… وماذا عن البلوك الثامن ودور الشركات في الضغط على «إسرائيل»؟

يارا بليبل

بعيداً عن شيطان التفاصيل في موضوع النزاع القائم حول البلوك رقم 9 بين السلطة اللبنانية من جهة والعدو الصهيوني من جهة أخرى، تبرز في هذا المجال معطيات عامة توضح ملابسات هذا النزاع وخلفياته وآفاقه ودور الشركات النفطية في معالجته مع أنّ الخطورة الأكبر هي في البلوك الثامن الغائب عن الضوء.

ففي العام 2007، وقّع لبنان وقبرص اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلّ من الدولتين، بحيث تمّ تحديد الحدود بنقطتين موقتتين هما النقطة الأولى جنوباً والنقطة السادسة شمالاً.

في هذا المجال، اعتبر رئيس لجنة الأشغال والنقل النيابية النائب محمد قباني في اتصال مع «البناء» «أنّ ترسيم الحدود مع قبرص، خطأ بُني عليه»، موضحاً أنّ النقطة النهائية للحدود اللبنانية القبرصية الصحيحة هي النقطة 23». لكن أتى بعد ذلك، ترسيم الحدود من طرف واحد لبنان مع العدو الصهيوني في 14/7/2010، انطلاقاً من النقطة الأولى المحدّدة من قبل الطرف اللبناني، بدلاً من النقطة 23، مستغلاً بذلك الخطأ اللبناني باعتبار النقطة الأولى موقتة.

واستتبع العدو ذلك باتفاقية ترسيم حدوده مع الجانب القبرصي في الشهر الأخير من العام نفسه 17/12/2010 . وتبيّن في ما بعد الخطأ الذي اقترفه الوزير المفاوض في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك، محمد الصفدي، بتراجعه في الاتفاقية الموقعة مع قبرص 10 أميال بحرية أيّ ما يعادل 17 كلم عن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.

أمام هذا الواقع، فإنّ المسافة بين نقطة 1 و23 تمثل منطقة متنازعاً عليها بالنسبة للأمم المتحدة في ظلّ التداخل الحدودي بين لبنان وبين فلسطين المحتلة والذي قدّر بـ 860 كلم مربعاً مع إرسال العدو الصهيوني لإحداثياته البحرية في تموز 2011 إلى الأمم المتحدة، بعد أن كان الجانب اللبناني قد قدّم إحداثيات حدوده الجنوبية في تموز 2010 .

هذا الأمر استدعى بحسب قانون البحار الصادر عام 1982، ضرورة اللجوء الى التفاوض المباشر بين الأطراف المتنازعة. وهذا ما يُعدّ صعباً إنْ لم نقل مستحيلاً في ظلّ عدم اعتراف لبنان بـ «إسرائيل» كدولة. لتبدأ «سمفونية» فريديريك هوف تعزف بعد رفض العدو أن تكون الأمم المتحدة وسيطاً في التفاوض، فلُزِّمت واشنطن التنقيب عن الحلّ مع سابق تصوّر أو يقين بــ «رخاوة الجبهة السياسية اللبنانية»، وربما عن ثقة فائضة تجاه حلفائها في الداخل اللبناني.

بدأ فريديريك هوف مهامه التفاوضية مع الجانب اللبناني، لكن جهوده فشلت بعد طرح اعتماد خط وسط بانت أولى تجلياته بموضوع البلوك التاسع الذي أعطى 60 منه كحصة للبنان و40 للعدو «الإسرائيلي».

خطورة هذا الاقتراح، لا تقتصر على اجتزائه لحق لبنان في البلوك الآنف الذكر، بل بمفاعيله المرتبطة بالبلوك الثامن الذي سيتمّ قضم أكثر من نصفه، لكن الغريب أنّ كثيرين من المسؤولين اللبنانيين وحتى معظم وسائل الإعلام، لا يثيرون ولا يذكرون هذا الأمر!

إلاّ أنّ النائب قباني يؤكد ذلك، مضيفاً في حديثه مع «البناء» بـ «أنّ لدى الدولة اللبنانية معلومات تؤكد أنه منذ زمن الانتدابين الفرنسي والبريطاني للمنطقة، طلب الإنكليز بـ»المونة» من الفرنسيين بدفع النقطة ب ـ 1 البريّة 1800 متر شمالاً» مشدداً على «أنّ حدودنا من المفترض أن تكون 1800 متر براً جنوب النقطة ب ـ 1، الأمر الذي يعطينا 500 كلم مربع إضافي في المنطقة»، منوّهاً بــ «الموقف المتماسك للأطراف اللبنانية كافة، لجهة النقطة 23 كمنطلق أساسي لأية مفاوضات»، طارحاً الأمم المتحدة كجهة مفاوضة وحصرية في هذا الشأن، ولا أحد غيرها.

استكمالاً لما سبق، لم تقف القيادة الأميركية عند عتبة الرفض اللبناني لاقتراح موفدها فريديريك هوف، بحيث استكمل مساعد وزير خارجيتها الحالي دايفيد ساترفيلد العزف على «المنوال» عينه من دون أيّ طرح جديد وكأنما به يقول «نفد صبرنا». ليقابله موقف لبناني، بالرغم من بعض الأصوات الناشزة، اتسم بالوضوح والتقيّد بـ «الريتم» السياسي المتفق عليه. قبل أن يتبعه وزير الخارجية ريكس تيلرسون في 14 شباط الماضي، الذي كرّر ما ردّده ساترفيلد على مسامع المسؤولين اللبنانيين.

إزاء ما ورد طرحه، من غير المعلوم كيف ستتجه الأمور ومركب من سيسير وفق ما يشتهي؟ الثابت هو وضوح موقف الجانب اللبناني. وفي موازاته، يبرز دور الشركات الدولية الضخمة التي لزّمت التنقيب عن موارد لبنان البحرية. وهي بحسب النائب قباني «شركات جدّية، على «إسرائيل» أن تدقق في حساباتها قبل أن «تتحركش» بها».

الجو العام لدى القيادة اللبنانية يوحي بالراحة المتلازمة مع ثبات الموقف، بحيث يُشار إلى أوراق قوة يمتلكها، فمن جهة لبنان لم يبدأ العمل على التنقيب وبالتالي لا خشية من تهديد عسكري، يقابله من الجانب الآخر وجود حقل كاريش في الأراضي المحتلة الملزّم لشركة يونانية ما إن علا سقف التصريحات اللبنانية والإعلان عن جهوزية التصدّي لأيّ محاولة اعتداء، بالإضافة لموقف قيادة المقاومة اللبنانية في هذا الشأن، التي وضعت إمكانياتها ومقدراتها رهن الإشارة لاستهداف منصات النفط «الإسرائيلية» وإيقاف عملها خلال ساعات، وإذ بها ترسل رسالة الى القيادة «الإسرائيلية» تدعوها لضبط النفس والتروّي لما يشكله الأمر من خطر على الاتفاقية التي تقضي ببدء استخراج النفط من الحقل المذكور آنفاً مع حلول تموز 2018 .

فهل يعتمد في حلّ النزاع النفطي على ثقل الشركات العالميّة وما تمثله من عامل ضغط بوجه مطامع العدو…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى