الأهداف التركية في سورية… ومصيرها؟

العميد د. أمين محمد حطيط

عندما بدأ العدوان على سورية في العام 2011 كانت تركيا رأس الحربة فيه، لا بل ظهرت عملياً وميدانياً وكأنها هي المدير الإقليمي أو صاحبة المشروع برمّته. وفضح هذا الأمر مؤخراً مسؤول فرنسي سابق، حيث أكد أنّ العدوان على سورية هو قرار أطلسي اتخذ في العام 2010، ويبدو أنّ تركيا بوصفها عضواً في الأطلسي كلفت بقيادته الميدانية وتنفيذه وخلفها تصطف قوى العدوان لمؤازرتها. ولم يكن مستغرباً ان يرسل الأطلسي في السنوات الأولى للعدوان قواعد الباتريوت إلى تركيا لإسنادها ودعم قواها العسكرية.

وفي البدء كان الهدف التركي ومن ثم الأطلسي بكلّ بساطة إسقاط سورية بنظامها وحكمها القائم وإقامة حكومة دمية تسلم القرار للأطلسي عبر تركيا، فتكون تركيا هي الحاكم الفعلي لسورية لصالح الأطلسي وتستفيد بإرساء حكم الإخوان المسلمين لإقامة هلال الاخوان من تونس الى سورية عبر مصر وغزة والأردن فسورية ثم تركيا.

بيد أنّ الصمود السوري الأسطوري أفشل المشروع، وتقلّب الأطلسي بعده بمشاريع لم يكن لتركيا فيها الموقع القيادي الذي أسند اليها في الخطة الأولى، لذلك انتقلت تركيا من العمل ضمن الأطلسي والانضواء في المشروع العدواني العام، الى العمل الزئبقي والتحالفات العرضية أو الظرفية أو المرحلية من أجل تنفيذ مشروع خاص بها يحفظ لها في الحدّ الأدنى جزءاً من أهدافها الاستراتيجية حتى لا تخرج من الميدان صفر اليدين. ولذلك يمكن القول إنّ تركيا اليوم تعمل في سورية تنفيذاً لهذا المشروع التركي الخاص الذي يتقاطع أو يتنافر تارة مع المشاريع العدوانية الأخرى، أو مع الأهداف الدفاعية لمعسكر الدفاع عن سورية تارة أخرى.

وبالتالي لا يمكن القول كما لا يمكن تحديد الهوية الحقيقية لتركيا والقول ما إذا كانت هي عضو أو عدو للأطلسي، أو القول بأنها حليف أو عدو لروسيا وإيران. طبعاً بالنسبة لسورية والحكومة السورية فإنّ تركيا قطعاً تمارس العداء والعدوان بمواصفاته وخصائصه كافة.

ومع هذه الخصوصية التركية وانطلاقاً من السلوك التركي الأخير في عفرين، والذي فيه عدوان موصوف على الأرض السورية واحتلال لأرض الغير ووجود عسكري على أرض الغير بدون رضاه، يطرح السؤال الآن حول الأهداف التركية من هذا العمل العسكري والاحتلال الفعلي، ثم ما هو مصير هذه الأهداف؟

لن نضيّع كبير وقت في مناقشة تلطي تركيا في عملها العسكري في عفرين خلف ما تسمّيه «جيشاً سورياً حراً». فهذه التسمية لا تعدو كونها عبارة ابتدعت لتعمل تحتها جماعات وعصابات إرهابية تنفذ مهام القتل والتدمير في سورية خدمة للعدوان الأجنبي عليها والذي كانت ولا زالت تركيا تمثل جزءاً منه.

ونعود الى أهداف تركيا من احتلال عفرين، وقبل أن نعرض لما نراه من أهداف حقيقية لا بدّ أن نذكّر بما تدّعيه تركيا من أسباب جعلتها تنفذ هذه العملية، وفي طليعة هذه الدوافع تطرح تركيا خشيتها من تمكّن الأكراد من إقامة الكيان الانفصالي في الشمال السوري، ما يؤثر سلباً على وحدتها الإقليمية ويغري الـ 18 مليون كردي تركي بالسلوك ذاته، ما يهدّد وحدة الأرض التركية.

بيد أنّ الردّ على هذه الذريعة ليس صعباً، فبإمكان تركيا أن تصل الى النتيجة ذاتها دون ان تثير الهواجس وتستدعي اتهامها بالعدوان، حيث بإمكانها العمل الصادق مع الحكومة السورية أو مع منظومة رعاية مسار أستانة، لكن تركيا لم تفعل وانفردت بالسلوك الميداني مستفيدة من حاجة روسيا لعلاقة دائمة معها تمنعها من الصدام معها، ومستغلة أيضاً الحرص الإيراني على عدم المواجهة مع تركيا، لأنّ في هذه المواجهة خسارة للطرفين من خلال إذكاء الصراع السني الشيعي الذي تحرص إيران على منعه.

مستفيدة من كلّ ذلك، ومعطوفاً على الوضع الأميركي في سورية، وهو وضع لا يمكن أميركا من الإملاء الصارم على تركيا في أيّ اتجاه، خاصة إذا كانت تركيا تدّعي بأنّ الأمر يعني أمنها القومي، مستفيدة من كلّ ذلك نفذت تركيا عملية عفرين، التي تعثرت في الأسابيع الأولى حتى ظنّ بأنّ تركيا غرقت في وحول ميدانها ثم وبسحر ساحر فتحت الطرق ونجحت تركيا في احتلال المدينة وريفها وتشجّعت لتوسيع مناطق الاحتلال باتجاه الشرق والجنوب. احتلال تريده تركيا لتحقيق واحد أو أكثر من الأهداف التالية:

1 ـ الأقصى من الأهداف، قد يكون سعي تركي لاقتطاع منطقة عفرين بكاملها، كما اقتطعت سابقاً لواء الاسكندرون، ويكون الاحتلال دائماً مع ما يرافقه اليوم من تغيير ديمغرافي في المنطقة تريد منه تركيا تهجير الأكراد وغيرهم وإسكان جماعات سورية من مذهب وقومية محدّدة تتناسب وهدف الاقتطاع.

2 ـ وقد تكون تركيا تسعى لإقامة منطقة نفوذ بعد إحداث تغيير ديمغرافي فيها، يمكّنها من جعل المنطقة من غير اقتطاع من الأرض السورية، جعلها حزاماً أمنياً لها تكون السلطة والإدارة المحلية فيه بيد تركية مع بقاء السيادة النظرية للدولة السورية.

3 ـ وقد يكون الهدف التركي امتلاك ورقة ميدانية سورية قابلة للصرف في العملية السياسية، بحيث تجعل تركيا في موقع مَن يشارك في صياغة النظام السياسي المستقبلي لسورية، كما والتأثير في اختيار الحكومة المستقبلية. وهنا تكون تركيا قد فازت بجائزة ترضية تعوّض لها خسارتها للمشروع في صيغته الأولى، وتكون أمّنت لجماعة الاخوان المسلمين موقعاً في حكومة سورية كما تشتهي.

هذه هي كما نعتقد الأهداف التي قد تكون حرّكت تركيا الى العمل الاحتلالي لعفرين من دون أن نسقط طبعاً العامل الكردي والخطأ الكردي في المسار الانفصالي برعاية أميركية الذي أعطى لتركيا هذه الذريعة وبرّر لها عملياً في وجه أكثر من طرف دولي فعلتها العدوانية بعد أن قدّمتها على أساس أنها ذات طبيعة دفاعية وعمل وقائي لحماية وحدة الأرض التركية.

والآن ما هو مصير هذا الاحتلال التركي لأرض سورية على ضوء ما تقدّم؟

هنا لن نُسهب في الشرح والتفصيل، ونكتفي بذكر قواعد ومبادئ تحكم السلوك السوري الدفاعي. وهي مبادئ تنطلق من القاعدة الأساس المتضمّنة وحدة الأرض السورية وتمام السيادة السورية على كامل الأرض، يليها حق الشعب السوري في اختيار نظام الحكم ومَن يحكمه، وصولاً الى القاعدة الذهبية وهي حق الشعوب والحكومات في مقاومة المحتلّ بكلّ وسيلة متاحة.

وعلى أساس هذه القواعد لا نرى قابلاً للتطبيق أو الاستقرار أيّاً من الأهداف التركية المطروحة أعلاه. ثم انّ تركيا التي لن تجازف بالخروج من الحلف الأطلسي اليوم، لن تحشر نفسها في عداء متفجّر مع إيران وروسيا، وصحيح أنها استفادت من الحالة الزئبقية لتنفيذ عملية عفرين التي رأى فيها الروسي أو الإيراني بعض الإيجابية في مواجهة أميركا، إلا أنها أيّ تركيا لا تستطيع المجازفة والذهاب بعيداً في هذا الاتجاه. فالاحتلال التركي لعفرين عارض مؤقت، وكما حرّرت الأرض السورية من الإرهاب ستحرّر حتماً من العدوان التركي الاحتلالي.

أستاذ جامعي وباحث استراتيجي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى