مبالغات

بلال شرارة

ليس غريباً علينا نحن العرب أن نتقبّل انتخاب الرئيس الصيني شي جينبينغ رئيساً مدى الحياة وزعيماً مطلقاً وامبراطوراً للصين، وليس غريباً علينا تجديد انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين في 18 آذار الحالي رئيساً للمرة الرابعة لروسيا ليس غريباً ذلك علينا، ليس بسبب اقتناعنا نحن العرب بالتاريخ الحافل للزعيمين، الأمر الذي يؤهّل كلاً منهما لأن يحكم بلاده برضى شعبه مدى الحياة، بل من حيث الشكل نحن نذهب إلى توارث النظام السياسي أو نعتبر الانتخابات عملية وليست نهج حياة، ولم يكن عندنا ولن تتشكل عندنا يوماً معارضة للذين يقفون على رأس مختلف أنماط السلطات العربية، ولو حدث وتجرّأ أحد على ترشيح نفسه مقابل الزعامة المطلقة لشعبنا لاختفت آثاره وجرى تجريمه وإلصاق عشرات التهم السياسية والمسلكية بشخصه.

عندنا التبديلات تحدث وكانت تحدث من فوق. وكانت الانقلابات تجري على قدم وساق، ولم تحدث فرقاً بين نظام الإمامة والنظام الرئاسي اليمني مثلاً بقيادة علي عبدالله صالح طيلة أربعة عقود تقريباً. وكذلك بين القيادة السنوسية لليبيا وزعامة القذافي الدموية الذي حاول أن يرسي زعامة سياسية دينية عبر كتابه الأخضر. وهو الأمر الذي يسحب نفسه على نظام صدام البائد في العراق الذي وصل حدّ ضرب معارضيه بالأسلحة الكيماوية.

غداً سوف لا يحدث فرق في السودان، فمن تراه سيستطيع أن يزعزع نظام البشير؟ وفي أواخر الشهر الحالي ستعود مصر الى تجديد انتخاب الرئيس السيسي لدورة ثانية قبل تكريسه زعيماً مدى الحياة، باعتبار أنّ ثورة يونيو المليونية الشعبية هي التي حملته الى الرئاسة.

وغداً في انتخابات لبنان التشريعية سوف لا يتغيّر شيء من تحت من القاعدة، فقط ما قام بإحداثه من تغيير رؤساء الكتل بتبديلهم بعض أشخاص كتلهم، وربما سيحمل إلينا المجلس الجديد أسماء كثيرة جديدة إضافة إلى عدد من النسوة.

-2-

في لبنان سيبقى الأمر مختصراً على قادة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة… هم سلطة القرار… وعم يأتلفون أو يختلفون أمام أو في غفلة عن الجمهور.

غداً الدم المترافق مع الخراب الكثير في سورية وليبيا سوف لا يؤدّي الى التغيير بالقوة أو منع التغيير بالقوة، بل إلى مساومة تعيد إنتاج النظام ديموقراطياً ! وسوف يلحظ الدستور ذلك. وهذا الأمر سيسحب نفسه على الجزائر، إذ إنّ الجيش هناك له امتداداته السياسية حزب جبهة التحرير وسوف يفرض شخصاً بالإجماع، وفي المغرب والأردن سوف يبقى الملك ملكاً هنا وهناك يملك ويحكم ويتركان الأمور تحتهما تموج وتهوج، ثم أنهما يسيطران بـ «الروموت كونترول» الجيش والأجهزة على حركة الشارع.

طبعاً في الخليج ونحن لا نريد أن نتدخل في شؤون الأقرباء – رغم تدخلهم السياسي في جميع شوؤننا ـ فإنّ العالم سوف يبقى يصدّر السلاح الى أنماط سلطات الخليج المتحالفة في حرب اليمن وفي المعركة الرئيسية ضدّ إيران حتى استنزاف آخر قرش. والمشكلة مع قطر ستبقى مدار أخذ ورد، وستبقى سلطنة عُمان على جَنَب تتدخل سياسياً في القضايا الخليجية والعربية والإقليمية لصالح بناء تفاهمات، وسوف تبقى الكويت رجلاً في البور ورجلاً في الفلاحة لعلّ أمير البلاد وأمير الدبلوماسية العربية يتمكّن من إخراج رأس لاعب السيرك المتمثل بالنظام العربي من فم الأسد قبل أن يطبق عليه، وفي وقت تعتقد السعودية المملكة القابضة أنها ستفتح الطرق أمام سياساتها الداخلية والخارجية بالمال وسوف يبقى الجميع يقف على خاطرها طالما تتوهّج بالثروة.

هل تراني نسيت أحداً غير تونس التي تخوض نقاشاً ديموقرطياً لن ينتهي… والصومال حيث الحرب والموت هناك سيستمران هذا العام أيضاً.

-3-

أنا نظراً لثرثرتي سوف لا يبقى لي صاحب ليس في لبنان فحسب بل في المحيط العربي، ولكن لساني الطويل سوف لا يمنعني من الذهاب إلى دمشق أو بغداد أو القاهرة. فهناك سيأخذني كلّ نظام على قدر عقلي وسوف يتسامح معي، وأنا سأقبل بأن أنزوي في منفى الوادي سنوات جديدة بانتظار إعلان التفليسة وطنياً وذهاب كلّ واحد منا في حال سبيله كأخوة أعداء والاحتكام إلى مشروعه الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي.

جلّ ما أريده هذا الصيف عندنا وعلى مرمى عيوني، أن تتدفق المياه في شبكة مياه المصلحة دون أن تضع اتحادات البلديات يدها على خريرها كما على نبض الكهرباء وأشياء أخرى خاصة.

ترى لماذا نتطاول على النظام هنا وهناك، ونحن متشبّعون بالفرقة وندّعي التوافق والتفاهم، ونحتكم الى حوار الطرشان ولا أحد منا يريد الاشتباك مع الآخر، إذ إنّ الناس لن تذهب معه الى الحرب.

أستطيع أن أعتقد أنّ الفيدراليات والكونفدراليات العربية من المحيط إلى الخليج سوف تنتشر وتتكرّس وسوف تكون مقلمة الأظافر ومحفوفة الأسنان، فلا تعضّ ولا تخرمش وسوف لا تكون مجردة من القوة، فحسب بل من المال أيضاً.

هل تراني أبالغ في حساب العواقب؟ أحب أن لا يحدث كلّ ذلك، وأن أكون متوهّماً وأن يكون خيالي أوسع من حقائق أخرى لا أبصرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى