هل حان وقت إنهاء ملف الغوطة الشرقية؟

عامر نعيم الياس

انتقلت قوات العميد سهيل الحسن من إدلب إلى الغوطة الشرقية تمهيداً لعملية عسكرية تستهدف هذا الجيب الأخطر على دمشق والذي كبّدها آلاف الشهداء من المدنيين الآمنين، خاصةً في الأحياء الشرقية للعاصمة التي تعدّ محور نشاطها التجاري والصناعي، ومركز الثقل السكاني في المدنية في ضوء موجة النزوح التي عاشتها العاصمة من ضواحيها الشرقية منذ العام 2011.

في أيار من عام 2017 تمّ التوصّل إلى اتفاق مناطق «خفض التصعيد» في سورية، هذه المناطق التي تشمل، محافظة إدلب التي يسيطر عليها تحالف جماعات مسلحة وإرهابية بينها جبهة فتح الشام جبهة النصرة سابقاً . أجزاء من محافظات اللاذقية غرب وحماة وسط وحلب شمال ، وتسيطر الجماعات المسلحة على مناطق في ريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي والقسم الأكبر من ريف حلب الغربي وأجزاء من ريفها الشمالي وجميع تلك المحافظات محاذية لإدلب، أجزاء في ريف حمص وسط الشمالي، والذي تسيطر الجماعات المسلحة على مناطق فيه. في الغوطة الشرقية، التي تعدّ معقل الجماعات المسلحة وخاصة ما يسمّى «جيش الإسلام» قرب دمشق. أجزاء من جنوب سورية، أيّ في محافظتي درعا والقنيطرة.

الوضع الميداني في البلاد تطوّر بشكل كبير وأحرز الجيش العربي السوري والقوات المتحالفة معه تقدّماً نوعياً في جبهات ريف حلب الجنوبي الشرقي وريف حماة الشمالي الشرقي وريف إدلب حيث تمّت السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري، كما أحرز تقدّماً نوعياً في البادية السورية ومحافظة دير الزور والحدود العراقية السورية وباديتي ريف دمشق وريف السويداء. وبالنظر إلى صلاحية اتفاق مناطق خفض التصعيد والمحدّدة بستة اشهر، نرى أنّ هذا الاتفاق الذي تخوّف الرئيس بوتين شخصياً من تحويل البعض له إلى «منصة لتقسيم سورية» انتهت مدّته وما يجري اليوم من اتصالات مشتركة روسية تركية إيرانية هي للحفاظ عليه وتمديده ولكن ليس بالشكل الذي كان عليه، أيّ أنّ العمل اليوم يجري على انتقاء مناطق من ضمن الاتفاق الذي لا يشمل جبهة النصرة وإعادة ترتيب الأولويات الميدانية والعسكرية الاستراتيجية وفق أولويات سورية والحلفاء، وفي هذا الإطار نشير إلى أنّ وقف العمليات في إدلب والتسريبات عن انتقال قوات العميد سهيل الحسن إلى الغوطة يكتسب مصداقية كون القوات المرابطة في إدلب تقوم اليوم بثتبيت مواقعها، وهي في ضوء الواقع المعقّد في شمال البلاد وتشابك مصالح القوى الدولية والإقليمية تنتظر إنجلاء غبار الهجوم التركي على عفرين، وتطورات مسار المواجهة التركية الكردية، ومسار التفاوض بين الدولة السورية وأكراد عفرين حول دخول الجيش العربي السوري للدفاع عن المدينة. كما أنّ الهجوم التركي على عفرين خلط الأوراق في ما يخصّ العلاقة التركية الأميركية، وهما دولتان حليفتان في الأطلسي، وأنتج أزمة ثقة عميقة بين الطرفين، وهو ما يفرض على موسكو وطهران محاولة جلب أنقرة إلى صفهما عبر الاتفاقات الموقعة بين الطرفين، وإعادة النظر في مسار اتفاقي أستانة وسوتشي وتطويرهما، وهو ما يتمّ العمل عليه حالياً بين العواصم الثلاث.

أما بالنسبة إلى جنوب سورية، فإنّ إسقاط طائرة أف 16 الصهيونية من قبل الدفاعات الجوية للجيش السوري رسّخ قواعد ردع جديدة في معادلة الصراع في سورية، ودفع باتجاه ردعٍ عملياتي على أساس قواعد لعبة مختلفة عن السنوات الماضية، هذه القواعد التي تحافظ بدورها على ما يسمى «الردع الاستراتيجي» الذي يمنع وقوع الحرب.

ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، هما الميدانان المرشّحان اليوم لعملية عسكرية، وفي ما يخصّ ريف حمص يعتقد أنّ العملية ستكون لتطوير قواعد الاشتباك وتوسيع نطاق الأمان في المناطق المحاذية للريف الشمالي وليس حسم الملف نهائياً، وهنا نشير إلى الحولة في غرب حمص التي باتت قاب قوسين أو أدنى من العملية العسكرية وحسم الأمور فيها نهائياً. أما الغوطة الشرقية التي تتواجد فيها ميليشيات جيش الإسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة الإرهابية، فإنه لم يعد بالإمكان تحمّل معادلة الردع التي سادت خلال السنوات الماضية، والإبقاء على هذا الخنجر في الخاصرة الشرقية للعاصمة. وفضلاً عن العامل النفسي والاجتماعي، فإنه سلاح سياسي اقتصادي مركزه ليس التسوية السياسية النهائية وامتلاك أوراق ضغط بقدر ما يمكن أن يوظّف في تدعيم سلاح «إعادة الإعمار» الذي يلوّح به الغرب، هذا السلاح الذي يفقد أهمّ أوراق قوّته في حال عودة الحياة الطبيعية إلى العاصمة السياسية للبلاد والتي هي تاريخياً تسيطر على النشاط التجاري في سورية منذ الاستقلال، وبالتالي فإنّ الحسم العكسري الكامل لهذا الملف هو الذي يتوجّب القيام به، وقد يسأل أحدهم ماذا عن تكرار سيناريو آب 2013 الخاص بالكيميائي؟

مما لا شك فيه انّ فرنسا والولايات المتّحدة على وجه الخصوص تعملان على إعادة تصنيع الملفين الإنساني والكيميائي، وتقارير وسائل الإعلام اليومية تركز على عدد المدنيين في الغوطة ومعاناتهم، وما يُشاع عن استخدام الكلور في قصف مناطق الغوطة الشرقية، وهذا أمر يعيدنا إلى سيناريو عام 2013 حين اتخذ القرار حينها بإنهاء ملف التواجد الإرهابي المسلح في الغوطة الشرقية، لكن تمّ في اللحظة الأخيرة منع استكمال هذا القرار عبر فبركة ملف استخدام «السارين» في الغوطة، لكن اليوم الظرف مختلف عما مضى، وإن نضج قرار حسم ملف الغوطة الشرقية فهو نضج للعوامل التالية:

ـ التقدّم الميداني الكبير الذي أحرزه الجيش السوري في استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من الحدود التي تربط سورية مع العراق ولبنان والأردن.

ـ قطع غالبية طرق إمداد المجموعات الإرهابية المسلحة في الغوطة الشرقية، وإطباق الحصار عليها، وبالتالي غاب العمق الذي تمتعت فيه هذه المنطقة في عام 2013.

ـ الوجود العسكري الروسي المباشر في سورية، الذي قلب المعادلة وأدخل دولة كبرى في معادلة الردع، وخاصةً في العاصمة دمشق.

ـ تحرير حلب وتخفيف العبء وإنهاء ملف تقسيم سورية.

ـ المسار التصعيدي للعلاقات الروسية الأميركية، وإصرار واشنطن على وجود ميداني مباشر لها في سورية في شرق البلاد، وبالتالي ترجيح كفة الصدام على ما سواها، ووضع العاصمة السورية مركزي في هذا الصراع.

ـ ضرب التحالف الخليجي الأميركي التركي، وهذا أمر لم يكن موجوداً في العام 2013.

العاصمة دمشق وسكان أحياء شرق العاصمة مستعدّون لتحمّل كلف استعادة الأمن في العاصمة، على بقاء الاستنزاف الحالي المدمّر لهم، والثقة بقدرة الجيش السوري على استعادة أيّ منطقة يقرّر الدخول إليها في أعلى مستوياتها، والحرب التي قامت على حصار دمشق، تنتهي بانتهاء أيّ تهديد لها، ولكلّ ما سبق فإنّ العملية يرجّح أنها باتت على الأبواب، والنصر وعوامل الميدان تدفع باتجاه انتصار مؤكد للجيش السوري يفرض على الجميع تحمّل كلف هذا الانتصار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى