الأربعة الذين يتقاتلون في عفرين

ناصر قنديل

– بعيداً من التوصيفات التحليلية والتركيبية التي تحاول رسم صورة مشهد حرب ذات أبعاد استراتيجية وتبحث لها عن أسماء ووظائف، تبدو الحرب الدائرة في عفرين ببساطة حرباً يشارك فيها مباشرة وغير مباشرة الجانب الأميركي الذي يدعم الجماعات الكردية، ويتخذها كغطاء لبقاء قواته في شمال سورية، ويؤسس عليها ما وصفه وزيرا خارجية ودفاع أميركا، باستراتيجية مواجهة الدورين الروسي والصيني في المنطقة، ومنع التمدّد أمام النفوذ الإيراني. ويبدو بحكم أهمية عفرين للجانب الكردي، وأهميتها المقابلة للجانب التركي، سيكون صعباً رغم كلام واشنطن عن وقوع عفرين خارج نطاق مناطق عمل قواتها، التهوين من نتائج هذه الحرب على قوة الأكراد من جهة، وقوة التغطية التي يقدمونها للدور الأميركي من جهة مقابلة. فالحرب ستكون وقريباً حرباً تركية كردية وجودية، وسيكون الأميركيون متأثرين بنتائجها حكماً، حتى لو نجحوا بالبقاء خارج التورّط بنيرانها.

– الطرف الثاني المنخرط في هذه الحرب هو الجماعات المسلحة التي تعمل في شمال سورية تحت العباءة التركية، والتي تضم آلاف المسلحين الإسلاميين الذين رفعوا راية جبهة النصرة مرة وفيلق الرحمن مرة وأحرار الشام مرة والجيش الحر مرات. ومن الواضح أن الجهد البري في الحرب التي يخوضها الأتراك يقع على عاتق هذه الجماعات، التي تقول إن من أولى نتائج حشودها للشراكة في حرب عفرين كان سرعة خسارتها مواقعها في ريف إدلب، وهو ما سيتكرّر في معارك إدلب المستمرة، وبحكم حجم التعبئة الوجودية التي تقوم بها الجماعات الكردية من جهة، وخبراتها القتالية ونوعية تسليحها من جهة مقابلة، فسيكون لحرب عفرين دور تدميري لقدرات قتالية حقيقية للجماعات المسلحة التي يشغلها الأتراك بديلاً عن جيشهم في الميدان، وسيكون طبيعياً أن تنتهي هذه الحرب، وقد فقد الأتراك الشريك السوري الذي كانوا يستعدون لدخول المعادلة السياسية السورية بواسطته، أو خسر هذا الشريك الكثير من عناصر قوته.

– الطرف الثالث الذي يشكّل عنوان الحرب هو الجماعات الكردية نفسها. وهي تدرك أن العناد والحال المعنوية، بعد الدعم الأميركي المعلن والمبالغات بحجم التسليح والقدرات من جهة، والنصر على داعش من جهة أخرى، ليسا وحدهما سبب الطابع الوجودي لهذه الحرب. فالقيادة الكردية تدرك أن حربها مع الأتراك هي التي ستقول كلمة الفصل حول مستقبل تطلعهم لكيان كردي أو لفدرالية، أو لتفرض عليهم نتائجها ما هو أقل من ذلك بكثير، ولذلك فإن الجانب الكردي سيرمي بثقله للفوز بالصمود في عفرين، بالقدر الذي يحتاج لفرض معادلة الكيان المستقلّ أو الفدرالية، ولن ينهزم وينسحب إلا وقد بلغ حد القبول بالاستسلام، بما يعنيه التخلي عن حلم الكيان أو الفدرالية، سواء لحساب تفاهم مع الدولة السورية ينتهي بحماية المناطق الكردية أو ينتهي لحساب الانسحاب من الحرب كلها.

– الطرف الرابع الشريك هو الذي بادر لشن الحرب، وهو تركيا، التي شعرت مع نهاية داعش وتقدّم الجيش السوري بدعم روسي إيراني في إدلب أنها ما لم تبادر لفرض معادلة جديدة مع الأكراد فستفرض عليها معادلة معاكسة بقوة الدعم الأميركي والتفهم الروسي الذي يلقاه الأكراد، ولذلك سيضطر الأتراك لرفع أهمية الحرب إلى درجة عالية ويضعون ثقلهم السياسي والدبلوماسي والعسكري للفوز بها، لكنهم سيجدون أنفسهم أمام كتل صلبة قادرة على الصمود، وأمام جدار سياسي ليس سهلاً تخطيه، ما سيجعل الحرب استنزافاً عسكرياً سياسياً لمكانة تركيا ودورها ومصادر قوتها.

– الأطراف الأربعة المنخرطون في الحرب تشاركوا بأعمال ومواقف عدائية بحق سورية، ولم يتوانوا عن تبادل المواقع والتعاون والتقاتل لحسابات تنتهك مصالح سورية وسيادتها ووحدتها، ولذلك تبدو الحرب عقاباً يقدمه التاريخ والجغرافيا لكل الذين عبثوا بأمن سورية، ويحق لسورية أن تكتفي بموقف مبدئي وتترك التاريخ والجغرافيا يتصرفان، لأن الحصيلة ستكون بالتأكيد لصالح سورية، التي ستشكل في نهاية حرب الاستنزاف الراهنة خشبة الخلاص التي يحتاج الجميع الاحتماء بتوليها أمن الحدود السورية وأمن المناطق السورية، ولن يجد أحد مبرراً لبقاء قواته فوق الأراضي السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى