عصف ذهبي فلسطيني

بلال رفعت شرارة

طبعاً الأسير المحرّر الشهيد علاء راتب 26 عاماً لم يستأذن أحداً

إلى الغرب من مدينة جنين قرب مستوطنة موفودوتان كانت قوة إسرائيلية مدجّجة بالسلاح. تتربّص بالفلسطينيين لتمارس عليهم المزيد من القمع، لتعتقل أو تقتل بعضهم. لم يكن أفراد هذه الوحدة منتبهين إلى أنّ علاء راتب السجين الذين أُطلق سراحه قبل أقلّ بقليل عن العام نيسان 2017 سوف يقتحم عليهم غرورهم وحياتهم اذ كانوا على ثقة شبه كاملة بأنّ الفلسطينيين، على الأقلّ قيادتهم، قد تعوّدوا أنهم كلما أكلوا صفعة على خدّ سوف يديرون خدهم الآخر. لذلك تتجرّأ سلطات الاحتلال حتى على المقدّسات الإسلامية والمسيحية المسجد الأقصى وكنيسة القيامة .

المحرّر الشهيد علاء راتب 26 عاماً لم يستأذن أحداً قبل إقدامه على عملية الدهس لتجمع من الجنود الإسرائيليين. وهو أقدم على عمله عن سابق إصرار وترصُّد دون أن يستأذن أحداً من أهل الحل والربط من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو سلطة غزة. ولم يوحِ له أو يوجه أفكاره أو يلفت نظره للقيام بهذه العملية أحد وهو لم يكن خاضعاً في تصرفه إلى ايّ غرفة عمليات، ولم يكن أحد يحكم أو يتحكّم بمشاعره سوى هو شخصياً. هو شخصياً كابد من الاحتلال اعتقل وعُذّب، ورأى بأمّ العين معاناة أبناء شعبه اليومية.

طبعاً هو كان يعلم أنه بموجب التشريعات الأخيرة للكنيست الإسرائيلية فإنّ الشرطة الإسرائيلية سيكون بإمكانها سجن جثته وعدم تسليمها لذويه الذين سيخضعون الى تحقيقات طويلة عريضة. وربما أقدمت «إسرائيل» على نسف سكن العائلة أو طردها من مكان سكنها. هو سوف لا يهتمّ لموضوع تسليم سلطات الاحتلال لجثته وسجنها، فجسده اعتاد على السجن وهو حيّ، ولم يستطع الاحتلال إحباط حلمه بتحقيق الأماني الوطنية لشعبه الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس.

طبعاً «إسرائيل» بعد العملية اتخذت المزيد من الإجراءات المجرّبة والتي لم تقطع في السابق بالفلسطينيين أعلنت وقفاً فورياً وواسع النطاق للتصاريح الصادرة لعائلة منفذ العملية أيّ انّ الوقف سيشمل 71 تصريحاً ووقف 26 تصريحات إدارياً . وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هدّد منفذ العملية بإنزال عقوبة الإعدام بحقه وهدم منزله وهذا أمر معروف وعقاب أيّ متورّط معه وكذلك هذا أمر معروف .

الهجوم أسفر عن مقتل ضابط ومجند «إسرائيلي» آخر وإصابة جنديين. أما منفذ الهجوم فقد بقي حياً اعتقل وأصيب وعولج وبدأت سلطات الاحتلال باستجوابه وهو أمر لن يفيد فالمكتوب يقرأ من عنوانه، وليس أمام «إسرائيل» من خيارات إلا سحب جنودها من الشوارع الفلسطينية وبالتالي الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

العملية تكشف عن استحالة تمرير صفقة القرن إلا على جثة الشعب الفلسطيني، وعليه فإنّ الصفقة الأميركية ليست صعبة فحسب بل ومستحيلة. والأمر لا يتوقف على مرحلة عباس أو ما بعد عباس أو على تمرير صفقة العصف الذهبي في غزة دون السلطة وحماس وإيجاد شخصيات فلسطينية ناقمة وتقبل بأيّ حلّ. فالمسألة أعمق من وضع المانحين يدهم في جيوبهم والتبرّع لإنشاء مشاريع حيوية ضمنها محطة لتحلية المياه في غزة تعمل بالطاقة الشمسية ومعالجة بعض المشاكل الإنسانية.

القضية الفلسطينية ليست بالبساطة التي يراها صهر الرئيس الأميركي ومستشاره جاريد كوشنير وهي لا تحلّ بإلقاء الفلسطينيين كيفما اتفق وأين ما كان وإنشاء أيّ دولة، ولا بتسمية عاصمة ما لهم من خارج السياق التاريخي، أو بمنحهم مساحات لتوطين قضيتهم ولا بنقل السفارة الأميركية غداً الى القدس. فالقضية الفلسطينية لا تزال حية وتنبض منذ 70 عاماً رغم الهزائم العربية، ورغم عمليات التطبيع العربية – الإسرائيلية واتفاقيات السلام وضمنها أوسلو.

العملية هي إعلان عن أنّ مقاومة الشعب الفلسطيني سوف لا تنحصر أو تنتهي أو تتآكل، فبعد مئة يوم على توقيع الرئيس ترامب للقرار التنفيذي نقل السفارة الأميركية الى القدس يستمرّ الشعب الفلسطيني في ردّة فعله الرافضة وفي إطلاق جمعات الغضب واحدة بعد الأخرى. ويستمرّ الشعب الفلسطيني في تحدّيه للقرار مثلما في اليوم الأول وحالة القدس ستنتقل من الدفاع الى الهجوم، إذ إنّ الفلسطينيين سوف لا يقبلون ولا يمكنهم أن يقبلوا استبدال القدس بأيّ مكان آخر. وما تخطط له سلطات الاحتلال من تدمير للمسجد الأقصى تحت حجة انهيار أساساته سوف يعقّد الأمور ويوحّد الموقفين الإسلامي والعربي وستعود فلسطين إلى موقعها بصفتها قضيتنا المركزية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى