«نيويورك تايمز»: لماذا قد يكون 2018 عام الحرب بين «إسرائيل» وإيران؟

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقالاً للمعلّق المعروف توماس فريدمان، يتحدث فيه عن «الجنون»، متسائلاً عمّا إذا كان بإمكانه الحفاظ على السلام بين «إسرائيل» وإيران.

ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته «عربي 21»، بالحديث عن رحلة إلى مرتفعات الجولان على الحدود السورية مع «إسرائيل»، متسائلاً: «من كان يصدق أنّ مستقبل الحرب سيبدو وسط هذا الهدوء الجميل، مثل إحدى لوحات الفنان ديفيد روبرتس عن الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر.

ويقول فريدمان: أزور الحدود «الإسرائيلية» على طول الطريق الذي يتقاطع مع لبنان وسورية و«إسرائيل»، وبعيداً هناك جبل الشيخ المكلّل بالثلج الناصع، يدعو المتزلّجين إليه، وتحيط به قرى سورية ولبنانية، البادية من التلال، والمتوّجة بالمنارات والصلبان، والصوت الوحيد الذي تسمعه هو إطلاق النار المتقطّع من بنادق الصيادين اللبنانيين.

ويستدرك الكاتب قائلاً: إنّ لوحات روبرتس ليست موجودة، فالمنطقة التي أقف عندها تعدّ من أخطر بقاع الكرة الأرضية بعد شبه الجزيرة الكورية، والخلفية الهادئة هي صورة عن الحرب في القرن الحادي والعشرين.

ويبين فريدمان أنّ هذه المنطقة تختفي في التلال وغابات الصنوبر، حيث تحاول دولة ـ وهي «إسرائيل» ـ التحرّك في معركة مع جيش دولة سورية، ومنافسة إقليمية إيران، وقوة عظمى روسيا، ومرتزقة أقوياء ومجانين «داعش»، وعشائر وطوائف محليّة من دروز ومسيحيّين.

ويقول الكاتب: جئت إلى هذا التقاطع لأنه قد ينفجر في أي وقت، فإذا كانت المواجهات في العراق وسورية بين التحالف الدولي و«داعش» هي القصة الأولى والمهمة عام 2017، فإن القصة الأولى عام 2018 ستكون المواجهة التي تتخمّر بين «إسرائيل» وإيران وحلفائها من حزب الله والتحالف الشيعي المتمدّد على الحدود السورية ـ «الإسرائيلية».

ويشير فريدمان إلى أنّ ما بين 1500 إلى 2000 من المستشارين الإيرانيين العاملين في بيروت ودمشق قاموا خلال السنتين الماضيتين بتوجيه الآلاف من عناصر حزب الله الموالين لإيران، وحوالى 10 آلاف من الشيعة من أفغانستان وباكستان لهزيمة تنظيم «داعش» في سورية.

ويقول الكاتب: شخصياً لست معادياً للإيرانيين، وأحترم مظاهر القلق الأمنية المشروعة في الخليج العربي، لكن لدي عدد من الأسئلة: بحق السماء ما الذي تفعله إيران هنا؟ تعمل على إطفاء جذوة الديمقراطية في لبنان، وتأمل في التشارك في السلطة في سورية، والآن تمثل تهديداً على «إسرائيل»، وما حجم التعاون، تعاون روسيا مع إيران في قمع الثورة السورية، وهي على علاقة مع «إسرائيل»، وتستخدم نظامها الصاروخي أرض جو «أس ـ 400»، الذي يغطّي الآن كلّاً من سورية ولبنان ولحماية إيران وحزب الله؟

ويلفت فريدمان إلى أنّ هذين السؤالين حضرا هذا الأسبوع، واستمع لما قاله رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو يوم الاثنين، بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة السابعة في سنتين: لن تسمح «إسرائيل» لإيران لتحصّن نفسها في كلّ من سورية ولبنان، وتحويلهما إلى مصنع للصواريخ الدقيقة، وكنت واضحاً مع بوتين بأننا سنوقفها إن لم تتوقف بنفسها.

ويجد الكاتب أنّ «إسرائيل» استطاعت حتى الآن لعب مباراة الشطرنج ثلاثية الأبعاد في حروب القرن الحادي والعشرين ببراعة، حيث ظلّت خارج الحرب الأهلية السورية، وفي الوقت ذاته قامت بعمليات دقيقة، وقصفت الإيرانيين وحزب الله، ومنعتهم من تحديث صواريخهم، لكن حزب الله وإيران حاولا جهدهما للتقدّم قدر ما يستطيعون، بحسب ما يقول الضباط «الإسرائيليون».

ويتساءل فريدمان: ما هي استراتيجية «إسرائيل» كي تحافظ على صراعها مع حزب الله وإيران على نار هادئة؟

قامت أولاً وأخيراً بإرسال رسالة إلى حزب الله وإيران بأنه لا يمكنهما التفوّق عليها بالجنون، وفي حال اعتقد الإيرانيون وحزب الله أنه يمكنهم وضع راجمات صواريخ في التجمّعات السكانيّة الكثيفة السورية واللبنانية، وتوقّعوا ألّا تقوم «إسرائيل» بتدميرها، على الرغم مما تحمل العملية من أضرار جانبية، فهم مخطئون اليوم، كما أخطأوا عام 2006.

ويوضح الكاتب أنّ القادة «الإسرائيليين» مقتنعون أن حزب الله تجنّب المواجهة مع «إسرائيل» منذ عام 2006 لأن الطيران الحربي «الإسرائيلي» قصف ـ دون رحمة أو رادع ـ البنية التحتية اللبنانية، ومكاتب حزب الله، والمواقع العسكرية في الضاحية الجنوبية.

ويقول المخطّطون العسكريون «الإسرائيليون» إنّ الحرب كانت قبيحة ووحشيّة، لكنها فعلت فعلها، فهذه ليست إسكندنافيا.

ويورد فريدمان نقلاً عن ضابط «إسرائيلي» قوله: «الواقع يبدأ هنا، حيث ينتهي خيالك»، ويعلّق قائلاً: «في بعض الأحيان المجنون هو الذي يستطيع وقف مجنون آخر، بالتأكيد وصلت الرسالة إلى السيد حسن نصر الله، واعترف بعد الحرب بأنّه لم يكن ليبدأ الحرب لو كان يعلم أن «إسرائيل» ستتسبّب بهذا الدمار الكبير».

ويقول الكاتب: إن المخطّطين العسكريين «الإسرائيليين» يأملون أنّ يتذكّر هذا الأمر، وكذلك إيران، ويقولون إن الأخيرة لو كانت تعتقد أنها تستطيع شنّ حرب بالوكالة ضدّ «إسرائيل»، من سورية ولبنان، وتحافظ في الوقت ذاته على الجبهة الداخلية دون أن يمسّها سوء، فهي واهمة، حيث اشترت «إسرائيل» غواصات نووية من نوع دولفين، وتستطيع العمل في الخليج العربي، وسلّحتها بصواريخ كروز للعمل في أعماق البحر.

ويستدرك فريدمان بأنّ إيران «عدو» مصمم ومراوغ، تعمل على تحديث قدراتها الصاروخية التي تعود إلى السبعينات من القرن الماضي إلى هجمات أرض جوّ دقيقة، وقد استخدم الحوثيون حلفاء إيران في اليمن هذه التقنيات الجديدة.

وينوه الكاتب إلى أنّ «الإسرائيليين» أخبروا بوتين أنهم لن يسمحوا لإيران ببناء هذه التقنيّات الصاروخية في لبنان، أو تحويلها إلى صواريخ دقيقة يملكها حزب الله في لبنان عن طريق أي مخزن أو مصنع في سورية، وأن على روسيا ألّا تتدخل في العمليات ضدّهم، مشيراً إلى أنه من غير المعلوم عمّا إذا كان بوتين قدّم وعوداً في هذا الشأن.

ويقول فريدمان: هذا ليس أمراً صغيراً، فلو أراد حزب الله اليوم ضرب مبنى عسكرياً أو مصنعاً للتكنولوجيا من لبنان، فهو بحاجة لإطلاق 25 صاروخاً غبياً، ولو نشر الصواريخ الإيرانية المتقدّمة، فهو لا يحتاج لإطلاق سوى صاروخ واحد، وهناك احتمالات كبيرة أن يصيب الصاروخ الهدف على بعد 30 متراً ما يعني تكبيد البنية التحتية «الإسرائيلية» خسائر فادحة.

ويرى الكاتب أن «الحرب ليست حتمية، فعلى مدى الـ12 عاماً الماضية أدار «الإسرائيليون» والإيرانيون وحزب الله ما أسماه ضابط «إسرائيلي» «حواراً حركياً»، يقوم فيه كل طرف بإحتواء النزاع، لا إهانة الطرف الآخر، وعندما قتلت «إسرائيل» في كانون الثاني 2015 جنرالاً إيرانياً وعدداً من قادة حزب الله في سوري، فإن الحزب ردّ بإطلاق صاروخ على عربة «إسرائيلية» قرب الحدود وقتل جنديين، وكان هذا أكبر تصعيد منذ عام 2006».

ويقول فريدمان: إنّ «إسرائيل» قررت بعد تفكير طويل ألّا تنتقم فقد وصلت رسالة حزب الله وإيران، وهذا هو الحوار الحركي، لكن إلى متى سيظل؟

ويذهب الكاتب إلى أنّ «إسرائيل» وحزب الله وإيران أقوى اليوم من عام 2006، وكلّهم سيخسرون في حرب الصواريخ، حيث أصبح لدى «إسرائيل» وادي سيلكون، الذي يضمّ شركات تقنيّة عملاقة على الشاطئ، ويعدّ آلة نمو، أما حزب الله وإيران فيسيطران على الدولتين اللبنانية والسورية، ولا أحد يريد الخسارة مرة ثانية.

ويختم فريدمان مقاله بالقول: «ربما كان هذا مصدراً للتفاؤل، لكن للأسف، فإن هناك العديد من الفرص تتمّ فيها إساءة التقدير في مباراة الشطرنج ذات الأبعاد الثلاثة، حيث ستكون الأعوام الـ12 المقبلة كالتي سبقتها تماماً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى