سرجون كرم: هدفنا إنسانيّ أكاديميّ ممنهَج في سلسلة من الأعمال كورنيليا تسيرات: تجربة وسّعت آفاقي في ما يتعلّق باللغة العربيّة والشعر

رنا صادق

أنطولوجيا ألمانية تنقل كلمات رائدات من لبنان، من الواقع اللبناني المعاش، ما بين حقول الإنسانية والمطالبة بالحقوق وعدم التمييز، لا شعاراً، بل كلمة وتأثير فيهما تتجلّى صورة المرأة اللبنانية الحقيقية، لا دعاية لها ولا غرض ربحياً من ذلك، بل كلّ ما في الأمر أنّ الأدب اللبناني الحديث يستحقّ أن يكمل مسيرته في الوصول إلى العالم.

الدكتور سرجون كرم، المتخصّص بالأدب واللغة العربية، اختار إلى جانب المترجمة الألمانية كورنيليا تسيرات أن يترجم نصوصاً شعريّة لـ37 شاعرة أنطولوجيا لبنانية، في كتاب جاء بعنوان «العالم في عيوننا».

تفاصيل لا يعلمها الجميع رافقت المترجمَين في مشوارهما مع هذه التجربة، هذه التجربة تحمل رسالة، رسالة تجمع ما بين الحضارتين اللبنانية والألمانية. هي نتاج عمل متواصل للحصول على إصدار علمي أكاديمي ممنهج، يضاف إلى سلسلة الترجمات العربية.

يذكر أنّه، وبرعاية وزارة الثقافة اللبنانيّة، ولمناسبة صدور كتاب «العالم في عيوننا» الأنطولوجيا النسائيّة اللبنانيّة، واحتفالاً بيوم المرأة العالميّ، يقام اليوم، 20 آذار 2018 احتفال لإطلاق الكتاب في بيروت، وذلك في قصر الأونيسكو، الساعة الخامسة مساء.

«البناء» أجرت حديثاً مع كلّ من الدكتور سرجون كرم والمترجمة كورنيليا تسيرات، ننقله إلى القرّاء بالتفاصيل.

تجربة وآفاق

«العالم في عيوننا» الصادر عن «دار شاكر» في مدينة آخن الألمانية، أنطولوجيا أدبية لـ37 شاعرة لبنانية، مترجمة إلى اللغة الألمانية، هي تجربة الدكتور سرجون كرم مع زميلته المترجمة الألمانية كورنيليا تسيرات. تبلورت فكرة هذا المشروع قبل سنة ونصف السنة، وهو جزء من سلسلة مترجمة من الأدب اللبناني خصوصاً والعربي عموماً.

ويشير كرم إلى أنه حتى الآن بات هناك أحد عشرة إصداراً مترجماً من الأدب العربي إلى اللغة الألمانية منها أنطولوجيا «وطن للتهجئة» لشباب بيروت، وأنطولوجيا بعنوان «بورتريه» للشباب السوري، «لا يصل الكلام باليسير» للدكتور شربل داغر، «يغنّي بوحاً» للشاعر نعيم تلحوق، و«أجمع في صدفة» للدكتور هنيبعل كرم.

يعمد كرم على تطوير هذه المشاريع من خلال التعلّم من التجارب السابقة واستغلال ذلك في العمل اللاحق، كي يصل إلى القارئ إصدار صافٍ، ممنهج، يتبع سلسلة أعمال ومشاريع دقيقة غرضها نقل الحضارة اللبنانية والكلمة اللبنانية من خلال رؤى شعرائها وأدبائها. إضافةً إلى التوجّه إلى الجانب الألماني من خلال هذا الأدب لأن القارئ الألماني اليوم لا يهتم بالأدب العربي، وذلك يعود إلى عدم وجود ترجمات من اللغة العربية إلى الألمانية. ومن شأن هذه السلسلة أن تُفيد الطالب الألماني أكاديمياً في التعرّف إلى الحضارة اللبنانية، والثقافة العربية من خلال فهم البنى الاجتماعية والنفسيّة والتصوريّة للمجتمع في حقبة زمنية معيّنة.

المرأة في الأنطولوجيا الإنسانية

كما أنّ هذا المشروع يركّز على سلسلة من البنى الاجتماعية اللبنانية والعربية، ترتكز في كلّ مشروع للترجمة حول محور محدّد نحدّده بحسب المتطلبات والشؤون القائمة، فهذه السنة اختير موضوع المرأة اللبنانية وما عانته وتعانيه من مشكلات عيش أو تمييز في عملية تحقيق ذاتها.

ويقول كرم في هذا الصدد: وضعنا خطّة عمل أكاديمية، حول موضوع المرأة وكلّ ما يخصّها اجتماعياً. ووقع الاختيار على 37 شاعرة أنطولوجيا، كتبن نصوصاً عن مواضيع العنف الذي تعاني منه المرأة، مواضيع تتحدث عن علاقة المرأة بالرجل، نظرة المجتمع إليها، والأزمات التي تعاني منها. وتجدر الإشارة أننا اخترنا موضوع العاملات الأجنبيات، الموضوع الذي، قلّة قليلة من الصحف ووسائل الإعلام، تنشر معاناة العاملات في لبنان، والذي كتبت عنه في «العالم في عيوننا» الشاعرة دارين حوماني.

وأضاف: يذكر أن المشروع بمشاركة المترجمة كورنيليا تسيرات التي كان لها دور كبير وفاعل في هذا العمل، لذلك كان نتاج هذه المشاركة مثمراً وهاماً.

آلية المشروع

وعن آلية اختيار القصائد، قال كرم: جرى اختيار القصائد بحسب آلية تنظيم مدروسة، لكل شاعرة قصيدتان مؤلفتان من تسعين كلمة، وانتُقيت القصائد بحسب الأهلية اللغوية والمعنوية للقصيدة. العمل بطبيعته حساس ويحتاج للدقّة في نقل الصورة والكلمة لأن الموجّه إليه في هذه العملية هو القارئ الألماني، أي النقل من حضارة إلى حضارة.

في التجربة اللاحقة يشير كرم إلى أنّه لن يتساهل في عملية انتقاء المواد، وسيعتمد على التجارب السابقة في تصحيح أيّ عمل جديد.

وعن سبب اختيار هذه الأسماء للمشاركة في الكتاب لا سواها قال كرم: أرسلنا الدعوة إلى شاعرات كثيرات، ساعدني في الاختيار شربل داغر، الشاعر حسن عبد الله، الشاعر زاهر العريضي والدكتور هنيبعل كرم. ووقع الاختيار على تلك الشاعرات اللواتي يحملن شعار المرأة ورغبن في المشاركة. العالم الأدبي في مأزق واخترنا الشاعرات بحسب القدرة والامتيازات الشعريّة.

«العالم في عيوننا» يفتح آفاقاً على صعيد محاور عدّة، بحسب كرم، المحور الأول يتلخّص بالترجمة، ففي «معهد الدراسات الشرقيّة والآسيويّة» ثمة قسم دراسات الترجمة الأدبية وهو أقلّ قسم معروف، ولا يوجد فيه الكثير من الأساتذة الذين يدرّسون هذه المادة، فالترجمة الأدبية المتخصّصون فيها قليلون في ألمانيا، هذا من الأكاديمية الجامعية.

المحور الثاني أن عملية نشر الأخبار والمواد في ألمانيا تتطلّب آلية تخطيط زمنية معيّنة عكس آلية نشر الدراسات والأدبيات في لبنان، أي كلّ ما يخصّ الثقافة.

واقع لا للحسرة

ويضيف: اللافت أن كلّ ما يسمّى جمعيات إنسانية و«كاريتاس» لم يقبلوا نشر الكتاب، الأمر الجيد لأنّ الكتاب ليس بكاءً على المرأة اللبنانية كأنما امرأة مظلومة ومهمّشة. بل على العكس، هو إضاءة على إنجازات المرأة اللبنانية وتحقيقها ذاتَها رغم الظروف الصعبة التي تعيشها وسط العادات والتقاليد المقيّدة، وعلى أنها جزء من الإنسانية ومشاكلها كمشاكل المرأة الألمانية وغيرها. هذا الكتاب على مستوى أكاديميّ ممنهج.

ويذكر أن كتاب «العالم في عيوننا» سيُعرض في متحف بون في 25 تشرين الثاني أي الموافق «يوم مكافحة العنف ضدّ المرأة»، من خلال برنامج عن المرأة اللبنانية انطلاقاً من الأنطولوجيا. سيقوم كرم إلى جانب تسيرات وطلابه بتنظيم كافّة الاحتياجات لتقديمه بأحسن تصوير.

أزمة القصيدة العربية

هناك فجوة في العمل الشعري تُترجم في تخمة عدد الشعراء الذين يكرّرون أنفسهم ومن سبقهم. لكن القارئين الألماني واللبناني يحتاجان إلى ما هو جديد ومبتكر يختصّ بمعالم هذا الزمن المعاش، ويميزه عن غيره من الأزمنة. فالقصيدة الناجحة هي القصيدة التي تشعّ من ذات إلى الشاعر إلى الآخرين، لا تلك التي تنبثق منه وتعود إليه. فالشعر الجيد هو الذي يشعّ حكمة وإنسانية وفكرة كشعر المتنبي. اليوم الشاعر يعتمد على الصورة وهو أمر خاطئ، كصورة «قمر يركض وراء نجمة»، أين المعنى في هذه الصورة؟ يجب أن تكون هناك فكرة مستوحاة تترجم بالكلمات والأسلوب. لم نصل في العالم العربي إلى مدرسة فكر انبثقت عن عصر تنوير كما حدث في أوروبا. ففي ظل الأزمة الاقتصادية والنفسية والمعيشية الاجتماعية التي يعيشها الشاعر العربي يستحيل وجود المادة الفكرية. ثمة خطأ في عملية فهم حداثة الخمسينات. اليوم ثمة أسماء عربية لامعة وجيدة، لكن النصوص متقاربة جداً.

الشعر توأمه الحقيقي

خلال مقابلة سابقة لكرم أشار: اكتشفت أن الشعر توأم روحي، وهو الوسيلة للتعبير عن أفكاري وآلامي ومكنوناتي. حيث قال لـ«البناء»: إن مرحلة بدايته مع الشعر كانت عن عمر 16 سنة. في هذه المرحلة كان توجّهه أدبياً، حيث اكتشف كيانه في الشعر. في «جامعة البلمند»، تخصص بالأدب واللغة، تبنّاه الدكتور محمد قاسم، وشارك في جلسات المنتديات الأدبية في مكتب رشيد درباس للمحاماة، وخلال هذه الجلسات التي يحضرها عدد من الشعراء كانوا ينتقدون القصائد. هذه البداية لم تكن سهلة على كرم، تعلّم خلالها وأتقن أكثر فأكثر في مدارك الشعر، إضافةً إلى أنه كان ناشطاً أدبياً في الشمال. بعدها حصل على منحة من «المؤسّسة الكاثوليكية للتبادل العلمي»، فسافر إلى ألمانيا عام 1990، تخصّص دكتوراه الرمز المسيحي في الشعر العربي الحديث، أمثال شعر محمود درويش وخليل حاوي وبدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور. وهناك أصدر ديوانه الأول.

اشتغل ما بين التعليم الأكاديمي والترجمة والكتابة الشعرية مزيج ما بين هذه العوامل جعل توجّهه عالم واسع وشامل، إضاقةً إلى أن لديه ميولاً صوفيةً روحانية، نحو الأحادية التي تجمع الأديان.

هذه البلاد علّمتني الإنسانية وقتلت فيّ الشفقة

انطلاقته الحقيقية بدأت في ألمانيا حيث تغيّرت نظرته إلى القصيدة، فكان يعتمد على القصيدة الطويلة المليئة بالحشو وذلك بفعل المجتمع المأزوم الذي يعيش في وسطه الذي يسيطر عليه الضغط السياسي والاجتماعي. فاعتمد على القصيدة الطويلة المتشنّجة أو قصيدة الطبول القارعة من جراء التأزّم الداخلي، أما في ألمانيا فلم يكن هناك هذا الضغط السياسي والأمني. لم يشعر يوماً بالغربة. وهناك فتح له العمل الأكاديمي أبواباً ثانية في عملية الحصول على الكتب الأدبية.

وفي قصيدة لم تصدر بعد، بعنوان «جرمانيا» يقول:

هذه البلاد علمتني الإنسانية

وقتلت فيّ الشفقة.

يحكي خلالها مفهوم العيش في ألمانيا الذي يعتمد على الإنسانية والأخلاق.

يحاول كرم من الترجمة تحقيق مفهوم إنساني وعلمي يتلخّص عبر محورين، الأول يخصّ ألمانيا، الاعتماد على الأدب اللبناني والعربي ونقله إلى العالم، وتحقيق عملية التواصل من ذلك عبر خطّة واضحة، وتحديداً العمل على أنطولوجيا فيها خمسون شخصاً، أفضل من العمل على رواية واحدة تتطلّب وقتاً وتضيء على كاتب واحد.

الثاني أنه القائمين على هذا المشروع لا يسعون إلى الحصول على الدعم المادي، بل هو مجهود شخصي من خلال مردود فرديّ، لكنه يحتاج إلى دعم الجهة الرسمية اللبنانية. لأن الأعمال المترجمة في نهاية المطاف هي التي تبقى، والأسماء العربية التي تُرجمت أعمالها هي من ستنشر على صعيد ألمانيا.

يقع اختيار كرم للمواد التي سيترجمها بحسب وجود المعنى والفكرة فيها، والمفارقة بين أماكن القصائد وزمانها.

أعماله المستقبلية

ويشير كرم إلى أنّ ينوي ترجمة كتابات عدد من شعراء الجنوب. الجنوب اللبناني الذي حارب العثمانيين ثمّ الصهاينة. وسيعمل على ذلك من خلال خطّ أكاديمي لا شعريّ فقط. كما ينوي ترجمة نصوص شعراء العامية، نسبةً إلى أن الشعر العامي فطري وقريب إلى القلب، ومن هؤلاء ويليم صعب وألبير حرب وغيرهما.

كورنيليا تسيرات

«البناء» أجرت مقابلة مع المترجمة الألمانية كورنيليا تسيرات وتعرّفت إلى مراحل بدايتها مع اللغة العربية والترجمة، وصعوبات العمل في عالم اللغة العربية ومميزاتها على حدّ سواء.

يذكر أن كورنيليا تسيرات من مدينة بون الألمانيّة، هي مترجمةٌ محلّفة للشؤون القضائيّة في مقاطعة راينلاند في فالس ـ ألمانيا، مترجمة لعدد من مشاريع الأدب العربيّ الحديث إلى اللغة الألمانيّة، ومدقّقة لغويّة للترجمات الأدبيّة من العربيّة إلى الألمانيّة. حائزة على شهادات في إدارة الفنادق والسياحة، والدراسات الشرقيّة والآسيويّة في «جامعة بون»، اختصاص اللغة العربيّة والترجمة.

مراحل بداياتها كانت فريدة، إذ إنّ خطواتها الأولى في عالم اللغة العربية كانت في محاضرات دكتور سرجون كرم في «معهد الدراسات الشرقيّة والآسيويّة» في «جامعة بون». وتعتبر كورنيليا أنّه لا يمكن مقارنة اللغة العربية بأيّ لغة أخرى، ولا تعرف لغة أخرى.

العربية لغة فاتنة ومثيرة للإحباط في آن

وتقول في هذا الصدد: اللغة العربية هي لغة فاتنة ومثيرة للإحباط في الوقت عينه. لغة فاتنة لأنّها غنيّة وتحتوي على مفردات مذهلة نغوص فيها كقرّاء ألمان في عالم آخر. ومن أجل تنمية شعور تجاه اللغة يجب أن نطّلع على الثقافة، وهكذا يمكننا فهم اللغة المجازيّة. واللغة العربيّة مثيرة للإحباط من جهة أخرى كونها وعاء بلا قعر. كلّما تعلّمنا أكثر، كلّما عرفنا أكثر أنّنا لا نعرف الكثير. على كلّ حال، كانت هديّة جميلة لي أن أتمكّن من الغوص في هذا العالم.

التجربة مع كرم

خاضت تيسرات تجربة ترجمة فريدة مع الدكتور سرجون كرم، تركت أثراً يضجّ به الوسط الثقافي والإعلامي اللبناني حيث تقول: كان من دواعي سرورها العمل مع الدكتور سرجون كرم. فمن خلاله لم أتعرّف فقط إلى اللغة العربيّة، إنّما كوّنت صورة عن الثقافة اللبنانيّة، وهذا أمر لم يكن ليحصل من دون خبرته.

وتضيف: هناك نقاط كثيرة أثناء الترجمة لم أتمكّن من تفكيكها من دون مساعدته، فإنّ العمل معه كان بالنسبة إليّ إغناء لتجربتي بطريقة وسّعت آفاقي في ما يتعلّق باللغة العربيّة والشعر العربيّ بشكل كبير جداً. لقد كان العمل معه كلغويّ وشاعر وإنسان أمراً يدعو إلى السرور وساعدني في الاطّلاع على الثقافة اللبنانية وطريقة التفكير اللبنانيّة.

الشعر طريق سليم للتعبير

«العالم في عيوننا» أنطولوجيا نسائية لبنانية لـ37 شاعرة، يعرض الحياة اليومية للمرأة اللبنانية التي من غير المعروف إلى أين ستصل في معترك التخابط الفكري والشرذمة التي تعود إلى العادات والتقاليد. وتعتبر تسيرات أنّ الشعر طريق سليم للتعبير عن مشاعر التمزّق وللمطالبة بتحقيق التغيير. فقط من يرفع صوته يمكن سماعه، ومواضيع مثل العنف ضدّ المرأة، والتطاول عليها وظلمها ما زالت مواضيع راهنة.

وتابعت: لقد كتبت الشاعرات الـ37 وعبّرن عن مشاعرهنّ، الأمر الذي يبيّن أنّهنّ يتعاملن مع هذه المواضيع. هذا طريق سليم ليطالب كلّ شخص بحقوقه ويمارسها في حياته اليوميّة.

صعوبات اللغة العربية

عالم اللغة واسع ومتشعّب تنبثق عنه اختصاصات تتعمّق في دراسته وتحليله، والعمل في الترجمة اختصاص من تلك الاختصاصات التي من الطبيعي كأي علم أنّ يواجه صعوبات من الناحيتين اللغوية والثقافة واختلاف الحضارات، حيث تشدّد تسيرات على أن الصعوبة في الترجمة إلى اللغة العربية بشكل أساسيّ هي نفسها الصعوبة التي تعترض كل مترجم إلى أيّ لغة، إذ يجب أن يكون خلّاقاً من أجل نقل العبارات الأدبيّة الفنّية بشكل دقيق قدر الإمكان، ومن دون أن يكون وقعها غريباً ومصطنعاً في اللغة المنقول إليها.

وتضيف تسيرات: استعارات وصور مجازيّة عربيّة كثيرة لا يمكن نقلها حرفيّاً إلى اللغة الألمانيّة، لذا يجب إعادة صوغها. فالترجمة عمليّة خيارات لا تنتهي تقريباً، وفقط عبر التجربة يمكن تحقيق ما ذُكر. الصعب في الأدب العربيّ هو إسقاط العامل الدينيّ والعوامل الثقافيّة اليوميّة في القصيدة، الأمر الذي يجب معالجته خلال الترجمة إلى اللغة الألمانيّة بطريقة يفهمها الجميع. اللغة العربيّة هي لغة أكثر مجازيّة من اللغة الألمانيّة، الأمر الذي يشكّل تحدّياً كبيراً أثناء الترجمة.

البعض يعتبرون أن الشعر يداوي، يؤثر ويقوى على التغيير في زمن السرعة، أمّا تسيرات فتعتبر أنّ الشعر هو نوع من أنواع التعبير ـ شكل للتعبير عن المشاعر والتجربة والأفكار.

وتقول: هو يحرّر روح من كتبها كونها كالفنّ بشكل عامّ، نوع من أنواع تطبيب الروح. إنّ الشاعر يأخذ القارئ إلى واقعه الشخصيّ ويجعله يشاركه في أفكاره. كلّ قارئ يتمّ التقاطه ولمسه بطريقة خاصّة، وهذا يعتمد على التفاهم بين الشاعر والقارئ وعلى الذوق الفرديّ. فقط القارئ الذي يكون منفتحاً على القصيدة يمكن التقاطه من خلالها وجعله يعيش ويختبر وجعله يغوص في السعادة أو الكآبة.

الأنطولوجيا صوت المرأة

وتضيف: من مظاهر عصرنا الحالي الذي تسيطر عليه الحركة السريعة ووسائل التواصل الاجتماعيّ أن يعلن الكثيرون عن أنّهم شعراء، فأغرقوا «السوق» بقصائدهم وأخضعوا الشعر الجيّد لهم. ففي هذا العصر السريع أعتبر أنّ الشعر والفنّ شيئاً مهماً لإبطاء الإيقاع اليوميّ ولتحفيز الإنسان على الرجوع إلى أنفسهم وإلى التفكير.

وتقول تسيرات للمرأة العربية: إنّي أقدّر جداً مشاركة 37 شاعرة في هذا العمل. عبّرن في قصائدهنّ عن مشاعرهنّ ورؤيتهنّ إلى العالم. كما أنني أعتبر أنّه من المهمّ أن تعي جميع النساء اللبنانيّات قيمتهنّ وأن تكافحن من أجل حقوقهن، ولكن ليس في المفهوم المتحرّر جداً الذي يجعلنا ننسى أنّ المرأة هي امرأة والرجل هو رجل بل المفهوم السليم. أنا ضدّ كلّ شكل من أشكال العنف، ويمكن إيقافه فقط عندما ترفع النساء أصواتهنّ. هذه الأنطولوجيا يمكن فهمها على أنّها صوت المرأة اللبنانيّة بشكل عام مهما كانت طائفتها ومنطقتها أو كان عمرها.

وتابعت: إنّي أرى أنّ هذا العمل مهمّ في هيكليّة تغلب عليها الذكوريّة من أجل الوقوف في وجه الظلم. وأعتقد أنّ المرأة اللبنانيّة قد حقّقت نسبياً أموراً كثيرة، على رغم أنّ هناك الكثير بعد لتحقيقه. ولا ينطبق رأيي على المرأة اللبنانيّة فقط، بل على المرأة الألمانيّة وجميع النساء اللواتي يتواجهن مع مواضيع مثل العنف والتمييز والظلم.

وختمت تسيرات قائلة: يسرّني جداً أن أكون جزءاً من مشروع ترجمة الأدب اللبنانيّ المعاصر والعربيّ أيضاً إلى اللغة الألمانيّة. هناك مشاريع كثيرة موضوعة على الطاولة وسأتشارك في المواضيع التي أراها مجدية بالنسبة إليّ من ناحية السيرة العلميّة وإغناء تجربتي الشخصيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى