«إسرائيل» تقترب من قرار حرب… ولبنان يتفوّق على نفسه

ناصر قنديل

– وصل «الإسرائيليون» بعد نقاشات هي الأطول والأعمق في تاريخهم، استهلكت العام 2017 بأيامه ولياليه وشارك فيها المئات من العقول الاستراتيجية والعسكرية والأمنية والدبلوماسية والإعلامية، إلى يقين قاطع أن حرباً تستردّ قدرة الردع المفقودة وتنتهي بنصر حاسم باتت أمراً مستحيلاً، وفوق قدرة «إسرائيل»، لكنهم وصلوا إلى استنتاج موازٍ قوامه أن البقاء من دون حرب يعني ذوباناً سريعاً لما تبقى من قدرات الردع «الإسرائيلية»، وتقريب ساعة التهديد الوجودي للكيان، ووصلوا بالإثنتين إلى خلاصة مفادها، أنهم يحتاجون حرباً ليس عنوانها ترميم قدرة الردع، ولا تبغي نصراً حاسماً، فالحرب التي يجب البحث عن عناوينها واهدافها وسيناريوهاتها، هي حرب وقف التدهور، حرب تجميد الضعف، حرب منع معادلة قوة تكون فيها لمحور المقاومة اليد العليا في المنطقة، وليس مطلوباً أن تكون اليد العليا لـ»إسرائيل»، فيكفي بلوغ توازن رعب متبادل يحكمه سقف دولي للامتناع عن التفكير بخيار الحرب من الطرفين.

– ينظر «الإسرائيليون» نحو سورية والمسار الذي تسلكه أحداثها فيرون الرئيس السوري وجيشه يسيطران على كامل الجغرافيا السورية خلال شهور مقبلة، سقفها نهاية العقد الثاني من هذا القرن، وينظرون نحو إيران فيرونها تتثبت من بقاء التفاهم حول ملفها النووي وتنهي تطوير برنامجها الصاروخي، وتتوسّع في المنطقة، وتفرض شراكتها في التسويات تباعاً في لبنان سورية والعراق واليمن، وحضورها في فلسطين إلى ازدياد مع طريق مسدود للتسويات، قبل قرار تثبيت القدس عاصمة لـ«إسرائيل»، حيث لا قدرة لدى أي حكومة «إسرائيلية» على التقدم بمشروع تسوية يلاقيه قبول فلسطيني ويمنحه الشرعية، وبالمقابل حزب الله يزداد تسليحاً وخبرة وعديداً وحلفاء، ومخاطر امتلاك ومراكمة المزيد من السلاح النوعي، وربما مصانع السلاح الصاروخي الشديد الدقة، وينظرون نحو لبنان والعراق فيرون انتخابات مقبلة ستكرّس سيطرة محور المقاومة وتتوّج انتصاراته العسكرية سياسياً، حتى بدا أن عام 2020 هو سقف بداية التدهور التدريجي في مكانة «إسرائيل»، وبدء العد التنازلي لذوبان قدرتها على الصمود، فيقرّرون أن لا بد من المبادرة ووقف التفرج والامتناع عن ضياع الوقت والانتظار.

– ينظر «الإسرائيليون» فيرون كل حرب بخلفية السعي لترميم قدرة الدرع والبحث عن نصر حاسم فيرون أمامهم طوفان الصواريخ على كامل جغرافيتهم، ويرون حلفاً يبدأ من جنوب لبنان ويمتد للعراق وسورية واليمن ولا تلبث إيران أن تصير شريكاً فيه، ويرون تساقط طائراتهم من الأجواء، كما تساقط الصواريخ على رؤوسهم، ويرون قدرتهم على إحداث الدمار والموت، لكن مقابلها تهديد وجودهم، ولا يعلمون حجم الاختراق البري الذي عليهم توقّع حدوثه، ولا حجم النهوض الفلسطيني المسلح الذي سيصير في ظل الحرب المقبلة مجرد وحدات كوماندوس في الجبهة الداخلية، فيقرّرون أن لا حاجة لمجازفة الحرب والتفكير بمعادلة ردع قد انتهى زمانها، ونصر حاسم لم يعد ممكناً.

– ينظر «الإسرائيليون» فيرون حولهم، فرصة ذهبية يقدّمها وجود روسي وأميركي مكثف في المنطقة، تمنع إذا أحسن استخدامها وتوظيفها توسّع نطاق أي مواجهة وتشكّل سقفاً سريعاً لمنع الاشتعال الكبير. ويرون نظاماً سعودياً مسكوناً بهواجس جنون ورعب فيوظفونها لتحويله إحدى أدوات سياستهم تحت عنوان العداء المشترك لإيران. ويرون إدارة أميركية ضعيفة ومهجوسة بالخوف من السقوط فيبتزونها بالقدرة على التعويم. ويرون ملف النفط والغاز اللبناني يشرعن قدرة ردع لبنانية معاكسة للمصالح «الإسرائيلية»، يقدم المدخل لاختبار قوة تحت السيطرة يحتاجه «الإسرائيليون»، اختبار بحجم نصف حرب، يمكن وقفها بقرار أممي يكرّس جدران حماية لـ«إسرائيل»، ويفتح باب التفاوض حول هواجسها ومطالبها كلها، من السلاح الصاروخي الإيراني ومصانعه التي يكثر «الإسرائيليون» الحديث عنها، إلى انتشار حزب الله في سورية وسعي «إسرائيل» لربط كل حل فيها بشراكة تضمن لها أمنها.

– يربط «الإسرائيليون» تسويات المنطقة بتسوية عنوانها القدس عاصمة لـ«إسرائيل» عبر قرار استصدروه بالشراكة مع السعودية غبّ الطب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويربطون التصديق على الملف النووي الإيراني أميركياً وأوروبياً بوضع الملف الصاروخي الإيراني على الطاولة من بوابة حضور هذا السلاح في لبنان وسورية واليمن، ويربطون تسوية يصدّق عليها الغرب والعرب في سورية، بأمنهم فيها، ويربطون بها بقاء القوات الأميركية في سورية كما قالت الاستراتيجية الأميركية الجديدة ومعها وثيقة واشنطن ولندن وباريس والرياض وعمان حول الحل في سورية، والمطلوب حرب صغيرة تبقى تحت السيطرة لأيام أو ربما ساعات، تعقبها مبادرات لعقد طاولة التفاوض المتعددة الأطراف والملفات، قبل أن ينزلق النفط اللبناني نحو التلزيم، أو قبل أن تتكرّس معادلات الانتخابات في لبنان والعراق بنتائجها المتوقعة، وبالتأكيد قبل أن تكتمل مسارات الحسم العسكري والحل السياسي في سورية.

– فكر «الإسرائيليون» كثيراً وبدأوا يقتربون من القرار أخيراً، وكانت لحظة الاشتباك اللبناني الداخلي أولى لحظات الاختبار المناسبة، فجاء الرد اللبناني أول تعبير عن الأهلية والجهوزية، فكسب لبنان جولة والباقي جولات، تفوّق لبنان على نفسه، والمطلوب الآن التفكير بكيف يتفوق على «الإسرائيلي»، بتفادي الحرب أم بالإقدام نحوها، أم ببعض من إقدام وبعض من حذر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى