قمة «الظهران» استمرار للعدوان الأميركي بأساليب جديدة

د. وفيق إبراهيم

يكرر بعض العرب حكاية «أبي ريغال» الذي أرشد جيش أبرهة الحبشي إلى طريق مكة ليحتلها ويدمّرها قبل الإسلام.

هذا حال الذين اجتمعوا في مدينة الظهران السعودية في القمة العربية التاسعة والعشرين الذين جسّدوا دور أبي ريغال مزايدين عليه في العمالة للمستعمر.. بدءاً من منتحل صفة أمين عام جامعة الدول العربية أبو الغيط مروراً بأولياء نعمته السعوديين والقطريين والإماراتيين عبوراً إلى كل حكام الخليج والسودان واليمني عبد ربه منصور هادي الذي يزعم أنه رئيس اليمن بتوكيل وهابي، من دون التفاضل عن عبقرية الرئيس السيسي الذي اكتشف أنّ هناك دولة إقليمية استغلت غياب النظام العربي وثبتت بين شعوبه نفوذاً واسعاً لها، متناسياً أنّ هذه الدولة منعت سقوط لبنان وسورية والعراق والقضية الفلسطينية.

هي إذاً قمة «لعربان» أميركا، انعقدت بعد فشل الضربة الأميركية ـ الفرنسية، البريطانية على سورية.. فما هو جديدها إذاً؟ لأنها لا تختلف شكلاً عن قمم سابقة كانت أميركية السياسة والوجهة بشكل كامل، وسعودية وقطرية التنفيذ عند التعريب.. ألم تطرد القمم السابقة سورية ومنعها من حضور جلساتها؟.. ألم تعتبر إيران عدواً قومياً ومذهبياً للعرب، وجنحت نحو تطبيع العلاقات مع «إسرائيل». ودعمت الإرهاب بكل مكوّناته واتجاهاته بكل ما امتلكت من مصادر قوة بغطاء أميركي، أوروبي كامل؟..

يصادف أنّ معظم دول قمة الظهران ذهبت في اتجاه اتهام إيران بتدمير المجتمعات العربية، ورأت أنّ أنصار الله يدكّون اليمن، وأيّدت من دون أنّ ترُّفَ لها جفون، العدوان الغربي على سورية، لكنْ أبو الغيط نسيب أبي ريغال والمتحور من صلبه، ذهب بعيداً باتهامه الدولة السورية بذبح السوريين وفتح الطريق للاستعمار الإيراني.

هذه هي المناخات التي تكشف العلاقة بين العدوان على سورية واستمراره بواسطة قمة «الظهران»، مع المزايدة على الغرب باستعداد أكبر ضد محور المقاومة من اليمن إلى العراق فسورية ولبنان. ما يدلّ على مدى الأزمة التي تعتري السعودية خصوصاً، والنظام الخليجي عموماً، من نجاح العراق بالقضاء على الإرهاب وتمكّن اليمن من صد الزحف الدولي ـ السعودي على أراضيه.. وارتفاع الدور الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بدعمها الشعوب وقضاياها وليس الأنظمة المرتبطة بالمحور الأميركي ـ السعودي ـ الإسرائيلي لكن جديد هذه القمة، لا يُخفى على اللبيب. فهي تلبي أولاً الذعر الخليجي من دول الجوار في المحور اليمني ـ العراقي ـ الإيراني. فتطلق خطباً عصماء تلعب دور المسكنات الآنية، وتفتح الطريق لأمثال السيسي والبشير وحكام جيبوتي وجزر القمر، لِما أسماه أمير قطر في واحدة من خطبه الرائعة، «بالرزّ في الخليج»، حين قال إنّ دول الخليج لديها فائض أموال كـ «الرزّ».. وها هو وجد الفرصة مناسبة لأكل «الرزّ» في قمة الظهران بمجرد أنّ يثني على كلام الملك سلمان وإبداعات «مواطنه» أبي الغيط.

كل ما سبق لا يشكّل جديداً.. بقدر ما ينتمي إلى كلاسيكيات القمم العربية المؤيّدة برتابة تاريخية للسياسة الأميركية. وجديدها هو ثباتها على استعداء محور المقاومة وروسيا، إنما بلبوس.. فلسطيني، هذه المرّة.. وهنا تكمن المفاجأة. فقد ورد على لسان ولي الأمر السعودي أنّ العرب مصرّون على دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية. رافضاَ تهديدها ومستنكراً القرار الأميركي باعتراف الولايات المتحدة الأميركية بيهودية القدس، وأيّده في مستجدّاته معظم الحاضرين من الرؤساء بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.. الذي أشاد بالملك سلمان فاتحاً هجوماً صاعقاً على منظمة حماس باتهامها بمحاولة اغتيال رئيس حكومة السلطة.

ويمكن استخلاص مستجدّات السياسة الأميركية في قمة «عربان الظهران»، بأنّ واشنطن تريد إعادة تذخير وتمتين جبهة حلفائها العرب.. وهذا غير ممكن، إلا بعودتهم إلى شعارات فلسطين وضرورة تحريرها.. وهذا لا يسيء إلى المشروع الأميركي بل يعطي «عربانها» مناعة وقوة وحقاً في تحديد الصديق من العدو. والدليل أنّ الرؤساء الحاضرين ربطوا بين دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وبين تحديد الأعداء الذين هم سورية وإيران واليمن.. على أنّ تتولى القمم اللاحقة اعتبار روسيا والصين أعداء دوليين للحقوق العربية النائمة في جلاليب القرون الوسطى، لذلك لن تتأذى واشنطن من وقوف «أزلامها» «سطحياً» ومن دون أي فاعلية في وجه مشروع تهديد القدس.

وبموجب نظام الأولويات، يمسك حكام الخليج ومصر والسودان وسلطة عباس بالملف الفلسطيني في اليد اليسرى الخجولة، ويرفعون العداء لمحور المقاومة في يد يمنى تهلّل وتسّبح وتكبّر.. أليس هذا المطلوب؟.. بالإضافة إلى أنّ البيت الأبيض يعرف أنّ الدول العربية تستطيع بعد مدة ومعها الرئيس أبو مازن من التغاضي عن يهودية القدس مقابل قرية أبو ديس العاصمة المرتقبة لـ»مخترة» الرئيس عباس.

نحن إذاً مقبلون على تغطية الانهيار بلبوس «فلسطين»، وتعمية التخاذل وتغطية العدوان الأميركي الكبير على المشرق العربي بلباس فلسطيني يشرعنُه أبو مازن الذي يريد إنهاء مسألة فلسطين بأي شيء ممكن حتى ولو اقتصر على زقاق «وزنقة» في إحدى حارات رام الله..

ما يمكن هنا استنتاجه أنّ فشل العدوان الإسرائيلي على سورية وإجهاض أبعاده الكيماوية، يدفع نحو استيلاد محور جديد أميركي ـ أوروبي ـ خليجي وعربي، بدأت ملامحه الغربية تتضح شيئاً فشيئاً، يعمل من أجل التمديد للأزمات في المشرق، مصراً على إنهاك الدول الوطنية لعلها تسقط لأسباب اقتصادية أو داخلية مختلفة. فـ «الرز» الخليجي يتناثر على البلدان التي تشهد انتخابات في العراق ولبنان وتونس بهدف إنجاح موالين للرياض قابلين للالتحاق بالمحور الأميركي ـ الإسرائيلي.

وأخيراً، فإن ورقة فلسطين هي الأخيرة التي يستطيع الأميركي ـ السعودي أنّ يستعملها لتأخير اعلان هزيمته، لكن تغيير المتوازنات العسكرية الجديدة يحتاج إلى حروب أكبر من مجرد عدوان فاشل أو تحرّك سعودي بدأت تنضب قواه.. وإذا كان هجوم أبرهة على مكة لم يقضِ على دور هذه المدينة التي عادت بعد مدة قصيرة إلى تنظيم فتوحات كبيرة شملت إثيوبيا، فإن محور المقاومة لن يتأخر في القضاء على المحور الأميركي لإعادة الاستقرار والازدهار إلى العالمين العربي والإسلامي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى