محسومة هي حرب الغوطة الشرقية…

محمد شريف الجيوسي

من يسمع وسائل إعلام الغرب الأوروبي منه والأميركي والناتوي والصهيوني والإمبريالي، ومن يتبعه من رجعيات عربية وغير عربية، يدرك يقيناً كم ينطوي عليه هذا الإعلام من نفاق وخداع ودجل وتضليل وسفاهات، ولكن من يريد دفن رأسه في الرمال، أو من ترتبط مصالحهم بما سبق، أو هم على قدر من السذاجة والتسطيح أو التعصّب التكفيري المغلف بالإسلام خداعاً، فلن يدركوا ذلك.

الآن تقطر وسائل إعلام الغرب حناناً وإشفاقاً وعطفاً ورأفة وإنسانية وتهذيباً على مدنيّي الغوطة الشرقية، وبعض بلدان هذا الإعلام هي التي غزت العراق وأفغانستان وكوريا وفيتنام والجزائر وليبيا وغيرها، وغزت وتغزو الآن بلاد الشام وتحاول تجزئة المجزأ، وهي التي أقامت الكيان الصهيوني وتتيح له كلّ عناصر القوة والتدمير والتوسع، وقصفت اليابان بالقنابل الذرية، وهي التي جزّأت السودان وصوملت الصومال، وهي التي تشعل الحروب الإثنية والدينية في أفريقيا، وتعدّ لإشعال حروب جديدة على حوافي الصين وروسيا، وهي التي تعمل حتى على إشعال الفتنة في الخليج وأماكن أخرى.

من آفات الغرب الأوروبي بخاصة أنه يبني تقدّمه وازدهاره وتطوّره ورفاهه ليس على البناء الداخلي وإنما على دمار الآخر واجتثاثه وشنّ الحروب والاستعمار ونهب ثروات الشعوب وتشويه الثقافات الوطنية وسرقة مخزونها العلمي وتسخيره ضدّها.

وتأتي المنطقة العربية في مقدّمة مناطق العالم استهدافاً بحكم موقعها الاستراتيجي وما تختزن من ثروات، وما تتميّز به من طبيعة معتدلة وتتوفر على ثقافات متنوّعة متعايشة.. والأمر قديم منذ روما فحروب الفرنجة التي شارك فيها يهود من تحت الطاولة إلى محاولة نابليون الفاشلة لإقامة كيان صهيوني في فلسطين، إلى الاستعمار الذي شمل معظم الوطن العربي كله تحت سمع وبصر الإمبراطورية التركية العثمانية، واستكملوه بإسقاطها بعد أن ولى العثمانيون قياد الإمبراطورية ليهود الدونما فساموا رعاياها من عرب وغيرهم العذاب، واستكملوه ضدّ السلاطين أنفسهم الذين ولوهم.

ومن محطات استهداف الغرب للمنطقة العربية المؤتمر الذي ناقش على مدى 3 سنوات 1904 ـ 1907 بمشاركة بريطانيا وبمبادرة منها: فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا.. حيث أقرّوا وثيقة أطلق عليها وثيقة كامبل باسم رئيس وزراء بريطانيا.. والتي أقرّت إقامة كيان غريب عن المنطقة يبدّد استقرارها وتنميتها ويدخلها في حروب دائمة ويحول دون وحدتها ويفصل مشرق المنطقة عن مغربها، فتلاقح المشروع الصهيوني مع خطة كامبل فكانت الخطوة التنفيذية الأولى وعد بلفور، وتلتها خطوات.

لم يفكر الغرب الأوروبي والأميركي على مدى تاريخه الدموي بتحقيق مصالحه في منطقتنا أو في أيّ منطقة في العالم، إلا من خلال الحروب والاستراتيجيات العسكرية والدمار والغزو والإستعمار، حتى في ما بين دوله، فكانت الحربان العالميتان الأولى والثانية وكانت حرب الـ 100 عام هي 114 سنة بين 1337 ـ 1453 وانتهت بطرد الإنكليز من فرنسا، وكانت حروب نابليون بين 1803 و1815، وكانت حروب فرنسا الدينية بين 1562 و 1598، وكانت حرب الـ 30 عاماً بين السويد وألمانيا بين عامي 1618 و1648، وكانت حروب الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، وحرب الـ 70 عاماً والـ 200 عام وغيرها من الحروب، وكانت حروب أوروبا الغربية تجاه العالم الجديد وما دمّروا وأفنوا من شعوب وأمم وحضارات وثقافات غلفوها باسم الدين المسيحي فيما كانت أطماعاً استعمارية صرفة.

وعندما توقف الغرب عن خوض حروبه البينية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، كثف من حروبه العدوانية تجاه منطقتنا ومناطق أخرى في العالم.

هذا الغرب العدواني الدموي الاستعماري الأوروبي الأميركي الصهيوني ومن يليه أصبح يقطر عطفاً وحناناً وإنسانية على مدنيّي الغوطة، لأنه كان يريد أن تبقى العاصمة السورية دمشق والمدنيين فيها تحت رحمة قذائف العصابات الإرهابية، ولأنه كان يخطط للاستيلاء على أجزاء منها كخطوة على طريق إسقاط الدولة الوطنية السورية، كما كانوا يعدون لخطط أخرى انطلاقاً من تدعيم وجودهم الإرهابي العدواني في الغوطة.

الخطط الأميركية البريطانية الإسرائيلية.. تكشفت لدى محور المقاومة والحلفاء، فكان لا بدّ من قرار حازم حاسم وإرادة قتالية، بإنهاء وجود العصابات الإرهابية في الغوطة الشرقية ومن معهم من ضباط استخبارات الدول الداعمة، واستباق وإلحاق ذلك بفتح ممرات آمنة للمدنيين ممن يرغب المغادرة منهم، وقامت مصر بدور وساطة في الغوطة لإتاحة الفرصة لمن يرغب المغادرة من هذه الجماعات إلى إدلب، لكن أميركا ضغطت على مصر لوقف جهودها تلك، في محاولة غبية وسادية لإطالة أمد الحسم وتعظيم حجم الخسائر والمتاجرة بها إعلامياً.

الآن باتت سورية والحلفاء يمتلكون كلّ إمكانيات الحسم الناجز في الغوطة الشرقية، مهما حشد أعداؤها، ورغم ضجيج الإعلام الغربي المخادع المضلل، وسيدرك من لم يدرك بعد، أنّ سورية على حق كامل في دفاعها عن أمنها القومي وعن الأمن القومي للأمة، بل وعن الأمن والسلم والاستقرار والعدل في العالم بمواجهة قوى الظلام والعدوان والحروب.

سورية الآن تخطو والحلفاء ساعة بساعة نحو انتصارها الكامل والناجز، أحابيلهم لن تجرّ عليهم سوى مزيد من فشل، وبعض حلفهم يتآكل من داخله وبات في حاجة لمن يحميه، ونيران مآزقهم توشك على الدخول الى عقر ديارهم واحداً إثر آخر، فيما محور المقاومة وحلفاؤه يتصلب ويشتدّ ساعده وتتعاظم طاقاته وانتصاراته أكثر وتكبر قاعدته…

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى