الحريري أعلن لائحته بلا ضغط سعودي

روزانا رمّال

كشف مصدر سياسي رفيع المستوى لـ «البناء» وبعد إعلان الحريري عن أسماء مرشحي تيار المستقبل أمس في حفل «سي سايد» – البيال سابقاً، أن الأخير اختار أسماء المرشحين للانتخابات النيابية عن تيار المستقبل بعيداً عن أي ضغط سعودي، على الرغم من الظروف الدقيقة في المنطقة التي ترى فيها السعودية محطّة أساسية لدعم حضورها في لبنان عبر حضور حلفائها بالأخص المستقبل. وكشف المصدر أن الحريري لقي أفضل معاملة في السعودية، ويمكن الحديث عن ردّ اعتبار نابع من يقين سعودي خلفيته أميركية أن الحريري هو الرجل الأنسب في لبنان بهذه المرحلة. والأحداث الأخيرة كشفت عن شعبية لا يتمتّع بها أي مسؤول «سني» بالإضافة إلى أن الأمير محمد بن سلمان أيقن أن العلاقة مع لبنان لن تكون بدون الحريري في عهد الرئيس ميشال عون الذي صار بالنسبة للأميركيين كحليف لحزب الله أمراً واقعاً، لكنه أسس لإمكانية اعتبار انه لن يكون المرشح الرئاسي الأخير لحزب الله.

وختم المصدر «بالنظر للائحة الاسماء المطروحة وبمن تمّ استبعادهم فإن المرشحين الأكثر تطرفاً هم الذين استبعدوا عن المنافسة المقبلة وأغلبهم أسماء مدعومة سعودياً بقوة. وهو الأمر الذي لم تتوقف عنده المملكة بعد ان علم الحريري أثناء زيارته ان المملكة وراءه في تحالفاته الانتخابية بدون أي محاولة للضغط لا لجهة توحيد 14 آذار، وهذا ما لم يُطلب منه بعد أن اقتنعت المملكة بصوابية موقف الحريري بعد الأزمة بين البلدين التي كادت تطيح بالعلاقة مع لبنان الرسمي، ولا لجهة فرض مرشحين معينين على الحريري».

وبين هذا وذاك بدا الحريري مرتاحاً جداً للائحة التي أعلنها والتي شكلت في بعض الأسماء مفاجأة، لكنها لم تكن خارج المفاجآت الانتخابية ضمن اطار منافسة متوقعة وبعض الأسماء المتمسكة بحدة الصراع مع حزب الله، لكن الاهم من هذا تخصيص الحريري شقين اساسيين في اعتباراته: الأول ايلاء اهمية لترشيح المرأة عبر 4 مرشحات وتخصيص الشباب أيضاً بذلك. وهما أمران يدلان على نَفَسٍ تغييري يريده الحريري في وقت بدا أن استبدال بعض أسماء المرشحين بأبنائهن كالوزير أحمد فتفت كإخراج مناسب لتصفية حسابات كثيرة أحاطت بالأزمة الاخيرة. يضاف اليها الوزير السابق اشرف ريفي والتباسات العلاقة معه شمالاً وهو صار منذ فترة بحكم الخصم الأول للتيار.

وفي كل الأحوال مؤشرات ذات أهمية كبرى يوليها استدراك المملكة للموقف وحساسية المشهد اللبناني وتقبّلها فكرة أن الهزيمة في لبنان هذه المرّة قد تكون مدوّية بعد أن تبين أن حزب الله الذي أوصل مرشحه للرئاسة قادر أن يتنصّل من فكرة التصويت للحريري وحلفائه لتسميته رئيساً مقبلاً للحكومة. وهو الأمر الذي يفقد الرياض إمكانية إيصال مرشح سني مناسب لرئاسة الوزراء، لأنّه من غير المتوقع على الإطلاق أن يستحوذ مجلس النواب على أكثرية نيابية مؤيّدة للمشروع السعودي وبذلك يصبح الحريري الفرصة الأخيرة لبقائها في لبنان كقوة نافذة.

لكن الاستدراك السعودي لم يكن وليد دراية أو إعادة قراءة الموازين، بل وراءه مواقف أوروبية واضحة بتأييدها للحريري رئيساً قادراً على إدارة العملية السياسية كحليف وصديق جيد للجميع. وكان لافتاً اهتمام الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون بملف الحريري الذي لا يزال موضوعاً تحت عهدته كوسيط تدخل من اجل الإفراج عنه بصفته رئيساً للحكومة اللبنانية يحمل الجنسية الفرنسية، ومن غير المسموح أن يشكّل اعتقال شخصية بصفة رئاسية سابقة تمرّ مروراً عادياً عند الأوروبيين وبهذا يصبح الحريري محاطاً بكل العناصر التي تجعل من المملكة غير قادرة بعد الآن ممارسة الضغط عليه من منطلق الضعيف الذي يحتاج إلى دعمها لإثبات الحضور في لبنان ولولا أن الانتخابات اقترب موعدها فإن الحريري كان قادراً على متابعة عمله الحكومي بشكل عادي حتى بظلّ هذه الأكثرية الملتبسة اليوم أما على المقلب الآخر فيمكن أن يُضاف إلى ذلك دعم روسي لإعادة ترؤس الحريري مجلس الوزراء وهي التي تعتبره أحد أوجه الاعتدال السني في لبنان والمنطقة.

يمكن الحديث جدياً عن انتصار أسباب واضحة، وهي تغيّر موازين القوى في سورية والدخول في انتخابات عام 2018 ينطلق من هذه البوابة. ولا يمكن تجاهل أن تغيير الأكثريات يفسّره التراجع الأميركي السعودي الشامل في الحضور والنفوذ في لبنان، وأن الفوز الكبير لن يكون ابتداء من اليوم مأمولاً، بل الحفاظ على نتيجة مرضية تحفظ وجود القوى الحليفة للولايات المتحدة الأميركية هو الهدف المنشود من دون أن تطلّع القوى الى تحقيق أكثريات لم يعُد ممكناً تحقيقها. فكيف بالحال وأن القانون الذي ستُجرى عليه الانتخابات هو قانون جديد بكل المقاييس، بحيث لا يمكن توقع النتائج بشكلها النهائي، كما جرت العادة. مع العلم أن استشراف مجمل حاصل العملية الانتخابية ممكن إذا لم تحصل مفاجآت في الساعات الأخيرة.

لقد أحسن الحريري استبعاد من أساؤوا إليه في أزمته وأثبت بترشيحاته أن المملكة لم تضغط عليه لا في توحيد 14 آذار ولا في فرض مَن خانوه مجدداً وأن مكانته اليوم مختلفة كثيراً عندها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى