لبنان فرصة سعودية أخيرة

روزانا رمّال

التطورات السياسية السريعة في المنطقة لأكثر من سبع سنوات نقلت الدور السعودي نحو مرحلة جديدة غيّرت الدور والمشهد والصورة التي عمل عليها على أساس أنها دور الاعتدال الأكثر قدرة على تجسيد واقع ورؤية المسلمين ودول عربية ممتنة لعطاءات كثيرة وكبيرة للمملكة العربية السعودية، وفي لحظة تحالف مدروس دخلت الرياض مع واشنطن في حلف «تغييري» وطيد بعد أن نحجت الولايات المتحدة بإقناع السعوديين بريادة مشاريعها في المنطقة مع تنسيق كامل للدعم الميداني والعسكري والتمويلي المطلوب إضافة الى مواقف سياسية موحّدة شابت مرحلة تمتد من عام 2011 تقريباً قبل أن ينقسم الموقف الخليجي الحليف ومعه التركي، منذ قرابة السنتين ليصبح فرعاً تركياً وقطر واقعين ضمن مسؤوليات أخرى أنيطت بهما بعدما انكشفت البراغماتية الأميركية وتوزيع الأدوار بين الحلفاء «المتخاصمين» من دون التخلّي عن أي من هذه الأدوار.

الأدوار تلك التي جعلت من السعودية واقعة ضمن محاذير وموروثات سياسية جعلت من هالتها ومهابتها واقعة ضمن تجاذبات الدول وانتقادات وصلت حدَّ نعت سياستها بأعلى مستويات النبرة التصعيدية، خصوصاً لجهة الاتهام بدعم الإرهاب جعلها تتجه نحو رؤية جديدة تفند فيها مشاكلها التي طرحت على أساس إشكاليات قد تفجّر أزمة داخل المملكة. دخلت الاستخبارات الأميركية والبيت الابيض على خط ضبطها بتغييرات داخل الديوان الملكي ومراقبة أمنية عالية المستوى قبل أن تفلت الأمور. ومن بين المشاكل الكبرى التي استهدفت الصورة السعودية وغيّرت حيثيتها بالنسبة للمنطقة والعالم كانت بشكلها الأبرز ولا يزال بعضها طبعاً عالقاً، هو التالي:

قانون «جستا» الذي صوّت عليه الكونغرس الأميركي باعتبار المملكة العربية السعودية داعمة للإرهاب عبر السماح لأهالي ضحايا 11 ايلول بمحاسبة الدول التي تبين من التحقيقات انتساب الإرهابيين إليها ولو كانت دولاً صديقة. وهو القانون الذي شهد عهد أوباما إطلاقه مع مساعي لفرملة نشاط ما قد يترتب عنه في عهد الرئيس دونالد ترامب، حيث كان من سلم اولوياته تغيير صورة المملكة العربية السعودية في عيون المنطقة قبل كل شيء عبر دعم مؤتمرات مكافحة الإرهاب بقيادة السعودية، ومن ثم إطلاق هذه الحملة من قلب العاصمة السعودية الرياض بزيارة تاريخية أطلق فيها العمل الأميركي السعودي المشترك لمكافحة الارهاب، باعتبار السعودية هي الجهة الأكثر ريادة بهذا او هو الهدف المرجو بالحد الأدنى. وبالتالي بدأ العمل الأميركي على تصحيح صورة المملكة.

ثانياً: خسارة كبيرة لمشروع السعودية في سورية صار الحديث عنه غنياً لجهة الادلة التي تتواتر يوماً بعد الآخر، لكن وبالعودة الى سقف الاهداف السعودية اي «إسقاط» نظام الرئيس السوري بشار الاسد وتفكيك الجيش السوري عبر ضخّ أموال وافرة على قيادات وعناصر انشقت بداية الأزمة، لم يحصل، بل صار أبعد في كل يوم تزداد فيه مؤشرات تقدّم حلفاء سورية نحو حسم الميادين الأكثر حساسية. ومنذ معركتي حمص وحلب صار الحديث عن هذا الأمر سراباً، لكن بالمقابل تلاشى الحديث السعودي عن إسقاط الاسد وغابت بشكل شبه كلي التصريحات المذكرة بذلك أو بمسألة عدم إشراكه بالحكم في المرحلة الانتقالية.

ثالثاً: لأكثر من 3 سنوات على الاقل تلعب اليمن اكثر عوامل الضغط على السعودية، لان التحالف الدولي بقيادتها مع كل ما يمتلكه من عتاد وقوة وكل ما يختزنه من معلومات، لم يقدر على حسم معاركه مع تنظيم «أنصار الله» أو قوات الحوثي التي تعتبر تابعة للحلف الإيراني بالمفهوم السعودي بغضّ النظر عن الأوصاف السياسية إلا أن هذا لا يعني غض النظر عن أن عدم التكافؤ العسكري لم يكن فرصة لتستفيد منه السعودية، بل على العكس صار جزءاً من أدوات كشف هشاشة قواتها العسكرية وعدم قدرتها على حسم أي حرب في المنطقة. وفي المحصلة فقدت واشنطن امكانية التعويل على اي حرب إقليمية تواجه فيها ايران تتشارك فيها السعودية وحلفائها. وهو ما كان مطروحاً بشكل جدي بعد هذا الفشل باليمن.

رابعاً: البحرين والجزء الشرقي من السعودية، حيث اندلاع تظاهرات واحتجاجات كبرى ومواقف لسكان يطلبون الاشتراك بالحكم وبمطالب لتطوير حضورهم، لكنها في النهاية أدلة جديدة على ان حلفاء ايران استطاعوا أن يخرقوا الأمن السعودي ولو كانوا مجرد حلفاء بالعقيدة او الفكر، بل استطاعوا تشكيل خطر جدي على النظامين وصار التعامل معهما ضرورة قصوى على الرغم من أن المملكة جربت أنواع المخارج كافة، بينها عقوبات تصل للإعدام.

هذه الخسائر لم تقتصر على ما ذكر، بل إن لبنان قاب قوسين أو أدنى من أن يكمل الجزء الخامس منها بعد أن نجح حليف حزب الله العماد ميشال عون بالوصول لسدة الرئاسة ونجح أيضاً بإنقاذ الحريري عبر تعاونه مع حزب الله لإعادة تسميته رئيساً للحكومة. وبالتالي فقدت المملكة عنصر «إيصال» شخصية سنية الى الحكم ووضع فيتو عليها لأن التحالفات تغيرت بشكل دراماتيكي، كما أن فائض قوة حزب الله في المنطقة صرف داخل لبنان بخيارات تلائم وضعه الجديد.

لبنان اليوم هو فرصة السعودية الأخيرة في المنطقة لتعويم حضورها وتصحيح كل ما شابه، خصوصاً أن خسارتها لبنان وما يتمتع به من حضور إعلامي كثيف ومن قدرة على خلق ضجيج عابر للقارات سيجعلها تخسر بيروت كموقع استراتيجي استطاع، كما يقول مصدر بارز لـ»البناء» «إدخال السعودية بنصيحة من رفيق الحريري الى قلب السياسة الفرنسية وأوروبا».. خسارة بيروت والحضور في لبنان مكلف جداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى