عندنا…

بلال رفعت شرارة

الدولة عندنا تستهلك الكثير من الورق، الطباعة، أوراق الطوابع المالية، التواقيع والأختام على كلّ معاملة، وطبعاً هذا كله يترافق مع استهلاك الكثير من الوقت بانتظار أن تبرم المعاملة برمة العروس من هالك لمالك لقبّاض الأرواح ـ أغلبهم قبّاض… .

الدولة عندنا بكلّ سلطاتها عندها أسماء تفخيم كبير تسبقها من أولها الى آخرها: فخامة، دولة، معالي، سعادة، جانب، حضرة… وهذا الأمر يلحق السلك العسكري: سيادة، العماد، مون جنرال ، مون كولونيل ، كلّ الرتب بالتدرّج باللغة الفرنسية طبعاً .

وعندنا في وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي الصفة تسبق الموصوف من أركان الوزارة إلى أصحاب السعاةه رؤساء البعثات الدبلوماسية والساده القناصل والقائمين بالأعمال والمستشارين.

وعندنا في البلد طبعاً من نِعْم الله علينا مجالس مليّة مرجعيات الطوائف ومحاكمها الدينية الخاصة والقضاة وخطباء المساجد والكنائس من أصحاب السماحة، وآيات الله وحجج الإسلام والمسلمين وأصحاب النيافة، الغبطة، الفضيلة، سامي الاحترام، قدسي الاحترام و…

وعندنا نقيبا الصحافة والمحررين وسعادة رئيس المجلس الوطني للإعلام. وعندنا ناشرو وناشرات المطبوعات السياسية وغير السياسية ، رؤساء الصفحات وعندنا رؤساء مجالس إدارة التلفزيونات عدا تلفزيون لبنان الرسمي فلا زال موضع خلاف . وعندنا مديرو الإذاعات من إذاعة لبنان الى إذاعات الطوائف والأحزاب وما أنزل الله به من إعلام مسموع عدا المرئي والمكتوب. وعندنا مديرو البرامج والأخبار والإعلان هذا كله غير مدراء القبض والصرف

في الدولة. عندنا حاكم وحكومة وسلطة تشريعية، وقضائية وعسكرية وإعلامية و…

عندنا مجالس لا تعدّ ولا تحصى من مجلس النواب الى مجلس الوزراء والمجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة، ونحو أربعين مجلس إدارة للمصالح المستقلة المحكومة المفترض أنها كذلك إلى مجلس الوزراء كلها تميّز نفسها بـ الأعلى وعندنا مجالس الإنماء والإعمار والجنوب ومجلس إدارة كهرباء لبنان ومجالس مستقلة لمصالح الماء ولا يوجد عندنا بالمناسبة لا ماء ولا كهرباء إذ نخضع للتقنين منذ عهود سابقة وإلى الآن…

وعندنا ألف وثمانية عشر مجلساً بلدياً من الأحجام الكبيرة 24 و 21 الى 9، وعندنا نحو 5000 مختار ونحو 100 نقيب ومجلس نقابة، عدا الاتحاد العمالي العام ونحو 12000 رئيس وهيئة إدارية لمؤسسات المجتمع المدني الأهلية والشعبية

وعندنا في الوطن مجلس أعلى للدفاع وقياده وأركان للجيش ومثلها لكلّ جهاز وشعبة أمنية بما يُرضي غرور كلّ الطوائف والمذاهب.

كما أنّ عندنا في الوطن طوائف جغرافية مختصة أو تختص بنفسها بالدفاع عن جهات الوطن أو عن حدوده . وربما منذ ما قبل قليل من الآن بدأنا نشعر بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن وبدأنا نلمس أنّ هناك تعريفات موحّدة للعاصمة والحدود لا زالت قاصرة أن تكون كذلك للوطن والمواطن والمواطنية.

وعندنا في الوطن أشخاص يتّصفون بالقيادة يعملون في مكاتب الأمم المتحدة والسفارات يعملون أو يشتغلون في مجال توجيهنا وإرشادنا أو قيادة المؤسسات المهتمة بالأشقاء من المهجرين السوريين أو مكاتب الأونروا أو غيرها من المكاتب المسؤولة عن غوث وتشغيل اللاجئين.

عندنا في لبنان قائد لكشاف لبنان ومجلس قيادة، وكذلك عندنا مثلهم على مساحة كلّ الطوائف.

وعندنا في لبنان قادة للأحزاب والمؤسسات الحزبية وفق هيكلياتها التنظيمية من مكاتب سياسية الى هيئات تنفيذية ومجالس للعمد وكلّ طائفة ومذهب وفئة وجهة لديها مجلس حربي وعيون أمنية ومكاتب مركزية لكلّ شيء.

عندنا في لبنان والحمدالله رؤساء وقيادات وجنرالات و… ما يزيد عن حاجة وطن واحد، ونحن ليس عندنا عناصر؟ كلنا نحبّ الكبيرة على خازوق ونستمتع بتدليلنا أو التدليل علينا.

أليست تلك ثقافة موروثة؟ بماذا تلزم في هذا الوطن المأزوم والمحكوم الى مديونية عالية حتى على مستقبل أولادنا.

أنا أستقيل من جميع ألقابي إلا لقبي كمواطن وخادم في المؤسستين البرلمانية والثقافية اللتين أنتمي إليهما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى