الأسد يعلن انتصاره في الغوطة وأردوغان من عفرين، ماذا بعد؟

روزانا رمّال

صار حضور الأسد بعد كل معركة استراتيجية الى أرض الميدان مؤشراً على اقتراب نهايتها لصالح جيشه، وصار معها الحساب أقرب إلى اختزال مناطق الصراع، وما تبقى منها لتُحسن القوى المتحاربة احتساب ما بقي من مناطق واقعة تحت سيطرة «الدولة» وسيطرتها. هكذا يقول حضوره في الغوطة الشرقية، وهكذا يطوي صفحات قاسية مرّت على تلك الأرض ليس مهماً كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ فبعد سفك الدماء يصبح الأهم أن تنتهي الحرب.

قاد الأسد سيارته بنفسه وتوجّه نحو مكان الانتصار المنتظر. فالغوطة الشرقية باستراتيجيتها كانت تضعُ دمشق تحت لهب النار في كل مرّة تقرّر فيها الجماعات المسلحة الردّ، بسبب الضغط الذي تتعرّض له على الجبهات كافة. فكانت دمشق ضحية انتقامات هزائم حمص وحلب والقصير وغيرها، وصارت هذه الصواريخ أكثر إيلاماً من السيطرة على أحياء المدينة بعد أن استطاعت تكبيل بعض شوارعها في ساعات معينة من النهار. الأمان الذي أراد مشاركته مع الناس يشرح ثقته بالجيش السوري على الرغم من أن كامل الغوطة لم تستعَد لكنها على مقربة من ذلك. بلا شك ينظر الغرب الى الأسد اليوم كشخصية فريدة وإلى شجاعته في المسارعة لدخول ميدان بحجم هذا الخطر بشيء من الدهشة، لكن في هذا رسالة لهم بأن كل ما جنّدوه لقتاله ومنعه صار سراباً. وها هو يقتحم أكثر مواقع القتال إثارة للجدل. فالغوطة الشرقية واستعادتها كلّفت تهديداً من العيار الثقيل، جاء على لسان مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي بالتحضير لقصف سورية بعد سقوط الغوطة لتتوالى بعدها سللسة تهديدات أميركية مشابهة، ما يعني ان هذا الانجاز كان مؤلما جدا .

وإذا كان للأدوار أن تتكشّف دعماً وتنسيقاً، فإن ما جرى في عفرين يؤكد أن ما دعمت به المعارضة المسلحة كان حياكة تركية محبوكة بأصابع «العدالة والتنمية»، وعفرين اليوم بيد رجب طيب أردوغان الذي خاض معارك قاسية بوجه الأكراد الذين لم يستسلموا بعد فشل مشروع دولة كردستان وأرادوا متابعة الملف من الشمال السوري أو القضية «الحلم». وإذ بأردوغان كما أسقط مع إيران الحلم الكردي في كردستان العراق يُسقطه مرة جديدة. لكن اللافت أن في الحالتين أولئك الذين يقفون وراء حلم الدولة الكردية هم الذين دعموها في العراق «كردستان» وفي شمال سورية، أي الولايات المتحدة الأميركية. وهي نفسها الجهة التي دعمت قوات سورية الديمقراطية الكردية وأردوغان في الوقت نفسه أيضاً هو حليف الأميركيين الملتزم معهم خياراتهم ومصالحهم في المنطقة والذي يشكّل جيشه في الناتو، أي قوات حلف شمال الأطلسي، الجزء الأكبر من عناصره. وهنا يصبح السؤال حول المقايضة التي يُحكى عنها لسببين «الأول الإيحاء بأن سورية لم تنتصر في الغوطة، بل إن الأمر مجرد صفقة بين الأتراك والأميركيين والسوريين من أجل الانتقال إلى مشهد آخر يبدأ من عنده التفاوض، والثاني من اجل الانتقال الى مرحلة المفاوضات التي تعتمد على إيجاد طريق مناسب ومخرج منطقي لجلوس النظامين السوري والتركي سوية من أجل الاتفاق على المرحلة المقبلة. وهو ما تسعى إليه روسيا حسب الأجواء الدبلوماسية التي نادت بهذا التقارب في روسيا. وقد شجّع على هذا الوزير سيرغي لافروف باعتباره أن لا حل من دون جلوس انقرة ودمشق على الطاولة نفسها، الشهر الماضي.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال إنه تمّت السيطرة على مركز مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، وإن العلم التركي يرفرف إلى جانب علم «الجيش الحر»، وإن قواته «طهّرت سابقاً جرابلس والراعي والباب والآن استطاعت تطهير عفرين وجوارها من الإرهابيين وستقوم بكافة الإجراءات من أجل توفير حياة آمنة لأهالي عفرين».

من الواضح أن أردوغان يريد حجز حضوره في سورية بالاعتماد على حجة تمنحه إياها «شرعنة» وجود الجيش الحرّ باعتباره جيشاً سورياً سابقاً أو يحمل جنسية أهل الأرض، لأنه مقبل على معركة ستفرضها دمشق لإخراجه من عفرين بالقوة، إذا أعلن نيته البقاء، لكن على السؤال: هل سيتوجه أردوغان نحو دعم الجيش الحر كقوة سورية مقاتلة في محاولة منه لتثبيت الحضور على طريقة الوجود الإيراني أو وجود حزب الله المدعوم إيرانياً في سورية؟

منذ سنة حتى اللحظة لا تزال معركة إخراج الجنود غير السوريين من سورية أمراً يأخذ جدالاً واسعاً، وكل القوات الأجنبية مصيرها إما القتال حتى النهاية أو الهرب بمخارج ومصالحات، وإما التسليم للدولة السورية، لكن في حالة الجيش الحر تبقى الخشية من نية تركية في تعويمه في تلك المنطقة من جديد تحت هذا الإطار ويصبح هدف تركيا حجز مقعد للمعارضة المسلحة في أي دور سياسي مقبل. وفي كل الأحوال صار الحصر اليوم بهذه الافتراضات مؤشراً على اقتراب أمرين أساسيين الأول المفاوضات مع سورية، والثاني معركة مباشرة بين الجيش التركي والجيش السوري يفترض أن تسعى كل من روسيا وإيران لعدم حدوثها أو مواجهات بين الجيش السوري الحر والجيش السوري حتى النهاية التي تتمثّل بالمفاوضات، ضمن إطار الدولة السورية أو القضاء على التنظيم، لأن الأكيد أن دمشق لن تتراجع عن مقاتلة كل الأيدي غير الحليفة كما أثبتت المعارك كافة. ولا يبدو أن الأميركي مستعدّ لضخ زخم جديد على الرغم من تصاعد التهديدات، ما يثبت عدم قدرة الإسرائيليين على الرد عليها بعد إسقاط «أف 16» من الدفاعات السورية عدم جديتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى