بانوراما الأحداث والمسارات الممكنة؟

زهير فياض

هل نحن أمام متغيّرات ذات طابع استراتيجي؟ كيف نقرأ تطوّرات الأحداث الأخيرة؟ هل هناك مؤشرات جدية لتحوّلات ستترك بصماتها على المرحلة بكلّ ملامحها؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى مزيد من التمحيص والتعمّق في محاولات الإجابة، ولكنها ستفرض نفسها حتماً في تفاصيل الأحداث كلها ومجرياتها.

ثمّة صورة عامة باتت تتجه نحو الاكتمال لتؤشر فعلاً الى أنّ مساراً قد تمّ رسمه، وأنّ اتجاه الأحداث بات واضحاً وأنّ عقارب الزمن لن تعود إلى الوراء…

المشهدية تتجاوز حدود الكيانات السياسية القائمة في بلادنا، إذ إنّ تأثير الأحداث يتخطّى كلّ الحدود ويفرض نفسه في الواقع السياسي الأمني الاستراتيجي للأمة بأسرها.

من لبنان، حيث بات المشهد الانتخابي قاب قوسين من الاكتمال، إنْ كان على مستوى الترشيحات أو على مستوى التحالفات، حيث يتخذ الاستحقاق أبعاداً داخلية بطبيعة الحال – تتصل بطبيعة النظام الطائفي وتوازناته وخصائصه، كما يتخذ أبعاداً قومية متصلة بموضوعة المقاومة ومواجهة المشاريع الأجنبية وتقاطعاتها مع المسألة الفلسطينية وأصل الصراع في المنطقة.

ففي الموضوع الداخلي اللبناني، يتأكد أكثر فأكثر عمق الأزمة البنيوية لطبيعة النظام السياسي القائم وعدم قدرته على مواكبة مقتضيات بناء الدولة الحقيقية التي يطمح للوصول إليها كلّ مواطن لبناني يؤمن بالمواطنة وبمرجعية الدولة الحقة الحاضنة أبناءها، وبخيارات الدولة في النهج المقاوم الخطر الإسرائيلي وكلّ المحاولات الأجنبية لإجهاض عناصر القوة فيه، من خلال تسطيح وتجويف وتسخيف وتشويه موضوعة المقاومة من خلال محاولات إضعافها، كمدخل للإبقاء على حالة الضعف والهوان التي كانت سمة للمراحل الماضية من تاريخ الكيان في ظلّ شعارات جوفاء كشعار «قوة لبنان في ضعفه»، وغيرها من الشعارات البالية التي كانت سبباً في جزء كبير من مآسي الحاضر الذي نعيشه.

فالاستحقاق الانتخابي المقبل وإنْ كان لا يحمل آمالاً كبيرة على مستوى تغيير عميق للبنى السياسية القائمة، ولكنه من المفترض أن يشكّل منصة انطلاق باتجاه تطويرها في الاتجاه المدني المواطني السليم، وباتجاه تحويل لبنان نموذجاً سياسياً رائداً في مفاهيم المواطنة والانتماء والشفافية والمقاومة. نموذج يصحّ تعميمه على المحيط القومي في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، حيث تزدحم المؤامرات والمخططات والسيناريوات المخيفة التي سقط بعضها، ويُطلّ بعضها الآخر بأشكال جديدة وأساليب أكثر دهاءً في محاولات لخلط الأوراق بما يخدم استمرار حالة الفوضى والضياع التي عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة.

إلى الشام، حيث انطلقت معركة استعادة «الغوطة الشرقية» وفك الطوق والحصار عن دمشق بما ترمز إليه هذه العملية في أبعادها الاستراتيجية باتجاه حماية الدولة السورية وعاصمتها كمؤشر على صمود «المحور المقاوم» في وجه كلّ العواصف التي ضربت المنطقة والأمة من كلّ حدب وصوب. فالعملية تدلّ – وبما لا يقبل الشك المحور المقاوم بمكوّناته وأطرافه كلّها يحقق إنجازات ذات طابع استراتيجي ستعكس نفسها على مجريات الأحداث ومساراتها كلّها في المدى الزمني القصير والمتوسط والبعيد، وبما يخدم خيارات الأمة ومسارات الأمم الرافضة منطق الهيمنة والإخضاع إقليمياً وعالمياً.

كما أنّ ما تشهده الساحة العراقية يدلّ على عمق المأزق وعلى احتماليّاته المختلفة في ظلّ صراع التيارات السياسية والفكريّة حول مستقبل العراق وبنية الدولة فيه، مع تأكيد أهمية الانتصار على الإرهاب في العام المنصرم، والذي شكّل تحوّلاً مهماً على مسارات المعركة في بعدها القومي الأشمل.

باختصار، ثمّة مسارات تتمّ صياغتها اليوم في الميدان، في السياسة، في الثقافة، في الاقتصاد، في المقاومة ستكون عنواناً أساسياً من عناوين المرحلة المقبلة…

عميد الثقافة والفنون الجميلة

في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى