حصاد «الربيع العبري»… ونتائجه المرعبة!

د. محمد سيد أحمد

تمرّ الأيام سريعاً وتنكشف الأسرار وتبرز الحقائق واضحة كالشمس في لحظات الإشراق، وما كنا نؤمن به وندافع عنه بكلّ قوة باعتباره الصدق والحق نقف لنعيد النظر فيه مرة ومرات ونتأمّله لنحدّد مواقف جديدة تماماً عن مواقفنا السابقة، وبالطبع تتحدّد المواقف تجاه الأحداث الكبرى التي تمرّ بالإنسان على مدى وعيه بها، والوعي وفقاً لذلك يتشكّل عبر ثلاث مراحل ومكوّنات أساسية: المكوّن المعرفي وهو ما تمتلكه من معلومات عن الحدث، وبناء عليه يتحدّد المكوّن الثاني وهو الموقف من الحدث، ثم يأتي المكوّن الثالث وهو السلوك الذي ستمارسه بناء على المعارف والمعلومات والموقف منها.

وفي ما يتعلّق بالحدث الأكبر في تاريخ الأمة والذي أطلق عليه زوراً وبهتاناً «الربيع العربي»، والذي انطلقت شرارته في نهايه العام 2010 ومطلع العام 2011 وتباينت مواقف المواطنين العرب تجاه الحدث، فهناك مَن رأى أنها ثورة حقيقية على الأنظمة السياسية الحاكمة التي ظلّت سنوات طويلة على كراسي السلطة، في الوقت الذي أدّت سياساتها إلى مزيد من الفقر وتكبيل الحريات وغياب العدالة الاجتماعية، والتبعية للنظام الرأسمالي العالمي. وجد البعض الآخر أنها مؤامرة على مجتمعاتنا بهدف إشاعة الفوضى كمقدّمة لتقسيمها وتفتيتها. ورأى فريق ثالث أنّ ما حدث يجب الحكم عليه وفقاً لخصوصية كلّ مجتمع من المجتمعات العربية، فما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين لا يمكن أن يكون فعلاً واحداً، لكن لكلّ مجتمع خصوصيته، وبالتالي الحدث في كلّ قطر عربي يمكن توصيفه والحكم عليه بشكل مختلف.

وبالطبع هذه المواقف الثلاثة تجاه «الربيع العربي» المزعوم بُنيت على مدى وعي المواطن العربي الذي يتحدّد وفقاً لحجم المعارف والمعلومات المتاحة لديه وبالتالي يكون موقفه وسلوكه تجاه الحدث، وبما أنّ وسائل الإعلام الحديثة هي المصدر الرئيس للحصول على المعارف والمعلومات في ظلّ مجتمعات ترتفع فيها نسبة الأمية، فإنّ المتحكم بهذه الوسائل سوف يتيح المعارف والمعلومات التي تخدم مصالحه، لذلك يمكننا أن نقول اليوم وبقلب مرتاح إنّ اللوبي الصهيوني العالمي وأعوانه بداخل مجتمعاتنا العربية هم المتحكمون في وسائل الإعلام بأشكالها كافة وبناء عليه تتحكّم في عملية تشكيل الوعي العربي، لذلك خدعت الغالبية العظمى من الجماهير العربية في ما يحدث من حولها، وجاءت كثير من الأحكام مزيّفة وفقاً لما تبثه وسائل الإعلام من معارف ومعلومات.

وإذا كانت الثورات لا يُحكم عليها إلا بنتائجها، فحصاد تجربة ما يطلقون عليه الربيع العربي وبعد مرور هذه السنوات السبع وتوافر الكثير من المعارف والمعلومات ليس ربيعاً على الإطلاق لمجتمعاتنا. وبما أنني أميل إلى الفريق الثالث الذي لا يطلق تعميمات على الظواهر الإنسانية والمجتمعية، ويرى أنّ لكلّ مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية، وبالتالي الحدث الواحد يختلف الحكم عليه من مجتمع الى آخر، فحصاد التجربة في تونس تقول إنّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خرجت الجماهير من أجلها لم تنجز شيئاً بل تسير نحو الأسوأ. هذا بخلاف التطاحن السياسي على السلطة.

الأمر نفسه في مصر، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تدهورت بشكل كبير ورغم حسم الصراع على السلطة ما زالت المعركة مستمرة مع القوى الإرهابية، وما زال رموز الفساد يسيطرون بشكل كامل على المشهد.

أما الوضع في ليبيا فقد انكشف بأنه مؤامرة حقيقية على شعب كان يعيش استقراراً اجتماعياً واقتصادياً، وبالتالي تمّ تدميره والسعي الى تقسيمه عبر التدخل العسكري المباشر من حلف الناتو الجناح العسكري للنظام الرأسمالي العالمي.

والأمر نفسه ما حدث في سورية حيث كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية مستقرة الى حدّ كبير، وجاءت المؤامرة لتدمير وتقسيم وتفتيت مجتمع وقف في وجه النظام الرأسمالي العالمي ورفض التبعية وقدّم نموذجاً تنموياً مستقلاً فوجب عقابه.

وبالنسبة لليمن، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي خرجت الجماهير من أجلها تدهورت بشكل كبير وتحوّل اليمن ساحة قتال داخلي مدعوماً إقليمياً ودولياً قبل العدوان الخارجي المباشر الذي دمّر البنية التحتية ونشر الأمراض والأوبئة، والآن يخيّم شبح التقسيم والتفتيت على اليمن التعيس الذي كان في الماضي القريب لا ينعت بغير اليمن السعيد.

وفي ما يتعلق بالبحرين فثورتها على الظلم الاجتماعي والاقتصادي تمّ قمعها ووأدها ولم تجنِ إلا مزيداً من القهر والظلم والاستبداد، ودعم إقليمي ودولي لنظامها السياسي التابع أميركياً وصهيونياً.

ومن هنا يمكن تأكيد أنّ هذا الربيع العربي المزعوم هو ربيع عبري بامتياز، فنتائجه جاءت مرعبة على مجتمعاتنا العربية، حيث أصبح الأمن القومي في مهبّ الريح، وانشغلت كلّ دولة عربية بالنيران المشتعلة بداخلها، في الوقت الذي تمعن فيه قوات الاحتلال الصهيوني بإبادة الشعب الفلسطيني من دون أيّ مقاومة أو دعم محتمل من مجتمعاتنا العربية، لذلك لا بدّ من إعادة قراءة المشهد من هذا المنظور حتى نتمكن من لملمة الأشلاء المبعثرة لأمتنا، وإعادة الاصطفاف والوحدة لمقاومة المشروع الأميركي الصهيوني.

اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى