث من سلسلة مجلدات «من الجعبة»، على أنه «أول قومي اجتماعي اغترب إلى المهجر البرازيلي»، والمواطن الصديق جورج، الصناعي الذي تابع أعمال شقيقه الرفيق يوسف بعد رحيله الباكر.

ربما انتمت الأديبة سعاد ملكي إلا أنها لم تكن تصفح عن ذلك، مكتفية انها صديقة للحزب ومؤمنة بتعاليمه.

كان حضورها متقدماً وسط الجالية وبالأخص الفلسطينية منها، وهي جالية كبيرة في البرازيل وموزعة في كثير من المدن والولايات، وبالأخص في ولاية ريو غراندي دو سول 1 .

كانت الأديبة سعاد ملكي تتصل بنا كلما زارت لبنان، فتقيم في منزل إحدى قريباتها، في منطقة فردان.

وفي البرازيل كانت تتواصل مع كل من الرفيقتين وداد عزّ الدين وكلود حجار، ولا تنقطع عن الاتصال بالرفيقة إليسار نواف حردان 2 والاطمئنان إليها، خصوصاً بعد رحيل الأمين نواف.

وكنا على تواصل مع الأديبة سعاد نطمئن إليها ونتعرّف إلى كل جديد لديها. وبدورها كانت تتصل.

منذ فترة اتصلت إليسار هاتفياً لتنقل إلينا خبر رحيل الأديبة سعاد ملكي. بعد أن كانت قد فقدت شقيقها جورج، لم تقترن بأحد، وبالتالي قضت أواخر أيامها وحيدة إلا من صديقات وجيران.

تزخر مجلة الرابطة بعدد من المقالات الأدبية للراحلة سعاد ملكي، التي أعرف كم كانت متفانية لبلدها فلسطين، وتملك الحضور الجيد في أوساط الجالية.

لذكراها أنشر إحدى مقالاتها في مجلة «الرابطة» 3 :

إلى أين يسير لبنان؟

«يا لبنان الجميل.. ويا لبنان الحبيب.. يا وطني الغالي المفدى.

هل انقطعت شلالاتك؟ أم جفت مياهك حتى استبدلتها بدماء أبنائك؟ فجعلتها تنهمر كالشلالات الغزيرة، وتتراكض كالأنهر السيارة، وتنفجر كالينابيع الفوارة؟

ماذا دهاك يا لبنان؟ وما هذا القتال؟ ولماذا تحوّل سلامك إلى شغب وحرب وقتال؟

ماذا حلّ بلبنان الوديع المسالم وكيف تتحوّل محبته إلى حقد وضغينة وينقلب أمنه إلى نار لاهبة تحرق أبناءه وتدمّر قراه، وتقضي على خيراته. وتزرع اليأس والحزن في كلّ شبر من أرضه.. وتجعله لقمة سائغة في فم أعدائه.. أولئك الأعداء المرابطين على الحدود الذين يحاولون احتلاله وإبعاده عن المعركة الكبرى، معركة الشرف.. معركة المصير.. معركة البقاء أو الفناء..

يفعلون ذلك يا لبنان الحبييب، بمختلف الوسائل.. تارة بالغارات على قراك ومدنك الآمنة.. وطوراً بالخطف والاغتيالات.. واخرى بالدسائس وزرع الخلافات.. وها هم اخيراً يتخذون من ارضك مسرحاً لجرائمهم تقوم انت عليه بتمثيل الادوار.. فتسير كالحمل الوديع، والعبد المطيع، والغبي الجاهل، والاعمى الذي لا يرى، وتعلنها حرباً طائفية بغيضة. يتقاتل فيها المسيحي مع اخيه المسلم، والماروني مع ابن وطنه الكاثوليكي.. وهم من بعيد.. من على ارضنا السليبة.. يراقبون ويفرحون.. ويسخرون ويشمتون.. وانت الضحية البريئة تقع في شراكهم.. فتحول خلافاتك الشخصية إلى قتال مدمر.. قتال بين الاهل والاصحاب.. والطوائف والفئات.. حرب وقتال في الشوارع والازقة.. يتبعهما حقد وبغض.. جوع ورعب.. عويل وصراخ.. حزن وموت.. وبكاء يملا جو لبنان..

ما هذه الكوارث والفواجع والنكبات المتتابعة..؟

او إلى اين يسير لبنان؟ بل إلى اية هاوية يدفعونك اليها يا وطني الحبيب؟

يا ويحهم… انهم باسم الدين والوطن والوطنية يتحاربون ويتقاتلون ويدمرون بلادهم.. والدين والوطن والوطنية منهم ومن اعمالهم براء…

متى كان الوطن لطائفة من البشر؟ ومتى كان الدين هو شريعة البلاد؟ وهل يسمى وطنية قتل اخواننا في الوطنية؟؟

يا له من عار عندما يتحول خلاف الاخوان إلى قتال.. اتقوا الله ايها المواطنون.. لنبعد عنا التعصب الذميم والجهل القتال.. لنسترجع صوابنا.. وننسى خصوماتنا.. وبتسامح واخلاص نتصافى ونتحد.. ثم نتهيأ للمعركة الكبرى..

ومعركتنا الكبرى هي ازالة اسرائيل.. ولن ننتصر عليها الا بالوعي الصحيح والقومية الحقة المترفعة عن الصغائر والخصومات الفردية..

لنكن صرحا قويا صامداً في وجه العواصف والتيارات.. لنتضامن مع اخواننا الواعين.. العاملين لاستعادة فلسطين.. فيسير جيشنا بجانب الشعب والمنظمات مع جيوش الدول العربية وننقض كالصاعقة على الاعداء. ثم بعد تحرير الارض المقدسة، نبدأ بناء بلادنا من جديد.. فنبنيها على اسس العلم والمعرفة والحرية.. والتضامن والتسامح والعهدالة والنزاهة والقومية.. ونجعل شعارنا «الدين لله والوطن للجميع»

بعد هذا.. بعد هذا فقط يعود الامن والاستقرار والازدهار إلى ربوع لبنان.. لبنان منبع المحبة والجمال.. والنور والوحي والكمال..

هوامش:

1 تقع في جنوبي البرازيل، على مقربة من الارجنتين، عاصمتها «بورتو آليغري».

2 كانت انتمت عندما امضت سنوات في بيروت، تابعت فيها الدراسة، والتحقت بمخيمات الحزب، ونشطت حزبياً إلا انها اضطرت، بفعل استمرار الحرب، للعودة إلى البرازيل، فاستقرت في سان باولو.

3 نشرت في عدد آب أيلول 1976.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى