محاولة دي ميستورا لتعويم وثيقة الخمسة

ناصر قنديل

– المسافة بين القرار الأممي 2254 الخاص بالحلّ السياسي في سورية وبين وثيقة الخمسة التي وضعتها واشنطن ووقعت عليها فرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، وتبدو «إسرائيل» شريكاً سرياً فيها، وتركيا نصف شريك فيها، أنّ القرار الأممي يقوم على ثنائية وحدة وسيادة سورية، ويترجم ذلك بآليتين، الأولى مدخل التسوية السياسية هو حكومة موحّدة تضع الدستور الجديد وتجري الانتخابات، والثانية أن لا أجسام دستورية وأمنية منفصلة لمكوّنات الجغرافيا والسكان في سورية، بل سورية موحّدة بمؤسسات دستورية وأمنية مركزية، تضمن الخصوصيات لمكوّناتها بما هو دون الدستور والأمن، أما وثيقة الخمسة فتدعو لمرجعية تحت الإشراف الأممي لإدارة الملف الدستوري والانتخابي، وما يعنيه من تعطيل العمل بالدستور السوري وإنهاء السيادة السورية، ولا يمكن تطبيقه من دون وضع سورية تحت الفصل السابع. وبالمقابل تدعو الوثيقة إلى لامركزية دستورية وأمنية للمناطق والمكوّنات، ما يجعل وحدة سورية في عين الاستهداف.

– مؤتمر سوتشي كان بداية مسار سياسي يرتكز على الانتصار الحاسم على داعش الذي لعبت واشنطن وحلفاؤها المجتمعون بتحالف يدّعي قتال داعش، دور الإعاقة والتخريب لمنع تحقيق النصر الذي يعود الفضل فيه لتحالف سوري روسي إيراني مع قوى المقاومة، وركيزتي هذا المسار السياسي، وحدة سورية وسيادتها، وفتح الباب للمتورطين في الحرب على سورية للشراكة في الحل السياسي وفق معادلة إنهاء الاحتلال والانفصال، بمثل ما فتحت أستانة باباً مشابهاً تحت عنوان الحرب على الإرهاب، وحيث يبدو واضحاً أن التجاوب كان معدوماً بل سلبياً من الأطراف المستهدفة، أي واشنطن وباريس والرياض وحتى أنقرة، والبدائل التي يسير بها هؤلاء تظهرها حروب وغارات تشنها وتغذيها واشنطن، لتكريس تقاسم سورية ترجمة لوثيقتها المعلنة باسم وثيقة الخمسة.

– كانت موسكو حريصة من موقعها كدولة عظمى لضمان مشاركة الأمم المتحدة في سوتشي ونيل غطائها الشرعي، وتأكيد أن لا تضارب بين مساري سوتشي وجنيف بل تكامل بينهما، والسعي لتقديم نتائج سوتشي كوجبة منشطة لمسار جنيف توضع بين أيدي دي ميستورا، وكان لافتاً أن يأتي دي ميستورا، رغم التصعيد الأميركي السعودي بالتشارك مع أطراف وثيقة الخمسة على المسار والمؤتمر، وقرار المعارضات المرتبطة بهم مقاطعة أعماله، ليظهر لاحقاً أن حضور دي ميستورا ليس إلا محاولة لتفخيخ سوتشي وتحويله منصة لإطلاق النار على الدولة السورية وتصويرها معرقلاً للحل السياسي، عبر تحويل نتائج سوتشي إلى عكس أهدافه، وجعلها أقرب لوثيقة الخمسة.

– صيغة عمل لجنة مناقشة الشؤون الدستورية التي أقرّت في سوتشي، كي تنسجم مع القرار الأممي والمسار المتفق عليه بين سورية وروسيا، يفترض أن تكون بعيدة عن أمرين بوضوح، الأول ادعاء أنها جهة بديلة عن مؤسسات الدولة الدستورية لطرح وصياغة دستور جديد، أو إدخال تعديلات على الدستور النافذ والثاني جعلها هيئة بقيادة ورئاسة أمميتين، والخروج من معادلة حوار سوري سوري تسهم الأمم المتحدة بتشجيعه، لأن الادعاءين المذكورين يعنيان شيئاً واحداً، هو السير بوثيقة الخمسة، بجعل سورية تحت الانتداب الأممي، واعتبار المؤسسات الدستورية السورية التي يفترض لنتائج مشاورات سوتشي وجنيف أن تمر عبرها ليصير لها القوة القانونية، وتتم عبر طرحها على الاستفتاء، وهذان هما الفارقان العميقان بين القرار الأممي وسوتشي في سياقه، من جهة ووثيقة الخمسة من جهة مقابلة.

– يحاول دي ميستورا أن يقول إن المواجهة بينه وبين الموقف السوري حول ماهية اللجنة المسمّاة دستورية وطريقة تشكيلها وصلاحياتها ورئاستها، هي تعبير عن خلاف روسي سوري، ليؤمن تغطية روسية للمصيدة التي أعدّها، لكنه يتجاهل أن ما تريده روسيا من سوتشي قد تحقّق لها، بدعم من سورية وتأييدها، وأن ما هو مطروح الآن يخص سورية ومسؤوليتها السيادية، وعند الضرورة سيسمع دي ميستورا الكلام الروسي المناسب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى