إقالة تيلرسون والقطبة المخفية

ناصر قنديل

– تتوزّع التحليلات المتداولة حول الأسباب الحقيقية للإقالة التي تبلّغها وزير خارجية أميركا ريكس تيلرسون رسمياً عبر تغريدة لرئيسه على «تويتر»، بين نظرية تسود التعليقات الخليجية ومضمونها أنّ الإقالة استجابة لطلب إماراتي، نقل رغبة سعودية إماراتية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لأنّ تيلرسون يقف مع قطر في الأزمة الخليجية، ونظرية أخرى تسود التحليلات في مواقع متعدّدة ترى الإقالة تمهيداً لمزيد من التصعيد بوجه روسيا وإيران سواء في سورية أو تجاه الملف النووي الإيراني أو في العلاقات الروسية الأميركية والملفات الخلافية التي تتصدّر هذه العلاقة المتوترة على أكثر من صعيد، خصوصاً أنّ إقالة تيلرسون جلبت رئيس المخابرات الأميركية مايك بومبيو المعروف بتصلبه في ملفات العلاقات الروسية الأميركية والملف النووي الإيراني.

– في الصحافة الأميركية وشبكات التلفزة الأميركية تفسيران مغايران، تتوزّع بينهما التحليلات، الأول يجزم أنّ ترامب الذي لم ينسجم مع تيلرسون وكبر الشقاق بينهما مع الأداء المستقلّ لترامب عن وزيره، وإقامته لجزيرة خاصة خارج نطاق سيطرة الوزير في وزارة الخارجية تمثلها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي كانت اسماً متداولاً لخلافة تيلرسون، وأنّ الإقالة كانت ستتمّ عاجلاً أم آجلاً، لكن تيلرسون فرض تسريعها بتصريح انضمّ فيه إلى الاتهامات البريطانية لروسيا باغتيال الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال في لندن، في وقت كان ترامب يريد موقفاً محايداً ومتحفّظاً، لأنه منهمك بتهدئة ملف الاتهام بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، ولا يريد التورّط في حرب إعلامية مع موسكو حول اتهامات ذات طابع استخباري، وتحليلات أخرى تربط اختيار بومبيو بالانسجام الشخصي الذي يربطه بترامب متوقعة أن يلحق هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي بتيلرسون، للاعتبار نفسه بعدم الانسجام مع الطباع المتقلبة لترامب وأن تكون جينا هاسبيل التي خلفت بومبيو في رئاسة المخابرات مرشّحة ترامب اللاحقة لمنصب مستشار الأمن القومي. وترى هذه التحليلات أنّ السبب السياسي الذي جعل التغيير لا بدّ منه هو التقدّم الحاصل في التفاوض مع كوريا الشمالية، ودور كلّ من المخابرات الكورية الجنوبية والمخابرات الصينية والمخابرات الروسية في هذه المفاوضات الطويلة التي ستديرها الخارجية الأميركية بعد القمة المرتقبة بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، وبالتالي فإنّ ملفاً سيشكل الملف الأول للرئيس الأميركي بهذه الحساسية يحتاج وزيراً للخارجية بخلفية أمنية، قريباً من الرئيس وقادراً على التفاهم معه والانسجام مع طباعه.

– تصريح تيلرسون الذي يتضامن مع لندن باتهام موسكو والتصعيد بوجهها صدر عنه فعلاً، والتفاوض مع كوريا الشمالية مصدر الاهتمام الأول في البيت الأبيض حتى تاريخ القمة مع جونغ أون، أمر أكيد أيضاً، ونتائج تحقيقات لجنة الاستخبارات في الكونغرس تنفي اتهام روسيا بالتلاعب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وتمهّد الطريق لإزالة لغم كبير من طريق ترامب لا يحتاج للعرقلة بلغم استخباري جديد من عيار ما تريده لندن أما المحتفلون باعتبار رحيل تيلرسون إنجازاً لهم سواء كانوا دعاة حسم الصراع مع قطر في الخليج أو دعاة الحرب في سورية، فينسون كلام ترامب نفسه لأمير قطر قبل أسابيع قليلة عن دعمه للمسعى القطري لإعادة لمّ شمل مجلس التعاون الخليجي، كما ينسون أنّ تيلرسون فوجئ بضرب مطار الشعيرات، وخرج يبرّر الضربة، وسيفعل مجدّداً الشيء ذاته لو كان بمقدور ترامب المجازفة مجدّداً، وما يمنع ترامب ليس وجود تيلرسون، وما يسهّل المهمة ليس مجيء بومبيو، بل ما قاله ذات يوم رئيس الأركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي من أن التورّط العسكري في سورية يستدعي قراراً مسبقاً بحشد نصف مليون جندي ومئات الطائرات، ورصد تريليون دولار لكلّ سنة لمدة عشرين عاماً، من دون توقع نصر حاسم.

– كوريا الشمالية التي تشكل قضية ترامب الأولى وإنجازه الموعود بإنهاء ملفها النووي العسكري، وحدها تفسّر المجيء ببومبيو المسؤول عن المخابرات الأميركية وقبلها عن لجنة الاستخبارات في الكونغرس، والذي تربطه علاقة صداقة شخصية بكلّ من مستشار الأمن القومي في كوريا الجنوبية تشونغ يوي يونغ ورئيس المخابرات سوه هون، عرّابَيْ التفاوض مع كوريا الشمالية ومع المخابرات الصينية والروسية حول الملف النووي الكوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى