الكاتب محمد النابلسي لـ«البناء»: الدراما لا تنفصل عن الواقع السياسيّ… ولكلّ عمل دراميّ بيئته وجمهوره

حاورته عبير حمدان

يملك الكاتب محمد النابلسي المقدرة على تطويع الحوار وكأنه ينسج التفاصيل المرتبطة بالشخوص الدرامية التي قد نلتقي بها يومياً خارج الإطار التمثيلي.

تبدو علاقته بالتاريخ وثيقة رغم إشكالية قراءة الوقائع التاريخية المرتبطة بالسياسة وتشعّباتها وكيفية فهم كل طرف لها، وهو الذي يرى أن أيّ عمل فنّي يشكل انعكاساً للصورة النمطية التي يتكون منها المجتمع مهما كان متنوّعاً.

يرى النابلسي أن لكل دراما ظروفها وبيئتها وجمهورها، ويؤكد أن الأزمة التي تعاني منها الدراما اللبنانية ليست في النصّ إنما في آلية العمل حيث أن المنتج يبحث عن التسويق والربح ولو على حساب أداء الممثل أو كفاءة المخرج.

قد يأخذنا النقاش مع النابلسي إلى مكان يتخطّى النصّ الدراميّ حيث من الصعب فصل قصصنا الدرامية عن واقعنا السياسي المتشابك والمتقلب. ويبقى أن تلعب المصداقية دورها بين السطور.

نبدأ الحوار من إشكالية وضع الدراما في خانة محدّدة بحيث يصبح لكل جمهور خصوصيته حيث أن الطرح الدرامي الملتزم لا يجذب شريحة كبيرة من المجتمع، ليظهر الانقسام حتى حين يتصل الأمر بالأعمال الدرامية. ويقرّ النابلسي أن كل عمل دراميّ هو مادة ملتزمة برؤية الجهة المنتجة له، فيقول: الالتزام مسألة نسبية، هو وجهة نظر بالدرجة الأولى إلا إذا كان النص الدرامي يتناول الأمور التاريخية، أو إذا أخذ الكاتب جزءاً منها بشرط ألا يشوّه التاريخ أو يزوره إنما يسير بما أراد الإضاءة عليه مع الحبكة الدرامية التي تقتضي التشويق وتحفز المشاهد. أحياناً يكون الالتزام مرتبط بالقضية التي يؤمن بها من يكتب النص، وإعلامنا أغلبه إعلام ملتزم، منه ما هو ملتزم دينياً ومنه ما هو ملتزم بقناعات مغايرة. ويبقى الاختيار بين الاثنين مرتبطاً بما يريده الفرد، فهناك من يرى في الدين الملاذ والقاعدة الأساس للتربية والمفاهيم وهناك من يختار العلمانية والنظم الاجتماعية والعدالة الاجتماعية إلى ما هنالك من تفاصيل مرتبطة بهذا التوجه، بمعنى قل لي أيّ جيل تريد أقل لك أيّ إعلام تحتاج.

لكن لماذا نعمل على ترسيخ الانقسام حتى درامياً في بلد متنوع، يجيب النابلسي: إذا نظرت جيداً إلى واقعنا اللبناني سترين أن لبنان ليس مجتمعاً إنما مجتمعات، وهو ليس جماعة إنما جماعات، النظام السياسي الذي وضعه الفرنسي لم يسع من خلاله لأن يدمج المسيحي بالمسلم والعلماني بالمتدين، إنما أراد أن يكون الفرق شاسعا بينهم ليتمكن من إشعال فتيل الخلاف في أيّ وقت شاء، وهذا أمر اشرت إليه في مسلسل «بلاد العزّ»، ونحن في حالة تقسيم معنوي لا جغرافي، يمكن القول أن لبنان كالأب المرتبط بخمس نساء وكل واحدة تحاول جذبه نحوها وبالتالي نصل إلى مرحلة يعمل الزعيم على إخافة أتباعه من الآخرين ولكنه في الوقت نفسه يمارس عليهم نوعاً من الديكتاتورية، والجميع يفعلون ذلك من دون استثناء. لذا لا وجود لنظام سياسي فعلي في لبنان إنما هناك نظام عشائري يرتدي العباءة الدينية ويتعاطى على قاعدة أنه المرجع ويجب أن تتبعه عشيرته، ومن هنا يمكن القول إنه فعلياً هناك أكثر من رئيس جمهورية في لبنان ولهذا السبب رئيس الجمهورية حالة رمزية ومرتبة شرف أكثر من كونها مرتبة فعلية، وهذه الطائفية ماذا ستتنج سوى الثقافات المتنوعة المبنية على الأديان وكل طرف يجترح مبادئه وإيديوليجيته ومساره السياسي من خلال طائفته وللاسف نحن نتعاطى مع الدين السياسي وليس سياسة الدين، ولو كنا نتعامل مع الأخيرة لن نختلف فجميعنا نؤمن بالله والتسامح والمثل العليا إذا المشكلة في الإنسان الذي يحاول أن يلوي ذراع الدين ويجعله في خدمة السياسة.

لهذا نحن في اشتباك مع أنفسنا وفي ظل نظام سياسي لا يستطيع أن يوزع الأمور بشكل متساوِ، ولم تزل الطائفية في النصوص فكيف نخرجها من النفوس.

وبالعودة إلى الدراما يرى النابلسي أنها مرتبطة بما ذكره وبشكل كبير، وعن ذلك يقول:لا يمكن فصل الدراما عن الواقع السياسي القائم، وأعطيك مثالاً على ذلك، مسلسل قيامة البنادق حيث أن الأبطال الموجودين فيها بحسب رؤيتنا هم خونة عند الآخر. وفي المقابل الأبطال الموجودون في دراما ثانية هم خونة بنظرنا، حين تم عرض «قيامة البنادق» تلقيت اتصالات من خارج لبنان يسألونني لماذا لا نعرف هؤلاء الأبطال والرموز الذين قاتلوا الاحتلال في زمن الانتداب الفرنسي، والأمر ينسحب على كل الأمور. الدراما ليست لعبة مرتبطة بالفانتازيا إنما هي تشكيل للصورة الذهنية إذا ما تم الاتفاق على الواقائع التاريخية كما وقعت فعلياً.

المقاومة

وفي ما يتصل بربط المقاومة بالدين وما عداها يتم تغييبه سواء في «الغالبون» أو غيرها من الأعمال الدرامية يجيب النابلسي: لنبدأ من عند «الغالبون» الذي صححته وأشرت فيه إلى لولا عبود وسناء محيدلي وأعرف حجم النقاش الذي طال هذا العمل، ولكن من هنا قيل لكل القوى المقاومة الأجدى بكم أن تكتبوا عن إنجازاتكم وتقدموا لنا اعمالاً درامية كما فعلت الجهة التي أنتجت «الغالبون». ولنخرج من جدلية هذا العمل ونتكلم عن «قيامة البنادق» الذي أخذ جائزة من الاتحاد الأوروبي وتنويه من الأمن العام لأن السياق الدرامي يشير إلى التنوع الديني في المجتمع. في النهاية الكاتب محكوم بالذي يموّل ويمكنه أن يتحكم بالسياق الدرامي حين يكون منتجاً للنص الذي يكتبه. وسأقول لك أكثر، منذ فترة قصدني أحد الشخاص وطلب مني أن أكتب عملاً درامياً يتناول سيرة أنطون سعادع وأنا كتبت نصاً وسيناريو وهو موجود عندي، ولكنّني نصحتهم بالتوجه إلى السينما لأنه وللاسف لن تعرض أيّ قناة عملاً درامياً يروي سيرة حياة سعاده. ومن جهة ثانية كتبت فيلم عن السيد موسى الصدر ولكن المشكلة كانت في من الذي يريد السيطرة على الفيلم ويحقق الربح المادي، والمفارقة أنني فوجئت بأمر مهم وأتمنى أن تذكريه، وهو أن فكر السيد موسى لا يختلف عن فكر أنطون سعاده أبداً، السيد موسى تحدث عن الاسلام العلماني ولكن بالطائفية الملتزمة، مثلما قال سعاده كلنا مسلمون لرب العالمين منا من آمن لله بالإنجيل ومنا من آمن بالقرآن وليس فينا كافراً إلا اليهود، والمؤسف أن من يقدّس السيد موسى لا يعرف عنه شيئاً، المشكلة ليست في الفكر بل في كيفية التعاطي العبثي بين الناس ومحاولة المحاصصة من قبل جميع الذين في السلطة، نظامنا نظام قبلي لا مثيل له في العالم، ولماذا يجب أن تكتب مذهبي أو طائفتي على الهوية؟!

التربية هي الأساس

ويؤكد النابلسي أن الخلل في التربية والتعليم ومن يكتب التاريخ وكيف يكتبه، وهذا الواقع ينسحب على الفن والبرامج التلفزيونية وحتى على الأعمال المسرحية حيث لكل فئة نصوصها المسرحية: نحن نعمل على تجزأة المجزأ، وتقسيم المقسم، ونحن مجتمعات تعيش في غابة اسمها لبنان، كل قناة لها لغتها وأسماؤها، في مكان ما تلفزيون لبنان كان يعتمد أسماء رمادية لا ترمز إلى طائفة بعينها في الأعمال الدرامية القديمة، ولكن هذا الأمر أيضاً لم يعد موجوداً في هذا الزمن المثقل بالتكاذب الاجتماعي.

ويعتبر النابلسي أن الإرهاب فكرة حيث يقول: الإرهاب فكرة إذا أسقطت الفكرة من رأس الإرهابي سيسقط سلاحه، لذلك علينا العمل على الفكر قبل أي شيء آخر، ونحن لا نركز على الفكر إنما نتعلق بمن نصّب نفسه راعٍ أو زعيم علينا ونصفق له ونغضب كرمى له، وقد نختلف بسبب لعبة فوتبول.

ويشدّد النابلسي على أن الدراما التاريخية تعطيك العبرة حيث أن هناك رموز أسست للحاضر، ويأسف أن الخيانة باتت وجهة نظر حيث يتم العمل على تجميل صورة العدو تحت مسميات الإبداع والأعمال السينمائية.

شذرات أخيرة

ويرى النابلسي أن مشكلة أميركا مع كل دول العالم أنها لا تملك أي حضارة لذلك لديها أزمة مع الحضارات.

ويعتبر النابلسي أن محور المقاومة لم يوظف إعلامه بالشكل الصحيح الذي يعزز موقفه، فيقول: إعلامنا منبري أكثر من كونه فاعل، ومن على المنبر نعمل على بثّ الرعب في النفوس ونجعل من الخوف سبباً للايمان بالله، بينما هناك إعلام مضاد يتم تمويله في دول الخليج يروّج للاعتدال ونسيان القضية المركزية وتجميل صورة العدو والهاء الناس بتفاصيل عادية وبسيطة وهو ناجح لإنه مبهر ومدروس.

أما عن سبب نجاح الغزو الدرامي التركي فيقول النابلسي: بكل بساطة الناس سئمت من القصص المعقدة والمشاكل وتريد حدوته خفيفة وقصص حب وحوارات سطحية مع بعض المناظر السياحية والناس تبحث عن التسلية لتبتعد عن البؤس. وللاسف اذا ما عدنا للبحث في مشاكل الدراما اللبنانية أنها تعاني اجتماعياً واقتصاديا وبالتالي هي مسخ وليست نسخاً. وعلى مستوى الممثلين لا ممثلين لدينا، بل استعراضيون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى