تصعيد روسي أميركي في سورية… وتهدئة في الانتخابات الرئاسية وكوريا وجاسوس لندن الإفراج عن عيتاني واتهام الحاج بالفبركة… واللبنانيون ينتظرون سماع أجوبة مقنعة لأسئلتهم

كتب المحرّر السياسي

فعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدّداً وأطاح المزيد من الرؤوس في فريقه. والضحية هذه المرّة وزير خارجيته ريكس تيلرسون ومعاونيه في وزارة الخارجية، ليكون تيلرسون رقماً جديداً بين أصدقاء ترامب الشخصيّين الذين يخرجون بإذلال من فريقه، مع روايات متعدّدة للأسباب بين طلب سعودي إماراتي لاتهام تيلرسون بالوقوف مع قطر في النزاع الخليجي، وقراءة للتصعيد في سورية يفتح باب المواجهة بين موسكو وواشنطن، خصوصاً مع المجيء برئيس المخابرات مايك بومبيو وزيراً للخارجية. وهو الآتي من رئاسة المخابرات وقبلها من لجنة الاستخبارات في الكونغرس، وصاحب المواقف المتشدّدة تجاه روسيا وإيران، بينما تتحدّث وسائل الإعلام الأميركية عن انفراجات روسية أميركية في ملفات لا تقلّ أهمية عن الصراع في سورية، ويتقدّمها ملف التفاوض الأميركي مع كوريا الشمالية الذي يشكل الملف الأول للرئيس الأميركي، والذي لعبت فيه روسيا دوراً مهماً، كما كان بومبيو صاحب الدور الأبرز في فريق ترامب الذي مهّد لبلوغ هذه المرحلة، كما كان خروج لجنة الاستخبارات في الكونغرس التي لا يزال لبومبيو يد في صياغة قراراتها بنفي أيّ تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتمتدّ ملفات التهدئة الأميركية مع روسيا لتطال ملف الاتهام البريطاني لموسكو بتصفية العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال، وتنأى واشنطن عن مشاركة لندن الحملة على روسيا، وكان اللافت أنّ تيلرسون هو المسؤول الأميركي الوحيد الذي شارك بريطانيا اتهامها لروسيا، وهو ما وصفه الكرملين بالمحاولة السخيفة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الروسية، لتكون الحصيلة اهتزازاً في صورة الإدارة داخلياً وخارجياً، توقعت مصادر دبلوماسية متابعة لعمل الإدارات الأميركية أن يؤثر على صناعة القرار لأسابيع ضرورية تسبق تمكّن الوزير الجديد من إمساك ملفاته وتكوين فريقه، ما يجعل هذه المصادر تجزم باستحالة ربط التغيير بنيات أميركية لعمل عسكري في سورية في ظلّ تهديد روسي بالردّ بينما رأت هذه المصادر في التغييرات تسليماً عملياً لملفي السياسة الخارجية والأمن القومي للمخابرات ورجالها وسيداتها، الذين وصلت أبرزهن جينا هاسبيل لمنصب رئيسة المخابرات، وما يبدو تمهيداً لتسلمها منصب مستشار الأمن القومي الذي يشغله هربرت ماكماستر المرشح التالي لتيلرسون للمغادرة من فريق ترامب.

في سورية، واصل الجيش السوري عملياته في الغوطة بدعم ناري روسي، محققاً المزيد من التقدّم بدخول قرى جديدة في جنوب الغوطة، بعدما عزّز إحكام الطوق حول دوما وما تبقّى من حرستا، فيما كان اللافت البيان الرسمي للأركان الروسية الذي هدّد واشنطن بضرب منصات الصواريخ التي تستهدف أيّ مواقع في سورية أو تعرّض حياة الجنود الروس للخطر، وما تبعه من تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنيات موسكو بالردّ على أيّ عمل عسكري أميركي ووصفه الحديث عن خطر استخدام سلاح كيميائي بالتمهيد لفبركة ذريعة مكشوفة لتبرير التدخل العسكري.

لبنانياً، شكل الإفراج المتوقع عن الفنان زياد عيتاني وتوقيف المقدّم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش بتهمة فبركة ملف التعامل مع «إسرائيل» لعيتاني الحدث الأبرز، مع بقاء التريّث سيد الموقف في التحالفات الانتخابية وتشكيل اللوائح، بينما سلكت الموازنة طريقها إلى المجلس النيابي، وفيما بدا قرار القضاء بالإفراج عن عيتاني موضع ترحيب شعبي وسياسي وإعلامي، وموضوع تعاطف بوجه فبركة التهم التي صارت تهمة لضباط كبار في الأجهزة الأمنية، بقيت أسئلة كبرى ينتظر اللبنانيون جواباً مقنعاً عليها، أبرزها تفسير منطقي شفاف للأسباب الموجبة للفبركة، وتفسير موازٍ لكيفية تورّط جهاز أمني كبير هو جهاز أمن الدولة بالسير بتهم مفبركة لا يمكن لضابط واحد مهما علا شأنه أن يفرضها دون خضوعها للتدقيق، ومع ذلك كشف حقيقة اعترافات عيتاني ومدى صحة الكلام عن انتزاعها تحت التعذيب، كما صرّح عيتاني بعد الإفراج عنه. والأهمّ هو: هل هذه القضية الوحيدة التي تمّ توجيه اتهامات فيها بفبركة أدلة؟ وما هو حجم القضايا التي تشكل داتا الاتصالات العنصر الحاسم في الاتهام فيها؟ وهل ستتمّ مراجعتها مجدّداً؟ وهل تندرج بينها داتا الاتصالات الخاصة بالمحكمة الدولية التي سلّمتها أجهزة أمنية لبنانية للمحكمة وبُني عليها أغلب ما في الاتهامات، وبعدما كانت معادلة الأجهزة الأمنية تقول إنّ مستندات الداتا أدلة لا تقبل الشك ولا يمكن العبث والتلاعب بها، ها هي تقول إنها أدلة يسهل الطعن بها وتبرئة المتهم على أساسها، لأنها قابلة للعبث والتلاعب ويمكن فبركتها. وأخيراً ثمة من يجب أن يجيب اللبنانيين عن سؤال: إذا كان انتقام ضابط لسبب محض شخصي مع شخص يحمل اسم عيتاني قد سبّب له هذه المحنة باستغلال مقدرات أمنية استعملت سابقاً وجرى استعمالها في قضية عيتاني لفبركة أدلة وتوجيه اتهام، فمن يحمي من يختلف بشخصه الحقيقي مع مَن هم أهمّ من المقدّم الحاج، مما هو أعظم وعلى قضايا أشدّ أهمية؟

إخلاء سبيل عيتاني يطرح تساؤلات عدة

بين طغيان الملف الانتخابي على المشهد الداخلي وانطلاق الفصل الثاني من مسلسل إنجاز الموازنة مع توقيع رئيس الجمهورية مرسوم فتح عقد استثنائي للمجلس النيابي لمناقشة مشروع قانون موازنة 2018 والتصديق عليها، خطف ملف المسرحي المفرج عنه زياد عيتاني الأضواء بعد أن أماط القضاء اللبناني أمس، اللثام عن جزءٍ من الغموض الذي اعترى قضية شغلت الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية وكادت تأخذ البلاد الى اشتباك سياسي وصراع بين الأجهزة الأمنية لولا تدخل الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لاحتواء الموقف وسحب الملف من التداول الإعلامي ووضعه في إطاره القضائي والقانوني.

وبعد 4 أشهر على توقيفه، أصدر قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا قراراً قضى بإخلاء سبيل عيتاني، بعد أن خضع لتحقيق دقيق أجراه فرع المعلومات في مديرية قوى الأمن الداخلي. كما أصدر ابو غيدا مذكرة توقيف في حقّ المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج وتمّ استجوابها ومواجهتها مع المقرصن إيلي غبش، كما استمع لإفادة زوجة غبش حول أن الحاج عرضت عليها مبلغاً ضخماً مقابل تراجع زوجها عن اعترافاته. كما سمح مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس لزوج الحاج المحامي زياد حبيش بمقابلتها ثلاث مرات في الأسبوع. ونفت الحاج الاتهامات بحقها وأصرّت على أقوالها، ومن المتوقع أن يجري ابو غيدا مقابلة بين ضباط من فرع المعلومات وآخرين من أمن الدولة لتبيان حقيقة تضارب المعلومات والأدلة بين الجهازين.

أُخلي سبيل عيتاني، لكن جملة من الأسرار لا زالت مخفية في سجن المعنيين في هذا الملف، فلماذا تحرّكت هذه القضية تحديداً بسرعة درامية قبيل الانتخابات النيابية، علماً أن ملفات وقضايا عدة بقيت في أدراج القضاء لأعوام وعقود ولا يزال بعضها حتى اليوم؟

أما اللافت فهو الإحاطة السياسية لعائلة عيتاني التي تفضح الاستغلال الانتخابي للملف، حيث تحوّل منزل زياد عيتاني محجة سياسية وانتخابية ومنبراً لإطلاق المواقف والشعارات الانتخابية بهدف استمالة عائلة عيتاني لرفع الحاصل الانتخابي في بيروت التي عادة ما تسجل أدنى نسبة اقتراع في لبنان. وما يزيد الشكوك حول الاستغلال الانتخابي هو التصويب على جهاز أمني معين واتهامه بتعذيب عيتاني ومطالبة بعض السياسيين باستقالة المسؤول عن هذا الجهاز في إشارة الى مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا فيما المحققون في الجهاز أجروا التحقيقات مع المشتبه به عيتاني بناءً على معلومات وأدلة وعلى اعترافات عيتاني وبإشراف القضاء المختص؟

وإذا كان جهاز أمن الدولة قد أكد في أكثر من بيان أن تحقيقات الجهاز مع عيتاني تمّت تحت إشراف القضاء، فكيف أعلن عيتاني أن اعترافاته تمّت تحت التعذيب؟ فهل كان القضاء شاهداً على ممارسات تعذيب عيتاني ولم يحرّك ساكناً؟ وإذا كان الاتهام موجهاً الى المقدم الحاج بتركيب وفبركة أدلة لتوريط عيتاني، فهل ثمة مَن ركّب للحاج ملفاً لإدانتها؟ وهل ثمة من فبرك أدلة مزورة في قضايا سابقة وربما سيتكرر الأمر نفسه في قضايا مستقبلاً؟ ومَن يرد ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية وبالسلطة السياسية القيمة على الأجهزة؟ وإذا كان بعض المسؤولين في الدولة أنصف عيتاني لتعرّضه للظلم، بحسب تعبيرهم، ومطلوب في كل وقت إنصاف المظلومين، فلماذا لا ترد الدولة الاعتبار وتقدّم الاعتذار لقيادات أمنية وعسكرية تمّ اتهامهم زوراً وبأدلة مفبركة باغتيال الرئيس رفيق الحريري وقضوا 4 سنوات في السجن؟

وبحسب معلومات «البناء» فإن جهاز أمن الدولة يملك تسجيلات وصوراً وأدلة تؤكد ما أدلى به عيتاني من اعترافات عن تواصله مع عميلة الموساد «الإسرائيلي» «كوليت». والمرجّح، بحسب معلومات «البناء» أن «يلجأ جهاز أمن الدولة الى وضع هذه الأدلة في متناول الرأي العام، ما سيدحض اتهامات عيتاني للجهاز بتعذيبه لانتزاع اعترافات منه، حيث جرى التحقيق تحت إشراف القاضي جرمانوس.

وتؤكد مصادر متابعة للملف لـ»البناء» أن «النية الجرمية لدى عيتاني موجودة للتعامل مع إسرائيل بمعزل عن ملف المقدّم سوزان الحاج»، مضيفة أن «إخلاء سبيل عيتاني لا يعني براءته، فالملف لم ينته وقد تحصل تطورات جديدة في القضية ويجري استدعاؤه الى التحقيق»، غير أن السؤال الرئيس في القضية هو كيف يُلقى عبء الاتهام كله على المقدّم الحاج بتلفيق أدلة لتوريط عيتاني بالتعامل مع «اسرائيل»، في ما اعترف عيتاني، بحسب تحقيقات أمن الدولة، بأنه كان على تواصل مع عملية الموساد كوليت منذ العام 2014، وحينها لم يكن هناك أي خلاف شخصي بين عيتاني والحاج؟

وأشارت معلومات «البناء» إلى أن «توقيف عيتاني لم يتم بناءً على أي معلومات من جهاز أمني آخر، بل بناءً على معطيات ومعلومات توفرت لأمن الدولة الى جانب اعترافات عيتاني». وكان لافتاً أيضاً امتناع عيتاني عن الإجابة أكثر من مرة على سؤال حول تواصله مع العميلة «كوليت».

وأكد وكيل الدفاع عن الحاج الوزير السابق رشيد درباس أنه يعمل «من ضمن فريق مؤلف من خمسة محامين سيتولّون الدفاع عن الحاج»، مشيراً الى «الاستعانة بخبراء فنيين لدحض الأدلة التي ستعتمد ضد موكلته إذا اقتضت الحاجة».

وكان عيتاني فور تخلية سبيله توجه الى بيت الوسط والتقى الحريري الذي توجّه إليه بالقول: «بآخر المطاف، القضاء حقق العدالة، ولا شك في أن بعض الأخطاء ارتكبت، ولكن الدولة وأجهزتها قامت بواجباتها وكانت معلومات خاطئة قد وردت إليها، وهناك ظلم تعرّضت له، والحمدلله وصلنا إلى هنا».

عقد استثنائي وجلسات للجان لدرس الموازنة

على صعيد آخر، وقّع الرئيس ميشال عون أمس، مرسوم دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي يبدأ في 13/3/2018 ويختتم في 19/3/2018 ضمناً. وحددت المادة الثانية منه برنامج أعمال العقد بما يلي: مشروع الموازنة العامة للعام 2018 والموازنات الملحقة. مشاريع القوانين المحالة الى مجلس النواب والتي ستحال اليه، سائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس. ووقع المرسوم الى الرئيس عون، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

وأكد عون في تغريدة «أنه مع إنجاز الموازنة بضبط الايرادات والإنفاق والبدء بتخفيض العجز، تحققت اهم عملية لإدارة المال في الدولة». بينما أشار بري الى أن العقد الاستثنائي «لزوم ما لا يلزم»، باعتبار أن العقد المجلسي العادي يبدأ في 20 الحالي.

وبقيت أرقام الموازنة محل متابعة وتدقيق، حيث أشار خبراء ماليون لـ «البناء» إلى أن «الموازنة أُنجزت بشكل سريع ومتسرّع بناءً لطلب المجتمع الدولي والقيّمين على مؤتمرات الدعم الدولي للبنان وجاءت الموازنة بشكلها الحالي كمخرج لتلبية هذه الرغبة الدولية». وشكك الخبراء في «دقة الأرقام ونهائيتها وبإمكانية الحكومة الالتزام بها لا سيما النفقات الى جانب الإيرادات التي أعلن وزير المال علي حسن خليل أنه لم تتم الموافقة النهائية على أرقامها».

وأشاروا الى كلام خليل حول إمكان الدولة بناء أبنية لصالح الدولة، بما يعادل قيمة إيجار لمدة خمس سنوات. وتساءلوا: «لماذا تخلّفت الحكومات المتعاقبة عن بناء هذه الأبنية منذ عشرين عاماً، وما يحقق ذلك من وفر كبير للخزينة؟». ولفت الخبراء الى «زيادة حجم الدين الى 5 مليارات دولار كل عام على أن يرتفع هذا العام الى 7 مليارات، الأمر الذي يزيد خدمة الدين».

وعن الهندسة المالية التي ينوي مصرف لبنان إجراءها، أوضحت أن «المصرف سيقوم بعملية استبدال ديون بفائدة عالية بديون بفائدة أقل لتخفيض خدمة الدين العام، وذلك من خلال شراء سندات خزينة بقيمة 5 مليارات دولار»، لكنهم حذروا من «أن ذلك سيرفع الدين بالعملات الأجنبية». وشدّدوا على «ضرورة صرف القروض الدولية بمجالات استثمار مفيدة للاقتصاد اللبناني، وألا تكون نتيجتها رفع حجم الدين فقط».

وأعلن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان عن عقد جلسات صباحية ومسائية لدراسته، متمنياً على «الزملاء النواب المرشحين وغير المرشحين ان يتعاملوا مع ملف الموازنة كمصلحة وطنية عليا تتخطّى الانتخابات، لأن من الضروري ان نعكف على دراسة الموازنة وإقرارها، وان نستكمل عملنا».

وتوقعت مصادر نيابية لـ «البناء» أن تسلك الموازنة طريقها بسلاسة نحو الإقرار في المجلس النيابي لوجود اتفاق سياسي بين الرؤساء الثلاثة لإنجاز الموازنة قبل انطلاق المؤتمرات الدولية وقبل نهاية ولاية المجلس الحالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى