حزب الله ما بعد الانتخابات: وفاء «لوعد» نصرالله؟

روزانا رمّال

ربما تكون المرحلة المقبلة هي الفرصة الأولى من نوعها التي يمكن الحديث فيها عن متغير أساسي لصالح حزب الله وحلفائه في المنطقة بعد انتخابات عام 2009 التي لم يستطع فيها تأمين الأغلبية النيابية مع حلفائه، بعد انفراط عقد الحلف الرباعي الشهير وبعد الانسحاب السوري من لبنان صارت البلاد واقعة ضمن نفوذ غربي سعودي بحت كان على حزب الله مهمة التصدّي له وحلفائه.

لم تكن المهمة سهلة على الإطلاق منذ انسحاب سورية، فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري واجه حزب الله المحكمة الدولية ولا يزال يتلقى تداعياتها، إضافة الى معركة «داتا الاتصالات» عام 2008. وربما لسوء حظّ خصومه تدور أحداث الانتخابات النيابية المنتظرة في أيار على مقربة من ذكرى هذا النهار الذي ذكّر كثيرون بسطوة سلاح حزب الله وهالته آنذاك بعد أن تمّ استغلاله فزاعة في الداخل. هذا الملف تحشد لوائح بيروتية حريرية ومؤيدة للمجتمع المدني ومعه الوزير السابق أشرف ريفي الناس على أساسه وتجد فيه إمكانية في جذبهم نحو الصندوق، على الرغم من عدم القدرة على التوحد في لوائح واحدة الحاجة اليها أكثر في ظل القانون الجديد.

واجه حزب الله أيضاً طرد الشيعة من الخليج أي الضغط على بنيته المموّلة في دول الاغتراب. القصة لا تتعلّق بالخليج فقط فقد كشفت مصادر موثوقة لـ «البناء» أن «رجال الأعمال المؤيدين لحزب الله في أفريقيا هم تحت عين أكثر من جهة أمنية واستخبارية، ومنهم من يتم القاء القبض عليهم او خطفهم او حتى مراقبة حركة أموالهم. وهذا كله يتعلق بدورة أمنية تجريها «إسرائيل» في دول حليفة تتعامل معها لمراقبة الثقل الشيعي في الاغتراب». وهذا يعني ان الضغط لم يكن محلياً على قاعدته الشعبية بل خارجي ايضاً وكل هذا يصعب عليه المهمة أكثر.

بالرغم من كل ذلك خاض حزب الله معركة كبرى في قتال الإرهاب أو بالأحرى معركة الوقوف جنباً الى جنب وكتفاً الى كتف الى جانب حلفائه الذين وقفوا معه في حروبه وأزماته. كما يقول، هو الحزب الذي يسوّق لفكرة «الوفاء» في زمن صارت هذه الفكرة غير مشجّعة بالنظر الى المصالح والخسائر والحزب الذي يؤيد الانسجام الاستراتيجي بكافة متطلباته يخوض اليوم انتخابات نيابية اساسية بالنسبة إليه. فمن المفترض ان تكون قاعدته الشعبية هي الأكثر عرضة للامتحان الكبير، هل لا تزال شعبية حزب الله، كما كانت بعد كل هذا؟

هل كل شيء كما كان بعد أن سقط للحزب عدد كبير من العناصر المقاتلة اللبنانية من القاعدة «الشيعية» في سورية؟ هل بدأ التململ في الساحة هذه؟

حاولت وسائل إعلام كبرى الغوص في هذا المتغير ومن بينها «إسرائيل» التي تعاطت مع المسألة باهتمام كبير. فالضغط الشعبي على حزب الله هو إحدى أدوات الضغط الذي عملت عليه «إسرائيل» مع الولايات المتحدة في سورية لإرهاقه وفكرة استنزاف بعض المعارك وإطالة عمرها واقعة ضمن هذا الإطار، حتى أن التعذيب والتنكيل بجثث عناصر حزب الله وإرسال فيديوات مصوّرة إلى أهاليهم هما جزء من هذا «التقليب» المعمول عليه بجهد في هذه المعارك.

كل هذا لم يغير شيئاً عند تلك العائلات. وبالأحرى هم يعتبرون الانتخابات في 6 أيار استحقاقاً يعنيهم مباشرة. أي أنهم سيعيدون الوفاء بل إن جزءاً من تضحيات أبنائهم الذين رحلوا من اجل هذا المبدأ. وهذا يعني ان الحزب الذي من المفترض ان تقسمه حرب ضروس وتنخر تكوينه العسكري والشعبي والبنيوي ليس أمام اهتزازت من هذا النوع، بل على العكس. الانقسامات بدت على وجوه خصومه وتكوينات أحزابهم وكوادرهم. فالانقسام في الشارع السني واضح بين بيروت وطرابلس والشمال والانقسام المسيحي في 14 آذار صار أعمق من أي وقت مضى، بعد أن تقدم البعض منهم الى التحالف مع لوائح مؤيّدة لسورية منها لوائح تيار المردة، وبعد أن ساءت العلاقة مع الحريري نفسه.

بعد الانتخابات النيابية يكون حزب الله أمام لحظة تاريخية تجسّد تفوقه السياسي، هذه المرة بعد العسكري، خصوصاً أن هذه المعركة تتوازى مع تحرير أغلب الأراضي السورية الاستراتيجية وآخرها الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق. وكل هذا يضخ زخماً أكبر للمرحلة المقبلة فهل سيقدم تنازلات في تشكيل الحكومة مثلاً؟

وعلى أن الرئيس الحريري يحتاج إلى أصوات الحزب لتسميته رئيساً من جديد، فهو على موعد مسبق أن المرحلة هذه ليست كتلك ما قبل الانتخاب لأنها أولاً حكومة العهد الجديد، «العهد» الذي يعتبر حليفاً لحزب الله. والحكومة الجديدة هي حكومة العهد الأولى والمرحلة الجديدة مرحلة انتصار سورية حليفة الحزب من دون قدرة أميركية على نسف الاتفاق النووي مع إيران، بالرغم من كل الضغط الأميركي الكلامي الذي يبدو اليوم على وقع هزائم واشنطن تجاه الروس والسقف العالي في الكباش الدبلوماسي الأخير كخطاب مطلوب لنثر الغبار على كل المتغيرات المقلقة للأميركيين الذي سيخرجون من سورية بدورهم قريباً.

التساؤل عن حزب الله ما بعد الانتخابات مشروع، وعن وضعه المحلي وتحالفاته الدولية وفي الجانب الحكومي. هل سيكتفي حزب الله هذه المرة بوزارات عادية بحقائب تسمّى «غير سيادية؟»؟ هل سيصرف فائض قوة حلفه الدولي محلياً ويجيرها لحلفه؟ هل سيتقدّم المشهد على أساس انه لاعب اساسي في عمق مؤسسات الدولة؟

إذا كان نصرالله أعلن بين وعوده الانتخابية انه متجه نحو مكافحة الفساد، فهل هذا يعني أن حزب الله يتجه نحو الوزارات السيادية؟

الأكيد أن هذا «الوعد» وراءه رؤيا من هذا النوع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى