لمَن لم يقتنع: ترامب انتهت المهمة

ناصر قنديل

– تتحدّث تحليلات كثيرة عن استراتيجية خطيرة تقف وراء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرب الانسحاب من سورية، ويصل أغلبها لنظرية تقوم على نيات أميركية بإلغاء التفاهم النووي مع إيران وربّما توجيه ضربة عسكرية لها، وربط الانسحاب من سورية بجعل القوات الأميركية في العراق وسورية خارج توقّعات الاستهداف من قبل إيران وحلفائها باعتبارها خاصرة رخوة. والبعض يقول إن الربط يأتي من موقع تخيير روسيا بين صفقة تبتعد بموجبها روسيا عن إيران وتنال نصيبها بربح سورية، وإلا فالانسحاب الأميركي هو تهديد بتحويل سورية لمستنقع استنزاف لروسيا. فيما بعض ثالث يعتبر كل الكلام عن الانسحاب بلا قيمة ومجرد نزوة انتخابية أمام ناخبين لم تتحقق لهم وعود الاهتمام بالشؤون الداخلية كما تضمنت الحملات الانتخابية لترامب، فجاء الحديث عن الانسحاب لإرضائهم بوعد العودة نحو الداخل الأميركي.

– بعد قرار ترامب تجميد الأموال المخصصة للملف السوري وقيمتها مئتا مليون دولار وحديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمنيه على الرئيس الأميركي إعادة النظر بقرار الانسحاب القريب من سورية، سقط منطق التهوين من قيمة وجدّية الكلام الرئاسي الأميركي، وإلا فإن عدم جدّيته تجعله حرباً نفسية غبية يشنّها ترامب على حلفائه، أما التفسير الذي يربط القرار الأميركي بخيارات تصعيدية فيتجاهل دعاته من زاوية قراءتهم للقرار تحريراً للقدرة الأميركية من خطر العمليات الانتقامية، أن أصعب نقاط الضعف الأميركية في أي مواجهة مع إيران هي المصالح والقوات الأميركية في الخليج، أما أصحاب التحليل القائم على تحذير روسيا عبر الانسحاب من مغبة إغراقها في مستنقع استنزاف في سورية، فيتجاهلون أن أربع سنوات مضت كانت عنوان هذه الحرب، من ولادة داعش إلى حسم الغوطة، وأن الرد الروسي على الخيار الأميركي كان في الميدان ووصل حدّ التهديد بالردّ على حرب صواريخ بحرب مثلها، وما هي أدوات الاستنزاف ما لم تكن داعش والنصرة وجيش الإسلام وفيلق الرحمن، وأين هي الآن وماذا حلّ بها؟

– القرار الأميركي جدّي، وهو إعلان نهاية المهمة في سورية. المهمة التي كان يقرر مدة استمرارها ما هو أهم من كذبة قتال داعش، وأهم من التحقق من طبيعة التسوية في سورية. وهو بالتحديد مصير السيطرة على الغوطة بواسطة حلفاء لواشنطن تديرهم السعودية والإمارات وقطر وتركيا و«إسرائيل». والغوطة هنا هي الجزيرة الأميركية الواقعة على كتف دمشق، والمستعصية على الجيش السوري خلال سنوات، والمحتوية لنصف مليون مواطن وخمسين ألف مسلح، والمزوّدة بشبكة أنفاق تحصنها ضد خطر القصف البري والجوي، وتجعل أغلب ضحاياه من المدنيين. وهو ما يسهل تحويله لحملات دبلوماسية وإعلامية ضاغطة، وربما تزخيمه بضربة كيميائية مفبركة لتوجيه ضربات عسكرية توقف أي حملة عسكرية. والرهان كان على صمود الغوطة بوجه أي حملة عسكرية لشهور بدليل صمود حي جوبر وحده لسنوات، وبقاء الغوطة محمية يعني بقاء الأمل بغزو دمشق ذات يوم وشلّ الحركة فيها كل يوم، وبقاء الأمل بتقسيم سورية عبر ربط الغوطة بقاعدة التنف وبينهما بادية لا سكان ولا مدن ولا قرى فيها، فتنشطر سورية إلى شطرين شمالي يضمّ حمص والساحل وحماة وحلب، وجنوبي يضم دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء، وعبر البادية تحاصر الغوطة المحاصرة دمشق بمربع الغوطة القلمون الشرقي التنف درعا، ومثلث الغوطة القلمون الغربي القنيطرة درعا، ومع حسم الغوطة رغم كل ما بذل لحمايتها، تسقط آخر القلاع ومعها آخر الآمال.

– يقرأ الأميركيون معنى العملية التي استهدفتهم شرق سورية ومقتل إثنين من جنودهم بعبوة ناسفة، ويعلمون أنه بعد الغوطة سيصير استرداد باقي الجغرافيا السورية حاضراً بقوة على جدول أعمال الدولة السورية ومؤيديها، وأنه حتى لو كانت هذه العملية من فعل جهة لا تتصل بمشروع الدولة السورية، فإن مثلها آتٍ ضمن مقاومة أعلن عن تأسيسها في شرق سورية، ولواشنطن خبرة مع مثيلاتها في لبنان والعراق، ولا تحتاج انتظار الانسحاب الذليل لتعرف كيف تتصرّف، وقد انتهت المهمة وسقط المشروع.

– أليس لافتاً أن يتحدث إبن سلمان في تصريح واحد عن تمني تأجيل قرار الانسحاب الأميركي، والتسليم ببقاء الرئيس السوري، ليتوضح المشهد، أنه انسحاب لأن المشروع قد فشل، والمشروع هو إسقاط الرئيس السوري؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى