الممثّل السوري جابر جوخدار: أشجّع الكوميديا الصحيحة والواقعية لا المبتذلة… والصدق أساس التمثيل

رنا صادق

إن كان الصدق ينبع من المهن، فمهنة التمثيل أوسعها صدقاً من تلك التي تقدّم المادة جافة، مزوّرة تشوّه الواقع. فالممثل الجيد هو الذي يعيش لحظات دوره في تقديم الشخصية، ويقدّمها بصدق لتنال الإعجاب.

سورية بلد الحضارة والتاريخ، تترك لأبنائها حرّية الكشف عن مكامن قوّتهم في مجالات الثقافة ككلّ، إن كان في الشعر والمسرح أو الرسم، والتمثيل والرقص. من هنا، بدأت رحلة شاب غير اعتيادي، فريد الشخصية وغامض، تتفكك رموزه رويداً رويداً كلّما اكتشفتَ تواضعه، فهو ملمٌّ بالأحداث والتطوّرات، لا يغفل عنه شيء. يدور في فلكه الخاص، لكنّه يعطي للناس أوقاتهم ويعاشرهم. لذلك اكتسب شهرةً في العالم العربي عن عمر صغير.

جابر جوخدار الممثل السوري المولود في الكويت، حقّق في الفترة الأخيرة شهرةً واسعة في مجال التمثيل درامياً وسينمائياً، خصوصاً بعد فيلم «محبس» للمخرجة صوفي بطرس.

«البناء» التقت الممثل الشاب وكان لها حديث شيّق معه، نعرضه في ما يلي:

طفولته خرجت عن المألوف ودخلت في شقّ المغامرات، هو من مواليد الكويت، عاش فترة الحرب فيها، أي أثناء غزوها من قبل العراق. لذا، عاش فترة هناك ثم عاد مع عائلته إلى الشام، حيث أكمل دراسته.

عمّه مخرجٌ مسرحيٌّ، ووالده يهوى المسرح والفنون. أتقن المسرح كهواية لكنّه لم يزاوله كمهنة. بدأت موهبة التمثيل مع جوخدار منذ صغره حين كان يقوم بأداء مسرحيات للعائلة وأقرانه. التمثيل احتل الحيّز الأكبر في طفولته، حيث اعتبرها مسلكه الوحيد للتعبير عن ذاته وشخصيته، وكل أحاسيسه.

يدقّق في التفاصيل، فأراد أن يصبح عالم حشرات بعيداً عن التمثيل، لم يكن يعلم جوخدار الصغير أنّه يخفي في طيّات نفسه موهبة التمثيل والأداء، لكنّه أدرك هذا الأمر مبكّراً واستغله إلى أن دخل المعهد العالي الفنون المسرحية.

بدايته

تخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق حيث كان من المتفوّقين. شارك أثناء دراسته بعددٍ من ورش العمل المختصّة بمفهوم المسرح التوثيقي في الدنمارك، ولوس أنجلس وسان فرنسيسكو.

المسرح الوثائقي هو تقديم ما هو واقعي عبر الأداء على المسرح، والنصّ ليس حكماً من خيال الكاتب، كما هو يجسّد شخصية حقيقية موجودة على قيد الحياة. فالمسرح الوثائقي، يعتمد فى أساسه على المادة الوثائقية الموجودة من قبل، يستخدم الحقائق ذات الغرض التعليمي التي تحرّض على فعل واحد وهو التفكير، أو الرغبة في التغيير على عكس المسرح المتعارف عليه. فالشخصيات في المسرح الوثائقي لها طبيعتها الخاصة التى تعتمد على البعد عن الواقعية لدرجة تصل إلى الكاريكاتورية، والحوار فى المسرح الوثائقي موجّه ومجرّد إلى أبعد الحدود حيث يعتمد على المباشرة من خلال عرض التقارير الصحافية والخطب السياسية بحسب جوخدار.

عفوية وكاريزما

يتمتّع جوخدار بقدرة على العفوية أمام الكاميرا، إذ يعتبر أنّ العفوية هي خلاصة ونتاج التمرينات الزائدة والدائمة على الدور، ويضع الممثل ثقلاً في التحضيرات من أجل أنّ يكتسب مهارات العفوية لكلّ دور، حتى يصبح الأداء مبهراً، واقعاً وحقيقةً. هذه العفوية تأتي بحسب هذه الآلية التي يصعب شرحها. العفوية عموماً هي التي تسهّل التقرّب من الناس والجمهور، فهي عامل أساس للوصول إلى قلوبهم، لأن الناس بطبيعتهم يكرهون التصنّع.

شارك الفنان جوخدار بعدد من الأعمال المسرحيّة والتلفزيونية. وفي المسرح مسرحية «غني وثلاثة فقراء»، عام 2005، من تأليف جان لويس غاليفرت، ترجمة الدكتورة ماري إلياس وإخراج مانويل جيجي، ومسرحية «صيد الفئران» عام 2006، من تأليف بيتر توريني وإخراج د. عبد القادر منلا وغيرها من المسرحيّات. أمّا في التلفزيون فمسلسل «ذكريات الزمن القادم» عام 2003، للكاتبة ريم حنّا وإخراج هيثم حقي.

يقول جوخدار عن أول ظهور له على الشاشة الذي كان من خلال مشاركته في مسلسل «ذكريات الزمن القادم» بدور «ماجد» عام 2003: كنت طالباً في السنة الثالثة في الجامعة، هذه التجربة الأولى لي بمشاركة المخرج هيثم حقي، بعد أن تعارفنا خلال مسرحية في الجامعة. حيث أشاد بأدائي وقال لي حينذاك: «الكاميرا بتحبّك». استمتعت فعلياً بأداء دور «ماجد» الذي كان فلسطينيّاً، لذا تطلّب منّي الدور العمل والجهد على هذه اللهجة لتقديم أداء أفضل. ترك هذا العمل الحماسة، والتشوّق للاستمرارية في مشواري مع التمثيل، وشجّعني على تقديم الأفضل، كما أنّني في تلك الفترة كنت أرى الدراما التلفزيونية بصورة بريئة، لكنّني مع الوقت اكتشفت أنّ المادة التلفزيونية هي أقرب لأن تكون سلعة تجارية. لكنّ الدراما التلفزيونية هي فنّ بحدّ ذاته إذا كانت في الجهة الصحيحة للعمل الفنّي.

«ملح الحياة» هو أكثر عمل قريب لشخص جوخدار كما يشير إلى «البناء»، العمل من إنتاج المؤسسة العامة للتلفزيون، إخراج أيمن زيدان، والنصّ للكاتب حسن يوسف، وأدّى فيه دور «وهيب».

دارت أحداث المسلسل خلال فترة الأربعينات، ما قبل وبعد جلاء الاستعمار الفرنسي، وهي نابعة من قصة حقيقية. «وهيب» معلّم في مدرسة، تعرّض للاعتقال، وزُجّ في السجن، لأنه دافع عن طالب كان قد قتل بالرصاص لأنه شارك في تظاهرة لطرد الاستعمار الفرنسي، فهاجم «وهيب» عسكرياً فرنسياً، وعوقب بالمنفى في سجن يشبه سجن غوانتنامو. استطاع أن يرجع إلى بلده بإيمانه. خلال مسيرته تعرّف إلى شخص بلجيكي أحبّ العرب والسوريين، حتى صار السفير البلجيكي في سورية، وقبره اليوم في مدينة طرطوس. صار «وهيب» والبلجيكي أعزّ الأصحاب، وهو الوحيد الذي كان ضدّ خطط حلف شمال الأطلسي في تقسيم وطننا. لأنه لامس طيبة السوريين ونبلهم.

«محبس» عمل مليء بالطاقة الإيجابية، يقول جوخدار، استطاعت المخرجة صوفي بطرس التي شاركت في كتابة نص الفيلم الذي استمر ساعة ونصف الساعة، أن تحقّق شغفاً حقيقياً وجوّاً حرفياً مع العلم أنّ «محبس» هو العمل السينمائي الأول لها.

ويقول جوخدار في هذا الصدد: كان لا بدّ من تسليط الضوء على العلاقات الاجتماعية بين سورية ولبنان، بشكل شبيه للواقع إلى حدّ كبير.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الفيلم عبارة عن قصة حبّ بين فتاة لبنانية وشاب سوريّ، تقف الأم حجر عثرة بين قصتهما، بسبب موت أخيها منذ عشرين سنة بقنبلة تدّعي أنها سورية إبان الحرب الأهلية اللبنانية. شارك في الفيلم الذي عرض للمرّة الأولى في «مهرجان دبي السينمائي»، نجوم من لبنان وسورية، وهو من بطولة جوليا قصّار، سيرينا الشامي، علي الخليل، بسام كوسا، نادين خوري، بيتي توتل، سعيد سرحان، نيكول كماتو، دانيال بلابان، سمير يوسف، ومن تأليف وإخراج صوفي بطرس.

«درب السما» رحلة سينمائية فريدة بالنسبة إلى جوخدار، كتابة وإنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع «آدامز برودكشن للإنتاج الفنّي».

دارت أحداث الفيلم في زمن الحرب على سورية، ويظهر تدخّل هذه الحرب بمصائر الناس بشكل إنساني مرهف عبر تراجيديا اجتماعية ممزوجة بالكوميديا السوداء، تروي حكاية عائلة سورية تهجر مكان إقامتها قسراً لمرات عدة. لكن يجمع أفرادها إصرارهم على الحياة والانتصار على الذات وكسر الخوف وتحدي رغبة الآخر في إنهاء وجودهم.

الصدق أساس التمثيل

التمثيل ليس أن يضع الممثل شيئاً من ذاته، بل أن يُظهر رأيه من الشخصية التي يجسّدها، وسرّ نجاح كلّ ممثل أن يعطي رأيه في الدور.

الممثل الجيد برأي جوخدار هو الممثل الذي لا قدرة لديه على الكذب، أي عكس ما هو شائع. فهناك شعرة بين الصدق وإتقان فنّ الكذب. التمثيل بحدّ ذاته هو الصدق، على الممثل البارع أن يعرف معنى الصدق حتى يؤدّيه.

الثقافة، الأخلاق، التمرين الدائم والمتواصل، الاحتكاك بالجمهور، من أهم صفات الممثل الناجح. واختلاطه مع الناس من أبرز هذه الصفات، لأنه يؤدّي أدواراً تنبع من الناس وشخصياتهم وتصوّراتهم، فعليه التنبّه والاختلاط معهم، يشعر معهم، يرى بأعينهم، يحسّ آلامهم، يفرح معهم، يأكل معهم، يخاطبهم، يحكي بلسانهم. من الخطأ أن يبقى الممثل محصوراً في برجه العاجي، ويشعر أنّ عليه الابتعاد عن الناس. ومعاشرة الناس أجمل ما يحصل عليه الممثل إذا اكتسبها بالطريقة الصحيحة. باختصار، عليه أن يكون ملمّاً بما يحصل حوله، مشاكل منطقته وبلده، ووطنه.

الكوميديا الحقيقية ناجحة

تتنوّع الرسائل من خلال تقديم الأداء الكوميدي الذي يتفاوت نجاحه بين حين وآخر، إذ يرى جوخدار أنّ هناك نقصاً في العناية بالعمل الكوميدي. فالمشكلة أنّ الجمهور العربي لا يعتمد على الكتاب بل على التلفزيون، لذا يتطلّب من أصحاب القنوات والمنتجين تدارك هذا الموضوع، أنّ الشعب يتعلّم من الشاشة، فعليهم الحرص في نوعية البرامج التي تعرض، والأخذ بعين الاعتبار التفاوت الحاصل الكبير داخل الجمهور عينه، وتقديم ما يناسب كلّ أفراد العائلة، صغاراً وكباراً، خصوصاً في الكوميديا، والابتعاد عن الكوميديا المبتذلة.

ويقول جوخدار: أنا مع الكوميديا الصحيحة، الحقيقية والواقعية الفنّية في الدراما، التي تصل إلى قلوب الجماهير أسرع عن طريق إسعادهم. ويقول الفيلسوف والكاتب والمخرج وودي آلن: «ليس من المهم أنّ تقدّم السينما رسائل بقدر ما عليها أن تبعد الناس الذين واقعهم شاء أم أبى أليم». الأمر الذي يسمح للمشاهد أن يحلم، والحلم هو أول حجر أساس للتطوّر والإبداع. أمّا التراجيديا فلا تعطي هذا النموذج.

المسرح والتلفزيون

التمثيل المسرحي يختلف تماماً عن التمثيل التلفزيوني الدرامي، المسرح حيّ، لحظوي آنيّ، حقيقيّ وواقعيّ أكثر، يلامس فيه الممثل تفاعل الجمهور ويتشارك معه لحظات مؤثّرة ومضحكة. بينما التمثيل التلفزيوني صورة أقل تأثيراً وواقعاً، بعيدة التشارك والتفاعل بحسب جوخدار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى