شهادات على «الربيع العربي»

محمد شريف الجيوسي

ما زال البعض يتحدّث عما جرى ويجري في المنطقة العربية منذ الأيام الأخيرة من سنة 2010، حتى الآن على أنها ثورات شعبية، أتت تلبية لمطالب جماهيرية محقة.

لكن شواهد غربية وشرقية كثيرة تثبت غير ذلك.

أورد هنا ما قاله الجنرال الأميركي ماك ماستر رئيس الأمن القومي في البيت الأبيض الأميركي لتلفزيون MRC عن صفقة القرن، بأنّ الخليج سيموّل الصفقة بـ 1500 مليار دولار، وستدعم السعودية ومصر والأردن لقاء تسهيلهما الصفقة، فيما سيدعم الاتحاد الأوروبي الدولة الفلسطينية البديلة بمشاريع زراعية وصناعية واستثمارية.. وستقوم هذه الدولة بموازنة قدرها 3500 مليار دولار لإقامة مساكن جاهزة ومتطلّبات الحياة الأخرى.

وبرّر ماك ماستر صفقة القرن بأنها ستشطب حق العودة من جهة، وتريح السعودية والخليج من النفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان، حيث بحسبه ينتهي الدور الإيراني جراء حلّ القضية الفلسطينية على هذا النحو، مع أنّ حلها بهذه الطريقة قد يضاعف الدور الإيراني في المنطقة ويؤجّج الشعور القومي والعربي.

وقد يقول قائل وما علاقة هذه الصفقة بما أطلق عليه الربيع العربي، أو ما بشّرت به الغادة كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة، لقد حققت هذه الأحداث المدمّرة جملة كوارث منها: تدمير أو على الأقلّ إشغال الجيوش العربية عن واجباتها الحقيقية والمنتظرة.. تدمير ونهب الثروات العربية ابتداء بالنفط وليس انتهاء بالآثار.. خلق فتن وشروخ طائفية ومذهبية وإثنية.. قتل وجرح واختطاف ونزوح الملايين.. وفي آن تسديد أكلاف ما سبق من فتن وحروب من المال العربي وتسريب ما تبقى لخزائن الغرب.. وإتاحة الفرصة للرجعية العربية للتعامل مع العدو الصهيوني دون مساءلة.. وبالتالي الانشغال عن القضية الفلسطينية التي كانت قضية العرب المركزية، ما يجعل صفقة القرن ممكنة التحقق في ظلّ هذا الغياب العربي والإسلامي.

أما هيلين توماس عميدة الصحافة في البيت الأبيض الأميركي لأكثر من 50 عاماً والتي توفيت قبل سنتين عن 95 عاماً، فقد كتبت مقالة قبل وفاتها بأيام رفضت نشرها وسائل إعلام أميركية عديدة للمرة الأولى في حياتها، ما اضطرها للقول في محاضرة بنادي الصحافة الأميركية اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا ويسيطرون على البيت الأبيض .

وكانت قد رفضت مرافقة الرئيس الأميركي بوش الثاني الى العراق وردّت على مزاعمه بأنه يحارب في العراق لأجل الله والصليب.. بأنّ حربه في العراق حرب الشيطان.

وقالت هيلين توماس أرى بوادر حرب عالمية ثالثة طُبخت في تل أبيب والاستخبارات الأميركية وأول شواهدها ظهور تنظيمات إرهابية بدعم أميركي، لا تصدّقوا أنّ واشنطن تحارب الإرهاب لأنهم دمية في أيدي الـ CIA.

وأضافت توماس: هم صنّاع الإرهاب، والإعلام يسوّق أكاذيبهم، لأنّ من يملكه هم يهود «إسرائيل» تلقف مفرداتها المهمة الدقيقة المخرج العالمي مايكل مور في فيلم تسجيلي.. وهو مَن فضح بوش وعصابته من تجار السلاح، وحصل فيلمه فهرنهايت 9/11 على أكثر من جائزة عالمية .

والشهادة الثالثة، ما قاله جيمس وولسي رئيس الاستخبارات الأميركية السابق المنطقة العربية لن تعود كما كانت وسوف تزول دول وتتغيّر حدود ودول موجودة .

وشهادة رابعة، قالها المتحدث باسم الحكومة «الإسرائيلية» ريغيف: المنطقة على صفيح ساخن، ونحن لن نسكت وننسّق مع أجهزة استخبارات دول كبرى للقضاء على ما أسماه الإرهاب، وسوف نتدخل معهم لمحاربة الإرهاب حتى لو اندلعت الحروب لضمان حماية دولتنا. انتهى الاقتباس، فمحاربة الإرهاب الذي صنّعوه مع أميركا هو الذريعة للتدخل وشنّ الحروب.

الشهادة الخامسة للباحثة والمحللة السياسية الروسية ناتيانا غراتشوفا مسؤولة قسم الأبحاث السياسية في أكاديمية العلوم العسكرية التابعة لقيادة الأركان الروسية، حيث ورد في بحث مستفيض علمي وموثّق حول دولة خزاريا، أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي دولة خزاريا الثانية المخفيّة ويحكمها سراً أحفاد أولئك اليهود، وتتعدّد الأساليب التي يستخدمها أحفادهم حالياً لإخضاع الحكومات والدول التي ترفض أن تكون جزءاً من إمبراطوريتهم العالمية، بدءاً بالإغراء بالمشاريع الاقتصادية التي يستحصل عليها من صندوق النقد الدولي التابع للخزينة الفيدرالية الأميركية، وبالحصول على القروض تصبح الدول تابعة للإمباطورية العالمية. وفي حال رفضت هذه القروض تشنّ على الدول الرافضة حملات إعلامية وتتهم بالديكتاتورية والفاشية وتفرض عليهم عقوبات اقتصادية، ثم يجري العمل لزعزعة أوضاعهم الداخلية بالثورات والحروب الأهلية لتمزيقها والإطاحة بحكوماتها.

وفي حال صمدت هذه الدول تجاه كلّ ما سبق، يجري العمل على تدمير مجتمعات تلك الدول بالدعارة والمخدرات والعادات السيئة ومحو الثقافات الوطنية.

وبعد، فإنّ بعض المنطقة العربية استهدف بالربيع العربي لاعتبارات مختلفة، مرة هي مستهدفة كأيّ منطقة في العالم تحاول أن يكون قرارها مستقلاً كسورية وليبيا والجزائر والعراق في مرحلة … ومرة بحكم العامل الجيوسياسي كسورية، ومرة بحكم الموقف من الكيان الصهيوني كسورية والعراق والجزائر وليبيا واليمن والجزائر ومرة بحكم الثروات الأحفورية.. ومرة بحكم الضرورة الإمبريالية وتغيير الوجوه وتجديد الأنظمة التي طال الأمد عليها خشية أن يأتي التغيير عبر ثورات شعبية حقيقية، وهذا يتعلق بالأنظمة التابعة حصراً.

الربيع العربي كان وما يزال، ربيعاً أميركياً صهيونياً غربياً رجعياً عربياً وتركياً بامتياز. حُضّر له جيداً. فشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، رغم حجم الدمار الهائل الذي حققه، وملايين المهجّرين والشروخ التي أقيمت فارتداداته تهدّد أخضر ويابس مصنّعيه ومموّليه ومسوّقيه ودعاته ومبرّريه، وقد تولّدت قوى عالمية جديدة، فلم تعد أميركا الدولة الأعظم، وقيادتها محلّ سخرية، وأصبح الغرب الأوروبي مهدّداً بالأزمات والمهاجرين والإرهاب، والرجعية العربية بالأزمات الداخلية والتفكك والإفلاس، وتركيا بالإرهاب والأزمات، وإسرائيل» التي كانت رأس حربة أميركا، أصبحت في حاجة لمن يحميها.

بقي أن نفهم أنّ فشلهم الذريع، سيجعل نهاياتهم ومغامراتهم أكثر شراسة وعدوانية ومعاداة للقيم البشرية، وهو ما ينبغي الحذر منه وأخذه بعين الاعتبار.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى