لماذا تحتفل «إسرائيل» بعد 11 سنة بتدمير المفاعل النووي السوري؟

د. عصام نعمان

الفرحة تغمر المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين هذه الأيام. الابتهاج سيتواصل إلى منتصف شهر أيار/ مايو المقبل، حيث يبلغ ذروته لمناسبة مرور 70 سنة على إقامة الكيان العنصري، وكذلك احتفاءً بافتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس برعاية دونالد ترامب. إلى ذلك، يحتفل المسؤولون السياسيون والعسكريون، حتى درجة الشجار في ما بينهم، بدور كلٍّ منهم في عملية تدمير المفاعل النووي السوري ؟ منذ نحو 11 سنة، لدرجة أنّ وزير الحرب أفيغدور ليبرمان صرّح من أفريقيا، حيث يقوم بجولة سياسية، انّ الخلاف العلني الذي اندلع بين السياسيين والاستخباريين الإسرائيليين وموجة تبادل الاتهامات في ما بينهم جعلاه يندم على سماحه للرقابة العسكرية بنشر تفاصيل العملية!

لماذا كلّ هذا الضجيج الصهيوني في هذه الآونة؟

ثمة أسباب عدّة، أبرزها ثلاثة:

الأوّل، انتشار الكثير من الظنون والشكوك والاتهامات حول فضائح فساد ورشى مالية منسوبة لبنيامين نتنياهو وزوجته وابنه ما يهدّده بصدور قرار اتهامي عن النائب العام بإحالته على المحاكمة. لهذا الجوّ القاتم تداعياته السياسية والنفسية بطبيعة الحال الأمر الذي استدعى قيام زمرة نتنياهو السياسية والإعلامية بكشف أسرارٍ ونشر أخبارٍ من شأنها شدّ انتباه الرأي العام بعيداً من الاتهامات المتداولة بحقه، وإغراقها بمعلومات ومواقف مفرحة متعدّدة المصادر بغية إشاعة أجواء مريحة عشية عيد الفصح اليهودي، والاحتفال بذكرى قيام الكيان الصهيوني، والاحتفاء بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

الثاني، التغطية على مفاعيل اندحار التنظيمات الإرهابية في غوطة دمشق الشرقية وانسحابها، بمسلحيها وعائلاتهم، إلى محافظة إدلب شمال غرب سورية، وشيوع تقديرات واحتمالات بأنّ الخطوة التالية للجيش السوري ستكون التوجه نحو إدلب لتحريرها من تنظيم «النصرة» وحلفائه.

الثالث، شدّ الأنظار مجدّداً إلى الخطر الأول الذي يهدّد الكيان الصهيوني وهو «إيران النووية»، ولا سيما مخاطر تموضعها في وسط سورية وجنوبها بقواعد صواريخها البالستية وكتائب حرسها الثوري. في هذا الإطار يحرص المسؤولون الإسرائيليون، وخاصةً العنصريين المتطرفين منهم، على إبداء الارتياح لنزوع ترامب إلى إقصاء الوزراء والمستشارين الذين يبدون فتوراً نحو مطلب مواجهة إيران كوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، والى إبراز الابتهاج بتعيين مايك بومبيو خلفاً للأول، وجون بولتون خلفاً للثاني، وكلاهما من غلاة «المحافظين الجدد» المعادين لإيران والداعين إلى مواجهتها عسكرياً.

إلى ذلك، فإنّ للكشف رسمياً عن تدمير المفاعل النووي السوري ؟ بعد 11 سنة على حدوثه دافعين: سياسي واستراتيجي. الدافع السياسي هو تعبئة الجمهور الإسرائيلي عاطفياً وعنصرياً لمواجهة ما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون انّ «حماس» في صدد إجرائه في المستقبل المنظور وهو تنظيم «مسيرة العودة الكبرى» التي سيزحف فيها ألوف الفلسطينيين من قطاع غزة في اتجاه السياج الأمني على حدوده مع «إسرائيل» وينصبون على طوله خيماً بغية «وضع «إسرائيل» في مواجهة تحدٍّ يجمع، من جهة، بين التهديد الأمني المحسوس جرّاء محاولة اجتياز حدود القطاع، ومن جهة أخرى، التهديد على صعيد الوعي ما يضع الردّ الإسرائيلي تحت ضوء سلبي أمام الجماهير التي تستهدفها الحملة « راجع دراسة وضعها باحثان في معهد دراسات الأمن القومي، «مباط عال»، 2018/3/20 .

الدافع الاستراتيجي هو تعبئة الجمهور الإسرائيلي وإعداده لتقبّل الغاية الرئيسة من وراء توقيت كشف تدمير المفاعل النووي السوري ؟ في هذه الآونة وهي، بحسب نتنياهو، «انّ سياسة «إسرائيل» تتمثل في منع أعدائها من امتلاك أسلحة نووية». وزير شؤون الاستخبارات يسرائيل كاتس أكّد انّ كشف أمر تدمير المفاعل السوري هو رسالة واضحة فحواها «انّ «إسرائيل» لن تسمح أبداً لبلاد تهدّد وجودها مثل إيران بامتلاك أسلحة نووية». وزيرة الشؤون الاجتماعية غيلا غمليئيل أكدت بدورها انّ «إسرائيل» «لن تسمح للإيرانيين بترسيخ أنفسهم في الحدود الشمالية، ولن تسمح لأعدائها بأن يصبحوا أقوى أو بتهديد وجودها».

هل يُستفاد من هذه المواقف انّ «إسرائيل» في صدد هجمة وشيكة على إيران، وربما على سورية أيضاً؟

يقول الجنرال عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، إنه في مقدور «إسرائيل» القيام بعمليات من شأنها إرجاع المشروع النووي الإيراني الى الوراء، لكنه يؤكد أيضاً على ضرورة عدم القيام بذلك إلاّ بعد استنفاد جميع الإمكانات الأخرى صحيفة «معاريف» 2018/3/22 .

هل من معيار أو مؤشر يحمل «إسرائيل» على الاندفاع الى الهجوم؟

يقول يادلين إنّ «إسرائيل» تعتمد في هذا المجال «عقيدة بيغن» التي تقضي بأن «لا تسمح «إسرائيل» لدولة معادية تدعو للقضاء عليها بتطوير قدرة تكنولوجية للحصول على سلاح نووي». لكن سورية في سنة 2007 لم تدعُ الى القضاء على «إسرائيل»، ومع ذلك فقد اتخذت القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية قراراً بقصف ما ادّعت أنه مفاعل نووي سوري قرب دير الزور لمجرد الشبهة، كما يتّضح من سرديات الصحف الإسرائيلية وتعليقاتها على اعتراف الجيش الإسرائيلي بذلك في بيانه الصادر بتاريخ 20/3/2018.

لعلّ موقف «إسرائيل» الحقيقي يمكن استخلاصه من مقالة عمير بيرتس، وزير الحرب في حكومة إيهود أولمرت التي اتخذت قرار تدمير المفاعل سنة 2007. بيرتس يشير إلى أنّ «إسرائيل» اعتمدت في الواقع عقيدة مئير داغان ومفادها: «يجب عدم السماح بانتقال المسؤولية عن أمن «إسرائيل» إلى أيّ طرف خارجي حتى لو كان ثمة إجماع جارف على ضرورة العمل الفوري لتدمير المفاعل. ومع ذلك فقد قرّر رئيس الحكومة أولمرت إطلاع الأميركيين على مستجدات الوضع بأقصى سرعة ممكنة « صحيفة هآرتس» 21/3/2018 .

يتضح مما تقدّم بيانه انّ «إسرائيل» تتخذ قرار الحرب بناء على تقديرات قياداتها الأمنية بالدرجة الأولى، لكنها لا تضعه موضع التنفيذ إلاّ بعد إبلاغه إلى الولايات المتحدة للحصول على ضوءٍ أخضر منها. ذلك يؤكد المقولة الراسخة إنّ الكيان الصهيوني هو «إسرائيل الصغرى» وأنّ أميركا هي «إسرائيل الكبرى».

نعم، «إسرائيل الكبرى» هي «الويلات» المتحدة…

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى