ترامب يمدّد الالتزام بالاتفاق النووي أربعة شهور مهدّداً بالخروج منه ما لم تنجح أوروبا بتعديله إيران تسخر من الارتباك الأميركي وتعتبره دليلاً على متانة الاتفاق النووي… وترفض أيّ تعديل

كتب المحرّر السياسي

بالرغم من تواصل التصعيد في ساحات سورية واليمن وفلسطين خطف الملف النووي الإيراني الأضواء مع نهاية المهلة التي ينصّ عليها قانون الكونغرس الذي أقرّ بموجبه الاتفاق ليقرّر الرئيس الأميركي خطوته اللاحقة إذا قرّر عدم التوقيع على تجديد الاتفاق لسنة وواصل رفع العقوبات مؤقتاً، وهي مهلة تسعين يوماً تنطبق على ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل ثلاثة شهور، ومثلما أنهى المرة الماضية حملة مكثفة أوحت بإعلانه نهاية الاتفاق بخيار رمادي لا يجدّد للاتفاق ولا يُلغيه، فعل هذه المرة، مستفيداً من نصٍّ ثانٍ في القانون تجيز مهلة مئة وعشرين يوماً للتفاوض على تعديلات، طلبها ترامب وقال إنه لن يفاوض عليها مع إيران بل يترك للأوروبيين ذلك.

أوروبا التي تشارك ترامب تطلعاته حول دور إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي، ترفض ربط مصير التفاهم النووي بمصير التفاوض على هذه البنود، وترفض التهديد بإلغاء التفاهم النووي ما لم يتمّ التوصل لتفاهم على قضايا خلافية، بل تعتبر أنّ الاطمئنان إلى مصير التفاهم النووي يجب أن يكون سياسة تشجع إيران على الثقة بجدوى التفاوض والوصول لتفاهمات دبلوماسية. وبرأي مصادر دبلوماسية مطلعة لا شيء يتوقع حدوثه خلال الشهور الأربعة المقبلة، فلا إيران ستقبل التغيير والتعديل، ولا أوروبا ستقبل الإلغاء، وسيكون على ترامب العودة إلى حيث كان وهرب من القرار الحاسم.

في طهران توزّعت ردود الأفعال على قرار ترامب بين السخرية من العنجهية الأميركية وارتباك إدارة ترامب، وبين الثقة بقوة ومتانة الاتفاق النووي وصعوبة العبث به وتعريضه للخطر، فيما خرجت مواقف تؤكد تمسك إيران ببرنامجها الصاروخي ورفضها جعله موضوع تفاوض.

لبنانياً، مع تواصل التجاذبات الرئاسية تحت عنوان المرسوم العالق، والتجاذبات السياسية حول الملف الانتخابي وموضوع البطاقة الممغنطة، برز كلام لافت لرئيس الحكومة سعد الحريري، خصوصاً أنه لصحيفة أميركية بارزة هي «وول ستريت جورنال»، قال فيه إنّ وجود حزب الله في الحكومة وأيّ حكومة مقبلة هو عامل استقرار، ومعلوم أنّ مواقف أميركية عديدة، خصوصاً للرئيس الأميركي ومثلها مواقف سعودية خصوصاً للوزيرين ثامر السبهان وعادل الجبير، كانت تتمحور حول الحاجة لإخراج حزب الله من الحكومة ومنع مشاركته في الحكومات المقبلة. وترافق موقف الحريري مع شروح لمفهوم النأي بالنفس عن نزاعات المنطقة وعن التموضع التدريجي لحزب الله خارج هذه الأزمات، أو تخفيف تأثير حضوره فيها على لبنان.

الحريري للسعودية: نرفض إقصاء حزب الله

عادت الاتهامات بين القوى السياسية على خلفية خرق مبدأ النأي بالنفس الى الواجهة، لكن هذه المرّة ليس بين حزب الله وتيار المستقبل، بل بين الأخير ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي وجّه انتقادات لاذعة للمملكة العربية السعودية في المقابلة على قناة المستقبل التي حملت إعلاناً للخروج النهائي عن طوع «ولي الأمر وولي العهد» مع الحفاظ على موقعه الوسطي إزاء الصراعات الإقليمية والداخلية.

وفي وقتٍ نشطت المساعي لتطويق التوتر على خط عين التينة – بيت الوسط الذي نبَت على ضفاف أزمة المرسوم بين رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي، أطلق رئيس الحكومة سعد الحريري مواقف لافتة ومتقدّمة تجاه حزب الله عكست أجواء التقارب بين الحزب والحريري غداة أزمة احتجاز رئيس «المستقبل» الذي ثمّن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقيادة الحزب خلال الأزمة، كما أظهرت مواقف الحريري الهامش الواسع لديه في إدارته التوازن الداخلي لمصلحة لبنان بعيداً عن إرادة المملكة وتقرّبه أكثر من النهج التصالحي مع الحزب. موجّهاً رسالة واضحة للسعودية برفض إقصاء حزب الله في أي حكومة مقبلة أو المواجهة معه.

وفي حواره مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، قال الحريري إنّه يسعى إلى إخراج لبنان بقوة من الصراع الإقليمي الدائر بين السعودية وإيران. وتابع: «الباب دوماً مفتوح أمام حزب الله للمشاركة في الحكومة، التي من المزمع تشكيلها عقب الانتخابات المقرّر إجراؤها في أيار المقبل». أضاف: «لا يمكننا قبول التدخل من أي شخص أو دولة في السياسة اللبنانية، علاقاتنا مع إيران أو الخليج ينبغي أن تكون على أفضل حال، لكن بما يخدم المصالح الوطنية للبنان».

وأعرب عن اعتقاده بأن «حزب الله ملتزم أيضاً بتلك السياسة، الهجمات الإعلامية على العالم العربي، والخليج بشكل خاص، قلّت بصورة كبيرة في الفترة الحالية، وهذا أمر إيجابي»، مشيراً الى أن «انسحاب حزب الله من ساحات المعارك في الدول المجاورة، أمر سيستغرق وقتاً، ولن يحدث بين عشية وضحاها».

وتابع الحريري: «رغم أن حزب الله قد يقلّل من وجوده في اليمن والعراق، وينسحب بصورة كاملة من هناك، لكن الوضع أكثر تعقيداً في سورية، فبعض الدول ترى أن وجود حزب الله أصبح ضرورة هناك، وليس تدخلاً في الشأن السوري، بل محاولة لحل الأزمة»، وحذّر الحريري «إسرائيل» من محاولة القيام بعمل عسكري ضد حزب الله، مشيراً إلى أن هذا ستكون له نتائج عكسية بصورة كبيرة.

ورأت مصادر نيابية في 8 آذار في كلام الرئيس الحريري تعبيراً عن «حقيقة الواقع في لبنان ويعكس نيات جدية بإبعاد لبنان عن صراع المحاور الذي أرادت السعودية إقحامه فيه، كما يعبر عن رفض العودة الى المرحلة «السبهانية» الى الداخل اللبناني لا سيما بعد تعيين سفيرٍ جديد للمملكة في لبنان». كما لفتت المصادر الى استمرار المظلة الإقليمية والدولية حول لبنان من جهة وإعادة السعودية لحساباتها مع الحريري خصوصاً ولبنان عموماً، لكن المصادر دعت الى الانتظار والترقب لما سيحمله الحريري بعد زيارته السعودية الأسبوع المقبل، وهل سيعود بمناخٍ تصعيدي أم سيحافظ على وتيرة مواقفه المعتدلة والواقعية والتوافقية الحالية؟

ورأت المصادر نفسها في تصريحات النائب جنبلاط أنها «تعبّر عن انسجام تام مع رؤية حزب الله في مقاربة الوضع الإقليمي في ظل الإدارة الأميركية الحالية التي تدفع المنطقة الى الهاوية وتجنيب لبنان تداعيات ذلك، وبالتالي ضرورة تمرير المرحلة بأقل خسائر ممكنة لا سيما مع عودة بعض القوى في الإقليم الى التصعيد في المنطقة وفي سورية تحديداً».

المستقبل يأسف وجنبلاط يتراجع

وردّ «تيار المستقبل» أمس، على مواقف جنبلاط ضد السعودية، وأعرب عن أسفه لـ «طريقة ومضمون المخاطبة التي توجّه بها جنبلاط للمملكة»، معتبراً أنه «اُسلوب لا يتوافق مع تاريخه وتاريخ الحزب التقدمي الاشتراكي وعلاقته الشخصية، مع دولة شقيقة كانت دوماً الى جانب لبنان وقضاياه، ولم تبخل في دعم مسيرة أمنه واستقراره في أصعب الظروف»، مشدداً على وجوب التزام كافة القوى اللبنانية، بعدم التعرّض للدول الشقيقة او الإساءة اليها، بما يهدد مصالح لبنان الحيوية وسلامة علاقاته مع محيطه العربي.

وعلى الأثر، رد جنبلاط بالقول «احتراماً لسياسة عدم الانحياز الذي أرساها الحريري أعلن التزامي بهذا النهج تفادياً لتفسيرات مغلوطة او تأويلات غير دقيقة قد تلحق ضرراً بمبدأ النأي بالنفس.»

المراسيم في «سلّة»؟

في غضون ذلك، لا تزال أزمة مرسوم الأقدمية ترخي بظلالها على المشهد السياسي، وفيما بات اقتراح عين التينة للحل الذي نقله موفد جنبلاط النائب وائل أبو فاعور الى السراي الحكومي في عهدة رئيس الحكومة الذي لم يُسْمَع منه أي ردّ حتى الآن، كما أشارت قناة «أن بي أن»، سُجِلت زيارة مستشار الحريري وزير الثقافة غطاس خوري الى عين التينة أمس، ولقائه الرئيس نبيه بري وأوحت ببداية حل للأزمة.

وإذ رجّحت مصادر «البناء» أن يطلع رئيس الحكومة رئيس الجمهورية على اقتراح الحل، خلال زيارة يقوم بها الى بعبدا خلال الأيام القليلة المقبلة، لم تفصح مصادر بيت الوسط عن مضمون الاقتراح، لكن زيارة خوري دلّت على إيجابية ما باتجاه إيجاد الحل.

وتوقعت مصادر نيابية لـ «البناء» أن «يتم تطويق الأزمة بين الرئاسات وإن احتاجت بعض الوقت وإبقاء الخلاف السياسي تحت سقف استمرار عمل المؤسسات، لا سيما مجلس الوزراء في ظل الأزمات الحياتية والاقتصادية التي تحاصر لبنان والوضع المعقد في المنطقة وتداعياته المحتملة على الداخل».

وتحدّثت المعلومات عن أن اقتراح الرئيس بري الذي حمله الوزير جنبلاط الى رئيس الحكومة هو «سلة كاملة متكاملة للحل تقضي بإصدار مرسوم جديد يضمّ مرسوم الأقدمية لدورة 1994 في الجيش والأجهزة الأمنية كافة الى جانب مرسوم الترقيات وتوقيعه من وزراء الدفاع والداخلية والمالية ثمّ من رئيس الحكومة ويرسل الى رئيس الجمهورية لتوقيعه».

غير أن مصادر التيار الوطني الحر أشارت لـ «البناء» الى أن «رئيس الجمهورية قال كلمته في شأن المرسوم وأي فريق يعترض فليتوجّه الى القضاء الذي هو المرجع للفصل في النزاعات»، مؤكدة أن «عون سيرفض أي نوع من المساومات والتنازلات على أمرٍ دستوري، وهو يريد الحفاظ على علاقة جيدة مع رئيس المجلس، لكنه مؤتمن على الدستور ولن يفرط به».

وشدّدت المصادر على أن «سلة الحل غير مقبولة في بعبدا، وجدّدت رفض رئيس الجمهورية اللجوء الى المجلس النيابي لتفسير الدستور وإصراره على القضاء الإداري، ورجّحت أن تستمر الازمة الى ما بعد الانتخابات النيابية».

وقد تلقت بعبدا أمس، جرعة دعمٍ من الكنيسة المارونية في قضية المرسوم، وأكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال لقائه الرئيس عون أن «مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة 1994 لا يرتب أعباء مالية تستوجب توقيع وزير المال، وبالتالي فإن المادة 54 من الدستور تتحدث عن توقيع الوزير المختص، وهو بهذه الحالة وزير الدفاع ويمكن ان يشاركه ايضاً وزير الداخلية. اما في حالة مرسوم الترقية الذي يرتّب موجبات مالية، فعندها يجب أن يقترن بتوقيع وزير المال أيضاً».

وفي سياق ذلك، نفى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم انسحابه من الوساطة بين الرئيسين عون وبري، مشيراً إلى أن «أسباب الأزمة سياسية وليست تقنية». وقال «إنها ذات أبعاد سياسية».

وطمأن إبراهيم الى أن «الوضع في لبنان أفضل من الولايات المتحدة الاميركية ومن كل دول المنطقة ومن بلدان كثيرة في العالم، وهو تحت السيطرة»، ولفت الى أن «هناك إصراراً على إجراء الانتخابات في موعدها. وهذا ما يؤكده الرؤساء الثلاثة، إضافة الى الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي، خصوصاً أوروبا وأميركا، لإجرائها».

محاولات سعودية لتطيير الانتخابات

في الشأن الانتخابي يكشف تعاطي القوى السياسية مع ملف الاستحقاق الانتخابي منذ العام 2013 حتى الآن نيات هذه القوى بتمرير التمديد للمجلس النيابي تحت ذرائع مختلفة أمنية ثم تقنية، لا سيما التمديد الأخير الذي تمّ فرضه تحت عنوان استكمال تطبيق الإصلاحات في قانون الانتخاب الجديد، وهنا يصبح السؤال مشروعاً: لماذا لم تُوضَع آليات لتطبيق بعض الإصلاحات؟ ولماذا أُدخِلت هذه الإصلاحات ضمن القانون، إذا كان هناك خلاف حول تطبيقها؟

وتوقفت أوساط سياسية لـ «البناء» عند ما نُقِل عن الرئيس بري وجود جهات داخلية وخارجية تعمل لتطيير الانتخابات، وربطت بين هذه المخاوف وكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن فرض الرئيس ميشال عون وحزب الله قانون الانتخاب على الرئيس الحريري، مشيرة الى أن «لا مصلحة للسعودية وللولايات المتحدة الأميركية بإجراء انتخابات على القانون الجديد الذي سيُمكِن حزب الله مع حلفائه من حصد الأكثرية النيابية أو ثلثي المجلس ما يجعله يضمن المظلة السياسية حول سلاحه ووجوده العسكري في المنطقة والقدرة على التحكم بالقرارات الكبرى والمفصلية في لبنان وبطريقة ديموقراطية».

وحذّرت مصادر مطلعة على الملف من أن «التأجيل الأخير للانتخابات كان بحجّة اعتماد البطاقة الممغنطة، وبالتالي عدم إنجازها قد يدفع بعض المرشحين الخاسرين الى الطعن بالاستحقاق أمام المجلس الدستوري». وأوضحت أن «المجال لم يعد متاحاً من أجل إصدار البطاقة الممغنطة، التي يفترض أن تكون الأساس لإنشاء الميغاسنتر أو الاقتراع في منطقة السكن». وأشارت الى أن « وزارة الداخلية لم يعد باستطاعتها إنشاء الميغاسنتر، لأنه يحتاج الى إعداد قوائم انتخابية جديدة لنقل عدد كبير من الأسماء من مكان سجل القيد الى مكان السكن».

وقال مصدر في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إننا «عارضنا التسجيل المسبق لعدم تقييد حرية الناخبين وترك المجال لهم للاقتراع، حيث يشاؤون من دون إلزامهم مسبقاً، ومن جهة ثانية لرفع نسبة الاقتراع في كل المناطق، لكن الطرف الآخر رفض تحت حجج متعددة، والآن يلقون اللوم علينا، علماً أننا عدنا ووافقنا اليوم على التسجيل المسبق والميغاسنتير فلماذا يعارضون». وأكد المصدر أننا «لن نستسلم، بل سنعمل حتى ربع الساعة الأخير لتطبيق ما تبقى من إصلاحات في القانون، لكن في حال لم نستطع فسنذهب الى الانتخابات في موعدها، ولن نوافق على تأجيلها يوماً واحداً»، ونفى المصدر «نية التيار الضغط لعقد جلسة للمجلس النيابي لتعديل قانون الانتخاب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى