عون – بري… إلى الكلمة السّواء

جوزف القصيفي

لم أكن يوماً واعظاً، ولن أكون، وما استهوتني هذه الحرفة قط.

الكلمة تُميت وتُحيي. وهي قد تكون إعصاراً يدمّر كلّ شيء، أو نسمة منعشة تزرع الحياة والدفء في أكثر العقول تحجّراً والقلوب يباساً، وهي السلك الدقيق الذي يفصل بين الخير ونقيضه، ويرسم معالم الطريق بين الإنسان وأخيه.

رجالات لبنان قباب مرصعة وأنجم زهر، لم يشركوا في حبّهم والولاء له، ولا حاد بهم هوى عن رفع مداميك ثباته، وطناً لا كالأوطان، مهما ناءت به الأثقال، وعصفت عاديات الزمن.

لا ملقا، بل صدقٌ باليمين المغلظة، ما أقول. الرئيس ميشال عون المؤتمن على الدستور، يحنو عليه حنو الأم على وليدها، هو قامة وطنية لا كالقامات. والرئيس نبيه بري هامة، زيتونة جنوبية، جذعها ضارب في الأرض، وفروعها ممتدّة تظلّل جغرافية الوطن. وكلاهما من لبنان، الرحم الخصب الذي يلد المبدعين والمقاومين، الذين تجاوزوا تخومه الضيقة، وكانوا منارات تحت كلّ سماء شعّت بأنوارها، وسمت بمواهبها، وخطت حكايات النجاح، تحاكي الأساطير.

وليكن ما حصل وأدمى أفئدة المخلصين عابراً وعبرة، وليكن لنا من سيرة الإمام المغيّب موسى الصدر عظات بيّنات، نتمثلها في كلمة سواء طالما سعى إليها، ووقف دونها مجاهداً، ملاقياً المتنوّرين الذي أنبتتهم هذه الأرض المباركة، وهم أحبار وعلماء، وأئمة فكر وعطاء.

تعالوا إلى كلمة سواء، إلى حوار مفتوح على مصارحة، مصارحة بكلّ الهواجس، تفضي إلى وصل الضفاف المتباعدة، تدكّ ما ارتفع بينها من سدود، وتنزع ما انتشر حولها من ألغام. إنّ لبنان لنا جميعاً، وهو ليس سلعة تحتكر، ولا مساحة من أرض، كأن لا تاريخ يجمع بين مناطقها ولا ثقافة حياة تشدّ أبناءها بعضاً الى بعض.

مسؤولية «العماد» و«الأستاذ» كبيرة في ترميم ما تصدّع، وإعادة صوغ ما تداعى، وكتابة عهد التعاون بما فطرا عليه من إرادة خيرة وصدق مشهود.

حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، هما عنوان المقاومة والسيادة، وكلاهما يتكاملان في منظومة لبنان القوي. ومن المحزن هدر ما يختزنان من طاقات في خلافات – على خطورتها – ليست أهمّ من الوطن.

فإلى كلمة سواء تُدني المسافات على تباعدها، وتؤلّف بين القلوب، وتطرد شياطين التفاصيل إلى الظلمة البرانية.

ختاماً، أؤكد أني لم أكن يوماً واعظاً، ولئن اعتبرتموني كذلك، فلا بأس. إنّ لبنان يستحقّ مناجاة وجدانية ووقفة ضمير، لأنه ملاذنا الأوّل والأخير.

أمين سرّ نقابة محرّري الصحافة اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى