«مقاومة التطبيع»… ندوة في قصر الأونيسكو لعمدة الثقافة والفنون الجميلة في «القومي»

عبير حمدان

لأنّ فعل المقاومة لا يقتصر على الميدان، كان لا بدّ من الحضور الفكري والثقافي في مواجهة التطبيع مع كيان العدوّ بالأشكال كافة. وحين ندرك قراءة التاريخ ونتمسّك بحضارتنا ونحفّز الوعي الخاص والعام على هوية العدوّ، يمكننا النهوض بالمجتمع وتحصينه في مواجهة كلّ غزو ثقافيّ وفنّي مستتر بمسمّيات «الحرّية» و«قبول الآخر» على قاعدة إعادة تشكيل «الشرق الأوسط الجديد»، ولو أتى ذلك على حساب التاريخ والجغرافيا والقيم الاجتماعية والإنسانية الحقّة.

وانطلاقاً من مبدأ التمسّك بثقافة المقاومة فكريّاً واجتماعياً، أقامت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة في قصر الأونيسكو في بيروت، تحت عنوان «مقاومة التطبيع»، شارك فيها كلّ من عميد الثقافة والفنون الجميلة في «القومي» الدكتور زهير فياض، رئيس المجلس الوطنيّ للإعلام عبد الهادي محفوظ، عضو المجلس السياسي في حزب الله بلال اللقيس، عضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمّين، وعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال، وأدارت الندوة حنان سلامة.

حضر الندوة نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، عميد الداخلية معتز رعدية، عميدة الإذاعة داليدا المولى، عميد الاقتصاد حبيب دفوني، عميد التربية رامي قمر، العميدان جورج جريج وخليل بعجور، عضوا المجلس الأعلى عاطف بزي وبشارة حداد، حسّان درويش ممثّلاً السفير الفلسطيني، أبو أشرف ممثّلاً «الجهاد الإسلامي»، محمد عويس ممثّلاً «الصاعقة»، حسين عطوي ممثّلاً «رابطة الشغّيلة»، ووفود من: مؤسّسة رعاية أسَر الشهداء والجرحى، الحزب الشيوعي، تيار المردة، حزب الله، وشخصيات ثقافية واجتماعية وطلابية.

الناطور: هذا الكيان الغاصب يخالف في وجوده الشرائع كلّها

بداية مع النشيد الوطني اللبناني ونشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي، فكلمة ترحيب ألقتها مينار الناطور جاء فيها: نلتقي هنا اليوم لنقول لا للتطبيع مع كيان عنصريّ قام بالقهر والعدوان واغتصاب الأرض وتهجير الإنسان. لا للتطبيع مع كيان قام على الباطل ويريد اليوم انتزاع الاعتراف بوجوده. فالتطبيع بالنسبة إلى العدوّ الصهيونيّ لا يعني مجرد إقامة علاقات تجارية أو سفارات، إنما من المفروض أن يشمل مراجعة لمفاهيم الصراع ولفهم التاريخ.

لذا، نحن نرفض كلّ ما يُراد تسويقه اليوم حول أن التطبيع مع هذا العدوّ هو مسار حضاريّ وثقافيّ يندرج في إطار تفاعل الثقافات، وذلك من خلال عرض الأفلام الثقافية وغيرها، أو من خلال تسويق أعمال فنية لأشخاص داعمين للحركة الصهيونية وكيانها الغاصب.

وتابعت: نلتقي اليوم لنقول لرهط المطبّعين والمنظّرين للتطبيع خسئتم… هذا الكيان هو كيان غاصب، يخالف في وجوده القوانين والشرائع كلّها، وهو وجود احتلاليّ لأرضنا القومية.

ولأننا حركة هجومية لا حركة دفاعية، نهاجم بالفكر والروح ونهاجم بالأعمال والأفعال، نهاجم الأوضاع الفاسدة، كما قال زعيمنا أنطون سعاده. ولأن صراعنا مع اليهود صراع وجود لا صراع حدود، كانت هذه الندوة التي ليست إلا انطلاقاً لمقاومة التطبيع.

محفوظ: التراخي والتقصير العربي

من ناحيته، أشار محفوظ في كلمته إلى أهمية دور الإعلام في العمل على توعية الجمهور من خلال نشر ثقافة المقاومة. ومما جاء فيها: هناك تلازم وتداخل بين قرار مقاطعة «إسرائيل» ومقاومة التطبيع معها. فعندما اتُّخِذ قرار المقاطعة كان الهدف عزل الكيان «الإسرائيلي» اقتصادياً، وثني الدول غير العربية عن دعم «إسرائيل» اقتصادياً وعسكرياً وتاريخياً باعتبار أنّ المقاطعة هي إحدى الوسائل المتّبعة للحدّ من الهجرة «الإسرائيلية» إلى فلسطين. أما تعريف التطبيع فإنه يرتكز على إقامة علاقات اعتيادية، وعلى ممارسة سياسات على مستوى الحكومات أو أفعال على مستوى الأفراد والجماعات مع «إسرائيل» أو «الإسرائيليين»، على أنها وأنهم جزء طبيعي في العالم العربي بما ينطوي عليه ذلك من تجاهل لممارسة الحكومة «الإسرائيلية» و«الإسرائيليين»، في سلب الفلسطينيين حقوقهم وفي تبرير سياسات القتل والتشريد.

وأضاف محفوظ: عملياً، فإن سورية ولبنان وإيران هي الدول الوحيدة التي تعمل بنشاط على المقاطعة الرئيسة، كما أن هناك حركة «بي دي أس» التي تعمل على تعطيل المبادلات الثقافية والفنية والأعمال التجارية التي تشارك فيها «إسرائيل» .. وبين الدول الأجنبية كانت اليابان الدول الصناعية الأكثر التزاماً بالمقاطعة. ولفت محفوظ إلى أنّ القرار الأميركي الأخير باعتبار القدس عاصمة لـ«دولة إسرائيل»، حرَّك من جديد موضوع المقاطعة والتطبيع على المستوى الشعبي كونه يستهدف القضية الفلسطينية. ولعلّ المفارقة الراهنة أنه في الوقت الذي بدأت فيه الشعوب في الغرب تدرك خطورة الاستيطان والسياسات «الإسرائيلية» العنصرية ومحاولة تهويد القدس وتعترض عليها بفضل ما يقوم به الشعب الفلسطيني من انتفاضات متتالية، نلمس ظاهرة التراخي العربي والتقصير حيث يغيب الحدث الفلسطيني عن الشاشات التلفزيونية العربية التي تتلهّى بمواضيع ثانوية وهامشية وتعمل على استبدال العدوّ «الإسرائيلي» بالعداء لإيران. وهذه سياسات مقصودة تسهِّل عملية العبور إلى التطبيع. والمؤسف أن هناك مخالفات جوهرية تقع ولا تلقى أيّ اعتراض على مستوى الأنظمة، إذ أصبحنا نشهد على شاشاتنا مقابلات يجريها مراسلون داخل الكيان «الإسرائيلي» وهذا ممنوع قانونياً لأن فيه ترويجاً للعدوّ.

ولفت محفوظ إلى دور الإعلام الذي يمكنه أن يخدم في جوانب محدّدة ذات طبيعة إنسانية مثل الاستيطان وإبراز مخاطره، وقضية الأسرى في السجون «الإسرائيلية» وفضح السياسات «الإسرائيلية»، والابتعاد عن إثارة الطوائفية والهواجس والغرائز. ورأى أن المطلوب حالياً في مقاومة التطبيع الثقافي والفنّي والإعلامي عدم الظهور على المنصّات الإعلامية «الإسرائيلية» وعدم استضافة أيّ شخصية «إسرائيلية» على المنصّات العربية، وبذل كلّ الجهود الإعلامية الممكنة لتوعية الجمهور حول مخاطر التطبيع، والتركيز على ما يجري في فلسطين، ونشر ثقافة مقاومة التطبيع. ويبقى الأمل معقوداً على الانتفاضة وأطفال الحجارة وأمثال عهد التميمي التي تمثّل بلا شك المستقبل الفلسطينيّ.

اللقيس: حتمية المواجهة

من جهته، اعتبر بلال اللقيس أنّ هذه المرحلة هي الأقصى والأشدّ لناحية زحف التطبيع إلى العقول، ما يتطلّب مواجهة بالشدّة نفسها. ومما قاله: هذه المرحلة هي الأصعب لناحية الترويج لفكرة التطبيع مع العدوّ الصهيوني، إذ إنّ دولاً عدّة تريد التطبيع، وأبرز هذه الدول السعودية التي تمدّ اليد إلى «إسرائيل» في محاولة لتحقيق مكاسب وهمية. وفي المقابل هناك نوع من التصدّع الداخلي لشريحة ضجرت من الصراع، وبالتالي يصبح فعل التطبيع ضرورة لهؤلاء. ما يعني أن فعل المواجهة معهم بات أمراً حتمياً. إلا أنّ السؤال الأهم هو: أين نحن من المواجهة؟ وهل نحن في موقع المدافع أم المهاجم؟ والإشكالية أن البعض لا يزالون يقرأون ويحلّلون على أساس فعل ماضٍ أي ما قبل عقدين من الزمن، بينما المطلوب الآن مجاراة ما يتم إنجازه على المستوى العسكري ليكون هناك توازناً بين العسكر والثقافة. والتركيز على منطق أن المقاومة فعل ذاتي المنشأ بحيث ندرك أننا اليوم في عصر العلم والعقل والدين لن نسمح لهذه الخرافة التي اسمها «إسرائيل» أن تصبح حقيقة.

يمّين: تعميم ثقافة المقاومة

تناولت فيرا يمّين في مداخلتها المشاهد الثقافية والفنّية والسياسية والإعلامية التي تتّكئ على واقع ثقافي مريض يدعو إلى الاعتراف بالآخر ولو كان عدواً. وشدّدت على أهمية ترشيق الخطاب المواجه لهذا المشهد من دون أن تغفل أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على جيل كامل. ومما قالته: يجمعنا همّ فلسطين التي لم تعد عند معظم العرب أولوية أو بالأحرى لم تعد موجودة إلا حين ضرورة استخدامها شمّاعة لخطاب سياسيّ أو مؤتمر اقتصادي أو عنواناً لأوبريت تافه .. ولن أعود بالذاكرة إلى وعد بلفور وما سبقه وتلاه بل لندخل بجرأة في الزمن الحديث، زمن ما بعد 2006 حيث تأكد لنا أن لا قرارات دولية نفعت ولا مؤتمرات عربية أفادت ولا اتفاقيات أضافت، لا أوسلو ولا قمة بيروت ولا أيّ قمم على قمم ورحم الله مظفّر النواب.

وأضافت: ماذا أنجزنا نحن كأحزاب أو شعوب أو منبريين أو مثقفين إذا جاز لنا أن ندّعي ذلك غير الكلام؟ ليتنا نعمل إلى نقد ذاتيّ نجترح منه ورشة أو خطة عملية فعلية تكون خارطة طريق تُوازِن الإنجاز الميداني. وأنطلق من تشخيص واقع ثقافي مريض يحاول أن يعرّف الثقافة على أنها فعل اعتراف بالآخر حتى ولو كان عدواً وتصوير المعترض على أنه منكفئ ولا يحبّ الحياة، وصدقوني هذه الشعارات مغرية إلى حدّ الخطورة بالنسبة إلى الشباب اللاهث استهلاكاً وراء المظاهر، معتقداً أن هكذا هي الحياة. وأكبر دليل على ذلك أنه حين يتناول أيّ أحد موضوع الانتصار على الكيان الصهيوني يبادر عديدون إلى القول: «طيّب، ولكن ما بدنا حرب»، وكأنه يدفن زهوة الانتصار في عتمة الرفض وظلمة الخوف، علماً أنه بعد الانتصار كان يجب علينا تعميم ثقافة المقاومة التي حرّرتنا من كل خوف وأسرت عدوّنا في هاجس الخوف.

وغمزت يمّين من قناة الإعلام الخبيث الذي يعمل على تعويم مخرجين وأدباء وفنانين لا يجدون أيّ مشكلة في الظهور على شاشة «إسرائيلية» أو المشاركة في منتدى ومحاضرة صهيونيَّين بهدف نيل الجوائز العالمية، وقالت: أعتقد أن الفيلم الذي يرشّح لأوسكار أو غيره فإنه قد يكون يملك المعايير اللازمة غير أن مضمونه الذي يراعي أو لا يتناقض مع الفكر الصهيوني هو العامل الأساس لجعله محظياً بين الترشيحات، وهذه بحد ذاتها صدمة ويجب أن تكون قضية. إلى جوائز ينالها أدباء وهم والحقّ يقال أهل لنيل الجوائز ولكن أن ينالها شرطَ مقابلة على شاشة «إسرائيلية» أو للمشاركة في محاضرة صهيونية فإنه بالتالي يسقط كما جائزته. وفي إضاءة على الواقع الإعلامي نرى أن إعلامنا العربي يرتكب الخطايا لا الأخطاء حينما يسمّي الكيان الصهيوني بـ«إسرائيل» ويسمّي شهداءنا «قتلى» وقتلى العدو «ضحايا»، هذا إذا لم أرد أن أتطرّق إلى المقاربة الإعلامية للربيع العربي وملوّثاته من مصر إلى ليبيا إلى البحرين واليمن وسورية وقبلها العراق، ومع أننا نملك محطات مؤثرة لكنها غير كافية لمواجهة إعلام عريض ومموّل وقادر في خطابه أن يكون جاذباً ومغرياً.

وهنا أسأل: لماذا لا نعتمد سياسة إعلامية ذكية نقاوم من خلالها ونفرح، نكتب ونغنّي، نناقش ونرقص، نظهّر فرحنا فعل مقاومة وإيقاع حياتنا تقاسيم مقاومة؟

ودعت يمّين لأن نكون أكثر جرأة لنعود ونناقش دستورنا والميثاق وفق تحديد العدوّ، من دون أن ننسى طبعاً موضوع المسرح والمسرحيين والتمثيليات الهزلية والقضائية والانتخابية والاستخبارية بما يضرب هيبة الدولة بمعزل عن الصحّ أو الخطأ.

وختمت يمّين بضرورة ألّا نغفل دور مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت مرآة للواقع الثقافي والفكري والإعلامي: هناك خيط رفيع يفصل بين الحرّية التي تضيء والفلتان الذي يظلّل، وحالة أفيخاي أدرعي التي نظنّ أننا نستقوي عليه وعلى أمثاله بنقل ما يقوله إنما نحن نعطيه ونعطي أمثاله حجماً وهذا هو ما يتوخّاه. دعونا نحسن استخدام وسائل التواصل ونغرّد لتاريخنا وحضارتنا ولغتنا وإنجازاتنا وفكرنا وحبرنا وبذلك نتحوّل إلى جنود ومقاومين قادرين على الحدّ من الغزو الفكريّ، بل على احتلال الفكر الآخر، فنجنّب أجيالنا الجديدة مواجهة أيّ غزو أو تطهير أيّ فكر. الميدان فتح لنا الطريق فلماذا نقفله؟

عبد العال: تشويه الوعي

بدوره، رأى مروان عبد العال أنّ المشكلة تكمن في تشويه الوعي وتغييب فلسطين، ومما قاله: تغييب فلسطين هو تطبيع، ومن هنا اسمحوا لي أن أتحدث عن تشويه الوعي وذلك بسبب تأثير فقهاء التحرّر الذين يعملون على إقناع المجتمع بالدونية.

التطبيع هو أن تكون العلاقة طبيعية بين الدول، فكيف يمكن لنا الإقرار بعلاقات طبيعية مع دولة غير طبيعية؟ وهذا الكيان الغاصب لا يريد فقط أن نعترف بوجوده إنما يريد أن نقرّ بحقه في الوجود وقبوله كما هو، وبالتالي الإقرار بالهزيمة، وهذا ما يجب ألّا نقبل به، وعلينا مواجهته بقوة وبتفعيل أكبر لثقافة المقاومة.

فياض: التسلّح بالوعي وإرادة الانتصار

أمّا عميد الثقافة الدكتور زهير فياض، فركّز في مداخلته على الحقّ القومي التاريخي الإنساني في الأرض وما عليها، ومما قاله: لا يسعنا بِاسم الحزب السوري القومي الاجتماعي إلا أن نشكركم على حضوركم ومشاركتكم في هذا اللقاء تحت عنوان «مقاومة التطبيع»، في هذا الزمن الصعب، زمن المعادلات الصعبة، زمن انقلاب الصورة وازدواجية المعايير، والزيغان في الرؤية الذي أصاب البعض فأضاعوا البوصلة، وضلّوا الطريق.

ولن نقف عند هذا العنوان لأننا في الأصل ومنذ البداية أصحاب موقف جذريّ فكريّ عميق، ونظرة أخلاقية إنسانية تقارب كلّ موضوع الصراع مع الكيان الاستيطاني الذي يغتصب أرض فلسطين من زاوية الحق القوميّ التاريخي الإنسانيّ، حقنا في الأرض وما عليها، حقنا في كلّ ذرّة تراب من أرضنا القومية جنوباً وفي الاتجاهات كلها. ومن هذا الموقف تتفرّع مقارباتنا المسائل، وهذا الموقف لا يستند، كما يحلو للبعض أن يصوِّروا، لا يستند إلى موقف انفعالي، عاطفي، لحظي، بل هي رؤية شاملة عميقة ومتماسكة إلى أصل الصراع، إلى حقيقته وجوهره وأبعاده في الزمان والمكان، في التاريخ والجغرافيا، في العقل والوجدان.

وأضاف: إننا اليوم أمام هجمة شرسة تضغط باتجاه تحوير وتحويل وتغيير وتبديل منظومات وقيم ومفاهيم شكّلت جزءاً لا يتجزّأ من تراث الأمة وذاكرتها التاريخية. والحداثة التي يحدِّثنا عنها البعض، لا تعني سوى الإلغاء، ونحن نرفض إلغاءنا وشطبنا من معادلات الصراع. الحداثة في معناها الصحيح، مسارٌ مستمرّ في المواءمة بين الفكر والحياة، بين العقل ومتطلّبات التطوّر الاجتماعي. لغة الحداثة هي لغة العقل بامتياز، وهي لغة نتقنها جيداً بعيداً عن كل الأفكار اللقيطة والمشوّهة تحت عنوان «الحداثة» التي يروّج لها الفكر الظلاميّ محاولاً إيهامنا أن فكرة «الحداثة» هي نقيض فكرة «الهوية» ونقيض فكرة «مقاومة التطبيع»… لذا فالمقاربة الأصيلة في موضوع «مقاومة التطبيع» تنطلق من رفضنا المطلق قيامَ الكيان الاغتصابيّ أصلاً، لإنه كيان غير طبيعيّ يخالف قوانين الاجتماع البشري كلّها في النشأة والاستمرارية.

وتابع: إن رفض التطبيع ومقاومته مسألة ثقافية بامتياز لأنّ رهان الأعداء هو على محو الذاكرة ومسحها وتدجين العقل، وتزوير الحقائق، وبالتالي تسطيح الوعي، لنفقد الإرادة في الصراع. وهذا ما لن نسمح به لأننا أصحاب حق. وفي هذا السياق، نحن لن نكتفي برفض ما يُراد تسويقه اليوم حول التطبيع بأشكاله المختلفة، سواء في مجالات الفن والأدب والسينما والمسرح ومن خلال أعمال فنية مشبوهة، بل المطلوب منا كقوى حيّة أن نحمل مشروعنا وآلياته وأن نبدع في الفنّ والمسرح والسينما والتلفزيون والأدب والشعر والرياضة وغيرها، كما في السياسة والأمن طبعاً بما يدحض أطروحات التطبيع الهجينة كلّها.

التطبيع خطير وله أشكال مختلفة، والردّ يجب أن يكون على المستوى ذاته، لذا علينا الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم متسلّحين بالحق والوعي وإرادة الانتصار.

لقاءات

وعلى هامش الندوة، سألت «البناء» الحضور حول أهمية ندوات من هذا النوع، فكانت هذه اللقاءات السريعة، حيث أجاب عميد الاقتصاد حبيب دفوني بالقول: تأتي أهمية هذه الندوة في وقت يتلهّى الناس بأمور كثيرة بعيدة عن خطر التطبيع في الأطر السياسية والثقافية والاجتماعية. وهذه الندوة عنوان ننطلق منه لتعميم الوعي والفكر القوميّ الرافض أيّ شكل من أشكال التطبيع، كونه تدميراً للذات. ومقاومة التطبيع حفاظ على الذات وعلى المستقبل.

من جهتها أشارت رئيسة «تجمّع النهضة النسائي» منى فارس إلى ضرورة العمل على رسم آليات مختلفة وفعّالة لمواجهة التطبيع، وقالت: هذه الندوة تجمع الحضور الذي يملك الوعي ويعرف أنّ «إسرائيل» هي العدوّ. ومن الطبيعي أن نواجه هذا العدوّ في مختلف المجالات، وليس فقط في الميدان العسكري. لذا المطلوب أن تكون هناك آليات فعّالة في الإطار التربوي لتفعيل فكرة رفض التطبيع مع العدوّ بحيث تصبح المقاومة الثقافية والاجتماعية نمط حياة يومياً في المدارس والجمعيات الكشفية، وهذه مسؤولية وزارتَي التربية والثقافية، لا الأحزاب الوطنية فحسب، مع التشديد على أهمية كتابة التاريخ بشكله الحقيقي، ومن هنا أؤكّد على أهمية رفض تمرير أيّ حدث سواء كان مسرحياً أو سينمائياً، تحت مسمّيات «الحرّية في التعبير» و«الانفتاح» وإلى ما هنالك من مصطلحات.

وأتى الرأي الطلابي الشبابي على لسان نور بشير التي قالت: حين نقول «تطبيع» علينا أن نفهم ماهية هذا التعبير. وبرأيي إنّ الدولة تتحمل المسؤولية بشكل كبير، ويجب أن يكون هناك توجّه حقيقيّ من قبلها لتصحيح الخلل وتقويم مناهجها التعليمية والتربوية. للأسف هناك جيل شاب لا يدرك حقيقة العداء مع اليهود، وهذه الندوات مهمّة بقدر أهمية العمل الميداني والإعلامي والثقافي والاجتماعي لإيصال الصوت إلى كلّ شرائح المجتمع. «مقاومة التطبيع» يجب أن تكون عنواناً وطنياً ننطلق منه لترسيخ الوعي المقاوم الذي يؤدّي إلى الانتصار على العدوّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى