نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة

أسامة العرب

إنّ حكومة نتنياهو تعمل على أساس أنّ الضفة «أرض محرّرة» وأنّ ضمّها رسمياً ما هو إلا مسألة وقت، وبخاصة بعد عودة نتنياهو إلى الحكم عام 2009، حيث بدأت مرحلة ما سمّي بـ«إسرائيل الثالثة»، ومن ثم أصبح الوضع معقداً بعد عدم قبول الولايات المتحدة «منح» القدس الشرقية إلى الفلسطينيين.

الأمر الذي يطرح مسألة إمكانية اللجوء إلى خيارات بديلة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. فمجلس الأمن الدولي تبنّى القرار 2334 الذي يحثًّ على وضع نهاية للاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ويؤكّد عدم شرعية إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967. وهذا هو القرار الأحدث في مجلس الأمن والذي يدين فشل الإدارة الأميركية في الضغط على حكومة «اسرائيل» لوقف خطواتها الفعلية لتغيير الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يحول دون تحقيق عملية سلام حقيقية. كما يدعو القرار واشنطن إلى العمل من خلال الشرعية الدولية وعبر الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى لتعزيز السلام العادل القائم على المساواة الكاملة والأمن لـ«الإسرائيليين» والفلسطينيين على حدّ سواء بما يضمن حقوق الإنسان وتنفيذ القانون الدولي. كما صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً بموافقة 128 دولة وقضى باعتبار قرار ترامب بشأن القدس مجرّداً من أيّ مفعول قانوني وباطلاً ويتعيّن سحبه. واللافت أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترفت بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف في فترة تشكل حكومة عموم فلسطين، وهي حكومة تشكلت في 23 أيلول عام 1948 وذلك خلال حرب تقسيم فلسطين 1948 برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. كما اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة أخرى بإعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 وعطفت في قرار اعترافها رقم 43/177 في 15/12/1988 على القرار 181/1947 وذكرت أنّ القرار 181 قضى بـ«إقامة دولة عربية ودولة يهودية في فلسطين». وأضافت أنها وإذ تدرك قيام قرار المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان دولة فلسطين تماشياً مع قرار 181 وممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرّف. كما توالت الاعترافات من جانب 167 دولة بالدولة الفلسطينية وعلى حدود عام 1967 في مؤتمر القمة الذي عُقد في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في 26 أيار 1989 ومنحتها العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية. وبعدها طالبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية دول العالم كافة بالاعتراف بدولة فلسطين والتحرك نحو اتخاذ القرارات الدولية اللازمة والحاسمة في هذا الشأن. وتوالت الاعترافات من غالبية الدول الأفريقية والكثير من بلدان آسيا الأعضاء في منظمتي المؤتمر الإسلامي ودول عدم الانحياز بالإضافة إلى بعض الدول في أوروبا الشرقية.

إلاّ أنّ القيادة الفلسطينية آنذاك لم تُحسن توظيف هذه الاعترافات بما يثبِّت الوضع الدستوري للدولة الفلسطينية المستقلة، ثم استعاضت عن ذلك بسلوك طريق المفاوضات مع «إسرائيل» وفق صيغة مدريد 1991 آنذاك. وكان يقتضي، حيال ذلك كله، أن يُصار إلى إعادة إحياء هذه الاعترافات لأنها تشكل بالفعل، الأداة الحقيقية لإعلان الدولة الفلسطينية.

واذا عدنا الى نصّ الفقرة الثانية من المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة يتبيّن لنا أنّ قبول عضوية دولة جديدة يتمّ بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن. وفي حال صدور توصية مجلس الأمن بالرفض، فعلى الجمعية العامة أن تقوم بفحص أسباب الرفض، فإذا لم توافق عليها أحالت طلب العضوية مرة أخرى للمجلس لبحثه من جديد. والحقيقة أنه وعلى الرغم من الآراء القانونية الاستشارية لمحكمة العدل الدولية التي من الممكن أن تدلي بها فإنّ إعادة طلب العضوية للدولة الفلسطينية مراراً وتكراراً سوف يُحرج مجلس الأمن، كما سوف يؤدّي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الجمعية العامة تحت عنوان الاتحاد من أجل السلام. فوفق القرار 377 المتخذ عام 1950، تكتسب الجمعية العامة صلاحيات مجلس الأمن، لأنها تنعقد بشكل طارئ تحت عنوان «متحدون من أجل السلام»، في الحالات التي يتواجد فيها تهديد أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان، ولا يتمكن مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار بسبب استعمال دولة دائمة العضوية حق الفيتو ضدّ القرار وتصدر الجمعية العامة في هذه الحالة قرارات تختلف كلياً عن القرارات الصادرة عنها بشأن القضايا الأخرى، وتقضي باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين. كما أنّ وزير الخارجية الإسباني قال إنّ بلاده ستعمل من أجل الاتفاق مع جميع الأطراف على الاعتراف بفلسطين كدولة. وأكد الاتحاد الأوروبي استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأعلنت فرنسا والنروج والبرتغال عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في هذه الدول وبات الرؤساء يتلقون أوراق اعتماد السفراء الفلسطينيين في دول عدة، وهو ما يعني بشكل ضمني الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

والواقع أنّ المكاسب السابق ذكرها قد غيّبتها أو أهملتها الدبلوماسية الفلسطينية، ولا بدّ من إعادة إحيائها. كما أنّ القرار 1396 الذي صدر عن مجلس الأمن العام 2002، أشار إلى «رؤية الدولتين: إسرائيل والدولة الفلسطينية»، وأعلن المجلس في 11/5/2009 بياناً رئاسياً حضّ فيه على القيام بعملٍ دبلوماسي مكثّف وسريع للتوصّل إلى تسوية شاملة على أساس دولتين، «إسرائيل» وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمان، وهنالك عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تصف الوضع في القدس الشرقية فقط بأنها «أرض محتلة».

أما على المستوى الإجرائي فقد تقدّم رئيس السلطة الفلسطينية من مجلس الأمن في 23/9/2011 بطلب الانضمام إلى المنظمة الدولية ورفع الطلب إلى الأمين العام الذي تأكد تقنياً من استيفائه الشروط المطلوبة حسب الميثاق. إلا أنّ رئيس السلطة عاد وسحب هذا الطلب خوفاً من عدم قبوله وتوجّه من ثم إلى الجمعية العامة في أيلول من العام 2012، من أجل الحصول على قبولها بفلسطين «كدولة غير عضو في الأمم المتحدة» بصفة مراقب. وبالتالي، فقد كان تضييع الاعترافات الدولية بفلسطين بصفة الدولة كاملة العضوية كارثة كبرى. وهنا لا بدّ من التذكير أنّ «إسرائيل» كانت الدولة الأولى التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وذلك من خلال قبولها بدعم القرارين 181 و194 وتنفيذهما. واللافت أنّ الجمعية ذاتها أقدمت بموجب القرار 37/123 عام 1982 على إدانة «إسرائيل» وطالبت بعزلها عن الأمم المتحدة لأنها لم تلتزم تعهّدها الامتثال للقرارين المذكورين.

وبالتالي، فمن المنتظر أن يلاقي الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبولاً إيجابياً من الجمعية العامة، طالما أنّ الدول التي اعترفت، بعد العام 1988، بالدولة الفلسطينية وصلت إلى المئة وسبعة وستين، وبعدما حظي هذا الطلب بقبول مبدئي من الجمعية العامة وبأكثرية ملحوظة. كما أنّ «فلسطين» قد حصلت بالفعل على صفة مراقب، وبالتالي ستقوم الدولة الفلسطينية بعد إعادة إحياء هذه الاعترافات السابق ذكرها، ذلك أنّ السيادة الوطنية للدولة تبقى مبدئياً للشعب المقيم ولا يمكن أن تنتقل إلى الغير بقرارات أحادية لا شرعية لها. بالنتيجة، إنّ الجهود يجب أن تقاد فوراً لانتزاع اعتراف الأمم المتحدة بعضوية كاملة لدولة فلسطين، لأنّ هذا الاعتراف يشكل بارقة أمل للشعب الفلسطيني ويعطي النضال شكلاً جديداً تفوح منه رائحة النصر الدائم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى