ساترفيلد سفير المهمة «النفطية» بالعراق.. اليوم «لبنان»

روزانا رمّال

عاد مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد من «إسرائيل» مجدداً الى لبنان ليستكمل مساعيه في ما صار واضحاً أنه إصرار على تبني الموقف الإسرائيلي في ما يتعلق بالنفط وبلوكات المنطقة الجنوبية البحرية ولا يبدو أن الأميركيين اقتنعوا بالجولة الاولى التي لم تفضِ الى شيء ملموس يحمله ساترفيلد الى «إسرائيل» وتقدّمه واشنطن على مذبح تقديم الولاء الكامل لحفظ حقوق تل أبيب.

السفير السابق في لبنان دايفيد ساترفيلد هو اختيار ذكي من الخارجية الأميركية فهو «عارف» بالمنطقة بشكل كبير وبجغرافيتها وطبيعتها الامنية، كما انه مطلع بشكل وافر على مقومات المواجهة التي تتمتع بها كل دولة، فهو يعي تماماً قدرات الجيش اللبناني بمواجهة «إسرائيل». وكانت له خطوات باتجاه دعمه عبر السفارة الأميركية في بيروت. وساترفيلد عُيّن مبعوثاً الى العراق أي في المنطقة الأكثر جذباً لشركات النفط.

ساترفيلد لمن لا يعلم هو مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس التي أتت تحت عباءة اجتياح العراق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش للسيطرة على النفط هناك، مع قيادة تحمل أسماء لقيادات مالكة شركات نفط كبرى أبرزهم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع آنذاك. ساترفيلد هو من الفريق نفسه وهو أكثر من يعرف تركيبة المجتمع العراقي وطبيعة الصراعات هناك. نجح ساترفيلد باستطلاع الواقع العراقي وأطر التعاطي الايديولوجي بالملفات الدقيقة في البلد الواقع ضمن مرجعيات دينية وجد بعضها في الولايات المتحدة الأميركية الضالة المنشودة بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، ونفط العراق الذي صار واقعاً ضمن أقاليم وحسابات طائفية وقع بين أيدي الأميركيين بنظام ممنهج كرّس للنجاح في هدره والتفريط بالثروة العربية.

الرئيس ترامب الذي يجد في العراق والسعودية واليمن منابع نفط، وفي المنطقة العربية مساحة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي المهتز. وهو جاء على هذا الاساس والبرنامج الانتخابي ينوي تجديد بقاء قواته في المنطقة لأهداف نفطية بحتة بعد أن تأكدت الإدارة نية روسيا لعب دور بهذا الإطار من بوابة دمشق. ترامب اختار مجدداً للخارجية الدبلوماسي الأميركي دايفيد ساترفيلد مبعوثاً ليخوض المهمة ويستطلع ويكتب وينظر وينظم أداء المعنيين بالقضية.

يكاد ساترفيلد، حسب مصدر متابع لـ «البناء» يتفوق على وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون الذي جاء لتأكيد الاهتمام الأميركي ورعاية البيت الأبيض لإدارة الملف وحفظ حقوق «إسرائيل» لا أكثر ولا أقل لا لأنه «اكثر خبرة» وهو وضع الملف بين أيدي «أمينة جداً»، أي ساترفيلد الذي لا يكلّ ولا يملّ. وهو من انجح سفراء أميركا في الشرق الأوسط واللبنانيون كانت لهم معه تجربتهم الخاصة.

دايفيد ساترفيلد الذي يتقن اللغة العربية يتقن ملفاته المتعلقة بالمنطقة بشكل لافت وأكثر العارفين بساترفيلد هو رئيس مجلس النواب اللبناني واكثر من يعرف كيف يتعاطى مع الدبلوماسية الأميركية المبعوثة لتنفيذ المهمات «الحساسة» هو بري الذي استطاع نسج شكل جديد من العلاقات معهم بدون التفريط بموقفه المتمسك دائماً بحقوق لبنان. وهو اليوم وبعودة ساترفيلد يكرر من جديد أن «شيئاً لن يغيّر موقفه تحت وطأة الضغوط الخارجية والتهديدات الإسرائيلية، ونفط لبنان ليس للتقاسم والموقف اللبناني موحّد بدون تغيير».

ساترفيلد الذي ينجز غالباً في إدارات شبه متطرفة كتلك التي أدارها بوش واليوم دونالد ترامب، حيث رجال الأعمال ومطامع كبرى ومشاريع متعددة يسعى دائماً لاكتساب ثقة الإسرائيليين الذين اعتمدوا عليه سابقاً في اكثر من ملف وهو على احترافه الكبير أكثر الدبلوماسيين حنكة وهدوءاً ويميّزه «الصبر» الكبير.

بعودة ساترفيلد التقى في قصر بسترس وزير الخارجية جبران باسيل واستمرّ بتجميع ما يساعده على أخذ ملف كامل لموقف تقدر إدارته ان تقرر على أساسه لدى عودته اليها. وهو من دون شك عاد حاملاً ضغوطاً من نوع آخر بعد أن أيقن أن مشروع «هوف» متوقف مكانه وأن اللبنانيين موحدون حول موقف واحد، لكن اكثر ما اثير في زيارته الى «إسرائيل» رسالة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله «المقصودة» حول استعداد الى قصف محطات التنقيب الإسرائيلية فوراً وجهوزية حزب الله الكبيرة لأي مستجد بهذا الإطار، اضافة الى طلب نصرالله من المفاوضين اللبنانيين بالتفاوض من موقع «القوة». وهو شيء جديد قوبل على مسمع ومرأى إسرائيلي أميركي، خصوصاً أن واشنطن التي ستفاوض عبر الدبلوماسية اللبنانية أي عبر جبران باسيل حليف حزب الله ستكون أمام مشكلة كبيرة بكل تأكيد يكرسها وجود الرئيس ميشال عون ايضاً «حليف» حزب الله.

وجود دايفيد ساترفيلد على رأس البعثة المفاوضة على ملفات النفط هو جدية أميركية إسرائيلية كبرى في تسليم الملف لأكثر الدبلوماسيين «خبرة». وهو امر لن يكون سهلاً بالنسبة للطرف اللبناني الذي سيكون امام ضغوط متجددة سيؤسس لها دايفيد ساترفيلد الذي سيعود مجدداً الى لبنان بتعليمات المواجهة التي قد تتخذ اكثر من طابع بينها «الانتخابي» التقسيمي، كما جرى في العراق او الاستمرار في التفاوض حتى تجهز المنطقة الى حل شامل، قد يحتسب مكاسب من نوع آخر للأطراف بين وسطاء دوليين وقد لا يكون هذا متوفراً بالحالة الإسرائيلية. وبالتالي فان المواجهة حول هذا الملف ستحمل نوعاً آخر من الاشتباك بحال تهرّبت «إسرائيل» أو عجزت عن حرب فيبقى العمل في المنطقة البحرية «مجمّداً» بضمانات إقليمية حتى إشعار آخر تابع إلى حسابات شاملة في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى