هيئة التفاوض المعارضة للمشاركة في سوتشي… وحضور دولي وإقليمي الأميركي ينجح باستثمار الخلافات للتفرّغ للعبث بالملفات المصرفية في الظلّ

كتب المحرّر السياسي

أطفأت فيينا أنوارها على نهاية باردة لمحادثات الجولة التاسعة بين وفدَي الحكومة السورية وهيئة التفاوض، التي أراد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عقدها قبيل انعقاد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري الذي دعت إليه روسيا بأيام أملاً برسم سقوف تفرض حضورها تضعف من مكانة سوتشي، فكانت النتيجة تحوّل فيينا إلى مجرد تمهيد إعلامي لسوتشي التي شغلت بال الحضور، خصوصاً الوفد الأممي الذي يترأسه دي ميستورا والذي وجد نفسه محاصراً بمشاركات دولية وإقليمية لا تترك له مجالاً للغياب عن سوتشي، خصوصاً بما بات مؤكداً عن قرار هيئة التفاوض المعارضة بالمشاركة بعدما كان دي ميستورا يتذرّع برفض الهيئة لتبرير ملاحظاته على المبادرة الروسية، ليتلقى في فيينا مذكرة احتجاج سورية على أدائه هي الأقسى والأوضح منذ توليه مهامه، تضمّنت طعناً بأهليته ونزاهته وحياده كوسيط نزيه يتولّى رعاية تطبيق القرارات الأممية الخاصة بسورية.

الأنظار نحو سوتشي في ظلّ أزمة معارك الأكراد والأتراك، رغم ما ترتب عليها من مقاطعة كردية، وقد تكفّلت بجذب هيئة التفاوض من البوابة التركية لتجعل المؤتمر بحدّ ذاته نجاحاًً مميّزاً للدبلوماسية الروسية وتأسيساً لمسار سياسي شبيه بما بدأته أستانة على المستوى الأمني، خصوصاً مع التمايزات التي بدأت تظهر في صفوف الفصائل والقوى المنضوية في هيئة التفاوض، والتلميحات عن إمكانية تعرّض الهيئة لاهتزاز وتشققات وانسحابات، بحيث باتت وحدتها مستحيلة سواء قرّرت المشاركة أو عدم المشاركة.

لبنانياً، سجلت مصادر مصرفية متابعة خشيتها من الاستفراد المتاح للبعثة الأميركية لتقديم المزيد من الطلبات وفرض المزيد من الإملاءات على القطاع المصرفي بذريعة التحقق من سلامة تطبيق القواعد المصرفية الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بما يؤدّي إلى مزيد من الانكشاف في الحسابات المصرفية ووضعها تحت الابتزاز الأميركي لحسابات سياسية تطال ظاهراً حزب الله، لكنها تتخذ بعداً طائفياً واضحاً في طبيعة الطلبات الأميركية التي تطال هيئات ومؤسسات اجتماعية وتربوية واستهلاكية، بينما الحماية السياسية غائبة بسبب الخلافات التي تحول دون توحّد الموقف الحكومي والرئاسي بصورة تمثل ردعاً يمنع الاستفراد للقطاع المصرفي، وفي ظلّ تحوّل الحسابات السياسية للأطراف الفاعلة نحو اهتمامات تتصل بتسجيل النقاط في عناوين شعبوية بعيدة عن المشتركات التي تجمع القادة المعنيين، بما لم يعد محصوراً بالخلاف الرئاسي حول مرسوم الأقدمية للضباط أو تمديد المهل الانتخابية والمرشح للتصاعد، بل دخل صفوف الحلفاء الذين لم تصبهم عواصف الخلافات من قبل، بما شهدته وسائل التواصل من مناخات مريضة اجتاحت بعضاً من جمهور المقاومة والتيار الوطني الحر على خلفية الموقف من مقاطعة فيلم «ذا بوست» ومقدّمة نشرة أخبار قناة «أو تي في» حول الموضوع، وبما شهده تحرّك النيابة العامة بحق الإعلامي هشام حداد تحت شعار النيل من ولي العهد السعودي، بينما تحفل وسائل الإعلام يومياً بعشرات المواقف الأشدّ قسوة والأبعد عن اللغة الإعلامية بحق الرئيس السوري ولا يحرّك أحد ساكناً. وهذا المناخ المَرَضي سياسياً دفع بقيادات في قوى الثامن من آذار لإطلاق تحذيرات من خطورة الاستسلام لمعادلة ترك كلّ شيء لما بعد الانتخابات، خشية أن تترتّب على هذه الحالة وقائع تصيب الانتخابات نفسها والجمهور الناخب وتفاعله مع التحالفات.

باسيل يصعّد اليوم ضد بري وجنبلاط

في وقتٍ سادت حالة من الحذر والترقب جبهة بعبدا الرابية – عين التينة، من المتوقع أن تتجدّد العاصفة السياسية والإعلامية مع عودة أركان الدولة الى بيروت وعشية انطلاق قطار الاستحقاق النيابي.

وإذ تترقب الأوساط السياسية المواقف التي سيطلقها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في مؤتمرٍ صحافي اليوم، بعد اجتماع الهيئة السياسية للتيار مخصصٍ، بحسب مصادر «البناء»، للرد على مواقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط يركّز خلاله باسيل على نظرة «التيار» والرئيس ميشال عون الى اتفاق الطائف وتفصيل الاتهامات التي تساق بحق «التيار» ورئيس الجمهورية حول انتهاك وتجاوز الطائف، حيث سيجدّد باسيل التزام «التيار» بهذا الاتفاق وعدم استعماله من قبل بعض الأطراف كفزاعة لاستثماره سياسياً وانتخابياً، ما يعني بحسب المصادر ذهاب العلاقة نحو مزيد من التأزم والتصعيد على محور عين التينة – بعبدا – الرابية تمتد الى ما بعد الانتخابات النيابية.

وقالت مصادر سياسية في 8 آذار لـ «البناء» إن «اتفاق الطائف هو تسوية طائفية وسياسية لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لكن لا بديل عنه كدستور وينبغي استكمال تطبيقه بدلاً من الخلاف على تفسيره»، مشيرة الى أن «العلة ليست في الطائف رغم الثغرات الموجودة فيه وظروف ولادته في ظل الحرب، لكن المشكلة في تطبيقه المشوّه من جهة وتجاهل تنفيذ بقية بنوده التي تتحدث عن تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وغيرها من البنود». ودعت المصادر الرئيسين عون وبري الى الحوار المباشر بينهما والى تجاوز الخلافات الضيقة وتوحيد الموقف باتجاه معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المستفحلة في لبنان ومجابهة المشروع الأميركي «الإسرائيلي» الخليجي ضد لبنان والمنطقة وتحصين الوطن من تداعيات الحروب والأزمات الإقليمية».

ونشر جنبلاط صورة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، معلقاً عليها «ما أجمل هذه الجمعة الوطنية اليسارية القومية. وما أرذل هذا الواقع اليوم الفارغ من أي مضمون سوى التهافت على أشلاء سلطة ينخرها الفساد والعقم السياسي والجهل والادعاء الفارغ».

بدوره، اعتبر عضو اللقاء النائب وائل أبو فاعور ان «منطق القول إن مرسوم الأقدمية أصبح وراءنا مرفوض، وبالتحديد من رئيس مجلس النواب نبيه بري . وهذا الأمر سينعكس تعطيلاً داخل الحكومة»، مشيراً الى أنه «كانت هناك محاولة لرئيس الحكومة سعد الحريري لحل الأزمة، ولكنها فشلت».

وفي حديث تلفزيوني اوضح أبو فاعور ان «الخريطة الانتخابية غير واضحة. وهذا ما دفع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط للتمهّل بإعلان الترشيحات».

خيارات «التيار»…

وإذ من المتوقع أن يشهد الأسبوع الأول من الشهر المقبل حسماً للترشيحات والتحالفات الانتخابية لدى مختلف القوى السياسية، لم يحسم أي طرف حتى الآن خياراته في ظل تعقيدات القانون الجديد والخلافات الحزبية الداخلية وتأرجح التحالفات الانتخابية بين كافة الأطراف التي تنشط ماكيناتها الانتخابية في مختلف الدوائر الانتخابية لتحديد الأحجام والأوزان الانتخابية قبيل حسم التحالفات والترشيحات.

وقد علمت «البناء» أن أكثر من حزبٍ وطرف سياسي ينتظر تحديد التيار الوطني الحر لتحالفاته النهائية حتى يبني على الشيء مقتضاه، فهل سيقرر «التيار» التحالف العام مع فريق 8 آذار أم سيختار التحالف المستجدّ مع تيار المستقبل أم سيعمل على «القطعة»؟ غير أن جميع الخيارات واردة بحسب مصادر، لكن ما تم حسمه هو أن «العونيين» «لن يتحالفوا مع الحزب التقدمي الاشتراكي رغم تحالف الأخير مع تيار المستقبل في عدد من الدوائر، كما بات من المستبعد تحالف «التيار الحر» مع حركة أمل في ظل تصاعد الخلاف بينهما حول جملة من الملفات».

وبدأت ملامح المعركة بين فريقي 8 و14 آذار تتظهر في دائرة راشيا – البقاع الغربي، مع حسم 8 آذار تحالفه الذي يضمّ رئيس حزب الاتحاد الوزير عبد الرحيم مراد ورئيس حركة النضال اللبناني العربي النائب السابق فيصل الداوود وحزب الله وحركة أمل في مقابل لائحة مقابلة تضم تيار المستقبل والحزب الاشتراكي ولائحة ثالثة يسعى الوزير السابق اللواء أشرف ريفي إلى تشكيلها لم يتّضح أعضاؤها بعد».

وتضمّ هذه الدائرة 6 مقاعد، هي: 2 سنة الأول الوزير مراد وآخر يسمّيه مراد ومقعد شيعي يسميه الرئيس بري بالتفاهم مع حزب الله، ومقعد أرثوذكسي لم يُحسم، ومقعد ماروني أيضاً لم يُحسم ومقعد درزي للنائب السابق فيصل الداوود».

غير أن التيار الوطني الحر لم يحسم انضمامه الى أي من هذه اللوائح بانتظار أن تحدّد قيادته تحالفاتها النهائية في بقية الدوائر، ولفتت مصادر 8 آذار لـ «البناء» الى أن «موقف التيار في دائرة راشيا البقاع الغربي وبعض الدوائر التي يشترك التيار و8 آذار فيها ينتظر تطور مسار العلاقة بين التيار وأمل».

وأشارت مصادر نيابية في فريق المقاومة لـ «البناء» الى أن «فريق المقاومة يسعى الى حصد أغلبية المقاعد الشيعية بالتحالف بين حركة أمل وحزب الله اضافة الى الحلفاء في قوى 8 آذار لنيل كتلة نيابية وازنة تمثل الخط السياسي والاستراتيجي الذي تمثله المقاومة»، وشدّدت على أن «فريق المقاومة يلتقي مع التيار الوطني الحر في إطار الثوابت والخط السياسي والخيارات الوطنية الكبرى بمعزل عن التباينات الانتخابية وفي بعض الملفات الداخلية».

وقد أكد المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية جان عزيز في تصريح تلفزيوني له «أننا والمقاومة جسد واحد ولا أحد يدخل بيننا».

على صعيد انتخابي آخر، يبدو أن الرئيس فؤاد السنيورة سيكون خارج المجلس النيابي الجديد في ظل المعلومات التي تؤكد أن تيار المستقبل لن يرشحه في دائرة صيدا جزين، وبحسب المصادر فإن السبب لا ينحصر بمواقفه السياسية المغرّدة خارج السرب، فحسب بل بالحسابات الانتخابية في دائرة صيدا جزين وصعوبة فوز مرشحين سنيين والأولوية هي لعضو كتلة «المستقبل» النائب بهية الحريري ».

الولايات المتحدة تبتزّ المصارف مجدداً

في غضون ذلك، أثارت زيارة مساعد وزير الخزانة الاميركية مارشال بيلّينغسلي الى بيروت ومضمون لقاءاته أكثر من علامة استفهام، وقد أشارت أوساط سياسية لـ «البناء» إلى أن «الزيارة بالشكل والمضمون تعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون اللبنانية لا سيما لجهة المطالب التي تقدم بها الوفد من الجهات المالية المعنية في لبنان تتعلّق بأسماء بعض الأشخاص والمؤسسات الاجتماعية والصحية والتربوية والإعلامية القريبة من حزب الله بحسب المزاعم الأميركية، وكيفية حصول هذه المؤسسات والأشخاص على الأموال وحركة التحويلات الخاصة بهم». ولفتت الأوساط الى أن «القطاع المصرفي في لبنان يتعرّض لضغط وابتزاز دائم من النظام المصرفي الأميركي ومن الإدارة الأميركية لإجباره على المساهمة في تضييق الحصار المالي على حزب الله وكل ما يرتبط به من أفراد ومؤسسات».

ولفتت الى أن «التحقيقات ليست جديدة بل بدأت منذ فترة طويلة وزيارة الوفد جاءت في إطار إثبات الولايات المتحدة والإدارة الحالية لحلفائها في «اسرائيل» والسعودية بأنها تقوم بحصار المقاومة وتشويه صورتها».

وأدانت كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال اجتماعها الدوري في مقرها في حارة حريك برئاسة النائب محمد رعد، أعمال لجنة التحقيق الأميركية في لبنان، وأصل تدخلها في النظام المصرفي اللبناني، وتعتبر ذلك انتهاكاً للسيادة اللبنانية لا يبرر السكوت عنه الادعاءات الواهية بالحرص على علاقات لبنان وصداقاته الدولية المزعومة.

ودعت الكتلة الشعب اللبناني وقواه الشريفة الى «مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في جميع المجالات والصعد»، ودعت الدولة الى «احترام التزاماتها واتفاقاتها ضمن هذا السياق»، وأكدت ضرورة مواصلة التحركات السياسية والإعلامية والشعبية الرافضة لكل مفردات التطبيع مع العدو الصهيوني، التي هي اعتداء ذميم على الكرامة الوطنية وتشكل مخالفات قانونية توجب تطبيق أحكام قانون العقوبات ذات الصلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى