آخر عقلاء البيت الأبيض «مطرود»

روزانا رمّال

استخدمت قناة «سي ان ان» عبارة «طرد «بوصفها الحدث الذي ضجت به أروقة السياسة الأميركية والدولية والذي تمثل بإقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون بشكل مفاجئ، على الرغم من أن الإشكال بين الطرفين بدأ يستعر منذ شهور، خصوصاً في ما يتعلق بمواقف استراتيجية يرى فيها تيلرسون رؤية مغايرة عن تلك التي ينتهجها البيت الابيض وفي أكثر من مرة صدرت تصريحات متناقضة عن الوزير الأميركي منه الى رئيسه، وآخره تصريح جاء من الاردن بما يعني قضايا المنطقة حول حزب الله بقوله إن الحزب هو جزء من السياسة اللبنانية ونسيج منها. وهو تصريح تطلب تصحيحه السريع في اليوم التالي. وفي الأحوال كافة، وبغض النظر عن الخلافات فإن ترامب أراد إيصال رسالة الاستغناء عن خدمات تيلرسون بهذه الطريقة المهينة عبر تغريدة على تويتر بعيدة كل البعد عن البروتوكول المعمول به، يضاف الى انه لم يتحدث الى تيلرسون او يطلعه على أسباب الإقالة وإخراجها أمام الأميركيين. مع العلم أنه كان قد اطلع رئيس الاستخبارات المعين مكان تيلرسون، وهو مايك بومبيو، على رغبته بتعيينه. وقد تمّ ترتيب شؤون جهاز الاستخبارات وتعيين أول سيدة أميركية في التاريخ على رأس الجهاز وهي جينا هاسبيل.

صلاحيات الرئيس الأميركي غير المحدودة تخوّله إقالة وزراء إدارته من دون أن يشكل ذلك اهتزازاً حقيقياً في السلطة، نظراً لممارسته ذلك ضمن إطار الحزب الحاكم، لكن في الواقع لا يعرف تيلرسون حتى الساعة لماذا تم «طرده». ويؤكد مصدر صحافي أميركي «أن البيت الأبيض أراد أن يهزأ بتيلرسون عن سابق تصوّر وتصميم امام الرأي العام الأميركي. وهذا ما يفسر طريقة إقالته غير اللائقة على تويتر»، على خلفية توترات بين الطرفين، كان قد نفى تيلرسون في وقت سابق أن يكون قد وصف الرئيس الأميركي بـ «الغبي». وربما يكون ذلك احد اسباب الطرد، لكن اذا صحّ هذا التسريب وهو قد يؤشر على وجود خلاف بينهما، وإلا لماذا يصف تيلرسون الرئيس بهذا الوصف لو كانت العلاقة سليمة.

من جهة أخرى، يبدو أن عقلية ترامب السلطوية هي أكثر ما يفسر اختياره بومبيو، عدا عن الخطوة الأمنية الاستخبارية الهادفة كشراكة بين الطرفين ترامب بومبيو . فتعيين بومبيو وزيراً للخارجية يُترجم نزعة وميل ترامب لعدم تحمّل أصحاب المال والسلطة والشخصيات النافذة مثل ريكس تيلرسون القادم من خلفية شركات نفطية كبرى، بينما يمكن بناء شراكة بينه وبين موظف الاستخبارات الأميركية على أسس سليمة. فطريقة مخاطبة بومبيو ستكون مختلفة بكل الأحوال كموظف مرؤوس دائماً. وهذا جزء أساسي من العلاقة الشخصية التي ساءت بين تيلرسون وترامب في الأشهر الأخيرة بسبب عدم تناغم سلوكهما وتلاقي الأفكار وانعدام «الكيمياء» تحديداً في ما يعني السياسة الخارجية، وما يتعلّق بإيران على وجه الخصوص.

وزير الخارجية السابق كان له رأي مغاير عن ترامب، إذ كان يُصرّ على الإبقاء على الاتفاق النووي، مع ضرورة متابعة احترام طهران للاتفاقية، وكذلك بقاء بعض العقوبات عليها، أما ترامب فقد وعد بإلغاء الاتفاق منذ حملته الانتخابية إضافة الى خلافات تتعلّق بالمفاوضات المقبلة مع كوريا الشمالية، بعد أن وصف ترامب مساعي وزير خارجيته بتضييع الوقت في المساعي الدبلوماسية مع بيونغ يانغ في الوقت الذي كان يهدّد ترامب فيه بتطوّر عسكري في شبه الجزيرة الكورية.

أما بالنسبة للوزير الجديد مايك بومبيو، فموقفه أكثر تشدّداً في ما يتعلّق بإيران وكوريا الشمالية، فقد وصف إيران سابقاً بأنها «أكبر داعم للإرهاب في العالم» وبـ»أن واشنطن لا يجب أن تقدم أي تنازلات لبيونغ يانغ خلال لقاء الرئيس دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأن كوريا الشمالية يجب أن تتحاور بشأن نزع سلاحها النووي».

يقول مصدر متابع للشؤون الأميركية لـ «البناء» إن «التجربة بين البيت الأبيض وبومبيو قديمة» وإن الأخير «كان صقر لجنة التحقيقات في الكونغرس في قضية السفارة الأميركية في بنغازي وحادثة مقتل السفير الأميركي هناك. وتحديد مسوؤلية هيلاري كلينتون عن تسليم أسلحة كيميائية للجماعات الإرهابية في سورية».

علاقة ثقة كبيرة بين الرجلين وشراكة نمت في غضون الأشهر الماضية. هذا ما صار مؤكداً، لكن الرأي العام الأميركي بدأ وخلال ساعات بالتعليق على الوضع الخطير، وبين المعلقين الكاتب الأميركي توماس فريدمان الذي قال تعليقاً على ما جرى ساخراً «ريكس تيلرسون كان أسوأ وزير دولة على الإطلاق – وأنا حقاً سأفتقده في بيت ترامب المجنون»، في إشارة الى البيت الابيض. ويتابع «لقد كان صوتاً للعقلانية في القضايا الكبرى مثل التجارة وروسيا».

وبعد ساعات من طرده، كما تصف «سي ان ان» الحدث، يقول تيلرسون لمصادر الشبكة «إن أكثر ما يهتم به اليوم هو انتقال سلس للوزارة وتسليمها لخلفه».

وبالعودة لصلاحيات الرئيس الأميركي بدا المشهد أكثر سوريالية بعد أن صارت مسألة الطرد شبيهة بما تمارسه سلطات عربية حاكمة. فممارسات ترامب تبعد كل البعد عن احترامه مهابة الموقف والقرار واختيار مَن يمثلون واشنطن في عواصم العالم. و«شبه حملة» طرد ترامب لوزير الخارجية وموظفين خمسة آخرين وما يروج لتسعة ينتظرون دورهم، يشير الى عقلية لم ينسَها اللبنانيون والعرب من حملة اعتقالات الأمراء في السعودية. ولا خلاف اليوم على انسجام خليجي أميركي على هذه العقلية الإقصائية في عهد ترامب.

وفي نهاية «التراجيديا» غادر تيلرسون وشكر الأميركيين ومَن عملوا معه، من دون أن يذكر أو يشكر الرئيس الذي عيّنه دونالد ترامب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى