تداعيات اجتماعية للاقتصاد السياسي النيوليبرالي في مصر 2

د. محمد أشرف البيومي

مأساة البحث العلمي

انطلقت الدعوات لنقل التكنولوجيا الذي كان في الواقع استهلاك سلع تكنولوجية حديثة مثل التليفون المتنقل ثم المحمول ثم الأيباد وغيرها ورفع شعار «العلم والإيمان» فكان شعاراً زائفاً لاعلاقة له بالعلم أو بالإيمان.. اللهم إلا شعارات دينية كثيفة لا تعكس مدى التدهور الأخلاقي في التعامل بين البشر والفساد وغياب الاهتمام بمكارم الأخلاق.

تكرّرت المؤتمرات الرافعة لشعارات علمية وتضاعفت شهادات الدكتوراه في العديد من المجالات العلمية ولكنّ الواقع يؤكد أنها حركة من دون تقدم يمكن الرجوع إلى الدراسة المستفيضة لأوضاع العلم في الأمة العربية للدكتور أنطوان زحلان 7 . في مقال نشر في «الأهرام الاقتصادي» في 15 نوفمبر 1982 بعنوان «قضية البحوث العلمية المشتركة والمنهج العلمي في المعالجة» 8 للردّ على مقال لرئيس الأكاديمية العلمية المصرية نشره في الأهرام في الأول من نوفمبر من العام نفسه والذي حدّد فيه الأسلوب الذي يتبنّاه والذي، حسب اعتقاده، «ينطبق على الحالات التي لا يمكن للدولة أن توفر المناخ الملائم لنمو البحث العلمي خاصة التطبيقي» وهو «أسلوب البحوث المشتركة كعلاقة جديدة بين العالم المتقدم والعالم النامي» واستطرد قائلاً: «لا بدّ أن يفترض أنّ الدولة المعاونة على المستوى السلوكي والأخلاقي الذي تقتضيه العلاقات الدولية وتوصيات الأمم المتحدة…» كما اتّهم المختلفين معه «إما بالأنانية أو بتشكيك في أنانية القائمين على البحث العلمي أو بتشكيك في قدرة أجهزة التنظيم والرقابة، وأما تكون هذه الحملة جزءاً من حملة خارجية دفعت بخبث عن طريق مواطنين لحرمان مصر من الأسلوب المقبول عالمياً وقتئذ كان رئيس تحرير المجلة وطني جليل هو د. لطفي عبد العظيم ما أتاح الفرصة لنشر مقالات معارضة .

تداعيات «الانفتاح» اجتماعياً

إنّ تداعيات «الانفتاح» الاجتماعية كثيرة وخطيرة منها: انتشار الفساد وتبريره، ازدياد العنف، صعود قيم مادية وتراجع قيمة الثقافة والمعرفة، الفهلوة والكسب السريع غير الملتزم بقواعد أخلاقية، عدم اتقان العمل، تفكك الأسرة، سيادة الفردية والأنانية والذاتية. ومما لا شك فيه أنّ هجرة العمال المصريين الكبيرة في السبعينات كانت لها آثار عميقة فقد ساهمت في حراك اجتماعي هائل بسلبياته وإيجابياته. كان من سلبيات هذه الهجرة تفكُّك الأسر نتيجة غياب الرجال عن أسرهم فترات طويلة.

أصبح النموذج الأجنبي في الممارسات والجمال شعر أصفر وأحمر والملبس انتشار الباروكة والبوتس قبل موجة الحجاب والزبيبة ثم بدأ خليط من النهجين في تحايل يلبي ولع بتقليد الغرب مع الحفاظ على مظهر الإسلام الوهابي فترى فتيات يشترون البلوجينز الممزق وتحته بنطلون، وعند الذكور تسريحات شعر تقليد أميركي بدلاً من صلعة تيلي سافالس السابقة. صاحب كلّ هذا ارتفاع سنّ الزواج بسبب الضغوط الاقتصادية ومع تقدم سن الزواج رأينا مشاهد الانحلال وظاهرة زواج فتيات شابات لرجال أكبر منهنّ بكثير لكنهم يمتلكون القدرة على الزواج مما سبّب مشاكل لا حصر لها.

كما سادت حفلات أعياد الميلاد والبذخ عند الطبقات القادرة، والمناسبات الجديدة الهادفة إلى مزيد من الاستهلاك ورفع قيمة المادة. انتشرت الخرافة واختزال الدين في طقوس وشعارات والعلاج بالقرآن واكتشافات علمية وهمية تزعم علاج فيروسات والسرطان والإيدز والعجز الجنسي والكآبة في آن واحد مثل اختراع ما سمي بجهاز الكفتة .

ومن الملاحظ أنّ آثار الانفتاح في المجال الاجتماعي متناقضة وكأنّ المجتمع فقد عقله، ففي المرحلة الأولى من الانفتاح وجدنا الانكباب الشديد وغير المعهود على تقليد اللباس الغربي من فساتين بالغة القصر وبلو جينزات وبوتس وباروكة الرأس، خصوصاً الصفراء والحمراء المستوردة إلخ.. من الكماليات. كما انتشرت موجة تعبيرات انفتاحية مثل ماشي، إن شاء الله، لحدث مضى، تقريباً في غير موضعها، جزاك الله خيراً، قدر الله ما شاء فعل، ولا يهمك، مايهمكش، الشكر لله، مش مشكلة»، «نوبروبلم « تنطق «no broblem» – شهيصني، سوري بدلاً من آسف، والأدعية كرسائل تليفونية وفي المصاعد وعند قلوع الطائرات، الأذان المتعدّد بالميكرفونات العالية والمتداخلة، فوضى الألقاب فبدلاً من سيد وسيدة أو أستاذ وأستاذة تستخدم العديد من الألقاب من دكتور إلى باشا إلى حاج إلى باشمهندس… إلخ.

انعكست ثقافة «الانفتاح» على الخطاب السياسي والديني والثقافي والمجال الفني مثل السينما والأغنية والكتب المعروضة في الشوارع. جاءت هذه التداعيات على النقيض من حقبة البناء والتمسُّك بالسيادة الوطنية. تميزت الأفلام والأغاني السائدة في زمن «الانفتاح» بالسطحية والابتذال والرسائل السلبية وقيم الأنانية وعدم الاكتراث والعنف.

كما انتشرت الإعلانات الضخمة والكثيرة لمنتجات غربية مثل «كنتاكي» و«ماكدونالد» و«شويبس» وصاحبتها إعلانات دعائية تمجِّد «السلام» وتبشر المصريين بسنوات الرخاء المنتظرة. ومن الملاحظ استخدام اللغة الإنكليزية في الكثير من الإعلانات وتغير لافتات المحلات من أسماء عربية إلى أسماء أجنبية بل حتى الأسماء العربية باتت تكتب بالإنكليزية. ومن المثير للأسف انتشار الإعلام الأميركية والبريطانية ودول حلف الناتو على السيارات. كما انتشرت الفانيلات المكتوب عليها عبارات سخيفة أو أسماء مدن أجنبية كلندن ونيويورك وباريس وأسماء نوادي رياضية أجنبية. امتدّ ابتذال الإعلانات وتضاعف حجمها وعددها حتى أصبحت ملوثاً كبيراً للشوارع الرئيسية، كثير منها دعايات لانتخابات نوادٍ وأخرى للأطباء مثل إعلان على كورنيش الإسكندرية عن علاج أمراض الشرج والبواسير وأخرى تعلن أنّه الدعامة والحلّ الأكيد للعجز الجنسي. كذلك تزاوجت الإعلانات عن المنتجات بالشعارات الدينية مثل «الله أكبر» و«الحمد لله «.

كما انتشرت الإعلانات الدينية من قبل الشركات، فعلى سبيل المثال، نصب بدر صاحب شركة بدر لتوظيف الأموال إعلاناً ضخماً أعلى إحدى العمارات في كورنيش الإسكندرية عبارة عن آية قرآنية تتعلق بغزوة بدر وهي: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

مقاومة سياسات الانفتاح والتنبيه من المخاطر

تمثل المعونات والديون الأجنبية أداة فعالة للهيمنة على البلاد المستهدفة واحتواء التقدم الاجتماعي فيها بما يخدم أولويات القوى المهيمنة. هذا ما أثبتته دراسات متعدّدة 9 عن دور المعونة الأمريكية لمصر والتي صاحبت اتفاقية «السلام. «فبعيداً عن الادّعاء السخيف بما يسمي بنظرية المؤامرة فالتخطيط والممارسة والنتائج يستحيل إنكارها».

من أهداف المعونة الأميركية لمصر خلق شريحة من المستفيدين من برامجها بحيث يصبح أفراد منها وكلاء لشركات أميركية وأخرى دولية وترتبط مصالحهم بالمصالح الأميركية ويتبنون أولوياتها. كتب الصحافي الأميركي جاك أندرسون عدة مقالات في صحيفة الواشنطن بوست في مايو 1981 حول المستفيدين الأساسيين من المعونة الأميركية لمصر ووصفهم بـ«القطط السمان» ومن الواضح أنّ هذا الهدف قد تحقق بدرجة كبيرة وأصبح من يسمّون برجال الأعمال، أحد مراكز القوى المهمة في مصر الآن.

«وبعكس تصريحات التوجهات الجديدة التي تعلن أنّ الفقراء لهم «الأولوية العليا»، تقول وكالة التنمية الدولية AID بوضوح «إنّ مشروعات التسليف لم يكن يقصد بها ولم تنشأ لتلبي احتياجات المنشآت التجارية الصغيرة» « كما صاحبت نشاط الوكالة حملة مكثفة وواسعة منذ منتصف السبعينات لدراسة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والديموجرافية والإدارية في مصر ومسحها بواسطة المعاهد ومراكز البحوث والجامعات الأمريكية» وبتمويل من الـAID . كذلك استخدمت المعونة كممر للتطبيع مع العدو الصهيوني. «وقد كان اتفاق سيناء الذي تبع حرب أكتوبر 1973 حافزاً لتدفق المعونات الاقتصادية للشرق الأوسط لمساندة السلام « المكتب الأميركي للمحاسبات كما كانت المعونة حسب مصادر الـAID نفسها وسيلة لتنشيط التجارة الأميركية، «لقد كان برنامج استيراد السلع بين الطرق الأساسية للتجارة الأميركية الواردة على السوق المصري».

«إنّ برنامج المعونة الأميركية لمصر قد صمم فعلاً على ضوء مفاهيم حكومية أميركية محدّدة «للسلام» و«الاستقرار». فهذه المفاهيم تضمّ «التطبيع» مع العدو الصهيوني و«العلاقة الخاصة مع الصديق الأميركي» و«الانفتاح»، أي دمج مصر في الفلك السياسي الأميركي والسوق العالمي الذي تتمتع الولايات المتحدة بالهيمنة عليه. وبالدرجة التي حققت المعونات الأميركية الأهداف المتضمنة في هذه المفاهيم، يقاس نجاحها من قبل مؤيدي هذه المعونة.

وتستمر «أما بالنسبة للذين يرفضون التعريف الحكومي للسلام والاستقرار ويربطون إطارهما الكامب دافيدي بالتبعية فإنهم يعتبرون المعونة الأميركية والتحولات المرتبطة بها عقبة في طريق التنمية القومية المستقلة. فالمعونة الأميركية، ضمن الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية لحكومة الولايات المتحدة، تعتبر أداة لتحييد مصر وحجبها عن دورها القيادي في حركة التحرُّر العربي، وعن التنمية المستقلة». 9

رافقت الانفتاح ظاهرة خطيرة «Dumping» بمعنى إلقاء بضائع فاسدة وضارة بالصحة وبالتالي غير مقبولة لدي الدول الصناعية وممنوع تداولها، تلقى كالقمامة لتستخدمها دول أخرى. أسوق بعض الأمثلة على رأسها مبيد الجالكرون Galecron المسبب للسرطان والذي تنتجه شركة سيبا – جايجي السويسرية للأدوية والتي اعترفت بآثاره السيئة على أطفال مصريين نتيجة لرش المبيد عليهم. كذلك كتب توماس لبمان Thomas Lippman في صحيفة «واشنطن بوست» عام 1976 حول مبيد اللبتوفوس Leptophos الذي تسبّب في وفيات بمصر في نفس العام 10 . وبالطبع تواطأ مصريون مع الشركات الأجنبية في هذه الجرائم من أجل الكسب المادي على حساب أرواح المواطنين. وفي نفس الوقت، تصدى بعض المصريين لهذه الجريمة يطول الحديث في هذا الموضوع وتفاصيله المتناولة في كتابات أشرف البيومي 11 وكتابات سهير مرسي 12-14 كما ساهم بعض الشرفاء من الأجانب في فضح هذه الجرائم.

وفي عصر الانفتاح استخدم المصريون كفئران تجارب حيث قامت النامرو Naval Medical Research Unit-3 m NAMRU-3 بالقيام بتجريب مادة مسببة للسرطان على مئات الفلاحين من زارعي الأرز في محافظتي الفيوم والبحيرة وذلك لاختبار كفاءتها في قتل قواقع تعيش فيها البلهارسيا.

كما كانت هناك محاولات لدفن نفايات كيمائية سامة ودفن مواد مشعة خطيرة في مصر. وتعرض بعض نساء مصر في الثمانينات إلى تجريب مانع للحمل اسمه نوربلانتNorplant يزرع تحت الجلد وله تأثيرات صحية واجتماعية سلبية لا تعرف النساء بها 15 . كما تمّ في ظلّ إضعاف الدولة أجهزة الرقابة استيراد مواد غذائية ملوثة اشعاعياً بعد حادث «شيرنوبل». وقد تصدت لها كلية العلوم بجامعة الإسكندرية وكاتب هذه الدراسة الذي انتقد بشدة إهمال السلطة وتواطؤها كما جاء في مقال نشر بالأهرام عام 1986: «إن محاولة السلطة إخفاء الحقائق والتستر على المشاركين في هذه الصفقات المشبوهة وإصدارها للبيانات المتناقضة، تؤكد أنّ هناك خللاً خطيراً في أجهزة الرقابة». 16 .

تداعيات الاعتماد على آلية السوق في أميركا

لا تقتصر مساوئ تبني سياسة مستندة على قوى السوق دون قيود على بلادنا بل إنّ آثار هذه السياسات السلبية واضحة كلّ الوضوح في الولايات المتحدة الأميركية التي تشهد معارضة لهذا المنهج الاستغلالي. وبذلك يصبح من المفيد عرض موجز عن تداعيات هذه السياسات.

أثناء الحرب العالمية الثانية وفي أعقابها، وفي ظلّ سياسات فرانكلن روزفيلت وتصاعد الإنتاج الصناعي والإعمار ودور الحكومة الفدرالية القوي تحقق نمواً اقتصادياً كبيراً في أميركا لدرجة تمكننا من القول إنّ «الحلم الأميركي» امتدّ لقطاعات واسعة من المجتمع الأميركي مع ملاحظة هامة أنّ أحوال المواطنين السود ظلت مزرية .

وفي عهد جونسون ومشروعه «المجتمع الكبير» الذي تمحور حول «حرب الفقر» كان التدخل الاقتصادي للحكومة كبيراً. كان المشروع بمثابة حرب على «السوق الحرة». تحقق الكثير في عهد جونسون بالنسبة للداخل الأميركي لا يمكننا أن ننسى أنّ عدوان 67 على مصر وسورية وفلسطين كان من «إنجازاته» وبتشجيع من السعودية . ففي عهده تمت الموافقة على قانون الحقوق المدنية التاريخ Civil Rights Actوقانون «الفرص الاقتصادية» Economic Opportunity وقانون التأمين الاجتماعي Social Security وقانون التعليم الابتدائي والثانوي Elementary and Secondary Education والقوانين الصحية Medicare and Medicaid وقانون حقّ التصويت، وغيرها من إجراءات تحسين صحة الفقراء والتدريب المهني على الوظائف وكذلك القوانين المنظمة في مجالات الأمان في المواصلات والعمل والمنتجات. يعزو البعض هذه التطورات إلى المفكر والاقتصادي جون جالبريثJohn Kenneth Galbraith.

في عهد نيكسون تفاقمت الحرب في فيتنام ولاوس وكمبوديا وازداد معدل التضخم الذي يصاحب الحروب وانسحبت أميركا من اتفاقات بريتون وودز Bretton Woods وتخلت عن غطاء الذهب للدولار جعل قيمة الدولار تتراجع ثم ارتفعت أسعار البترول أربعة أضعاف بسبب حرب أكتوبر73 ما فاقم الأوضاع الاقتصادية في أميركا وبريطانيا بعد ذلك.

اتبع ريغان ما يسمى بنظرية التقاطر trickle-down theory والاعتماد على حرية السوق وآلياته من دون قيود وكانت أهم إجراءات ريغان هي تخفيض الضرائب عام 1981 وصاحب ذلك التحرُّر من قوانين الرقابة ما أدى إلى ارتفاع معدل النمو. اعتبر ريغان أنّ الحكومة هي المشكلة ومن ثم عمل على تقليص دورها والتخلي عن أهداف الاستثمار في البحث العلمي والتنمية والحفاظ على قوة عاملة متعلمة بدرجة عالية وبنية تحتية متميزة. تؤكد الحقائق أنّ تجربة الحزب الجمهوري الاقتصادية لمدة ثلاثين عاماً أدت إلى مزيد من تركيز الثروة للأغنياء وتراجعت أحوال الغالبية العظمى من الأميركيين ومن ثم اتسعت الفجوة بين شريحة الأغنياء وما يسمى بالواحد في المئة وبين عموم الشعب. على العكس من ذلك فالتاريخ يشير إلى أنّ زيادة الضرائب على الأغنياء أدت إلى نمو طبقة وسطى قوية وأنّ الفترة ما بين حكم روزفلت وريغان تميزت بأقلّ تفاوت اقتصادي.

يجدر بنا الإشارة إلى ما ذكره الدكتور جودة عبد الخالق في محاضرته في مؤتمر الجمعية العربية الاقتصادية في نوفمبر الماضي بعنوان «المنّ والسلوى أم سقط المتاع» الذي ميز فيها بين معدل النمو ونمط النمو ما يشير إلى مقاييس اقتصادية مخادعة. يحضرني في هذا المقام برنامج تلفزيوني أميركي منذ فترة طويلة يعرض الأوضاع الاقتصادية في كوبا فيذكر تحسن الصحة العامة والعلاقات بين البيض من أصول إسبانية والسود من أصول أفريقية وتوزيع الثروة لكنّ البرنامج انتهى باستنتاج مدهش عندما انتهى بالتأكيد أنّ الاقتصاد الكوبي بحالة مزرية!

قال جوزيف ستجليتز Stiglitz الاقتصادي المعروف الحائز على جائزة نوبل عام 2001 في البرنامج التلفزيوني»الديمقراطية الآن» Democracy Now في 30 نوفمبر 2017، أنّ خطة ترامب الضريبية ستغدق البلايين على الأغنياء عن طريق تخفيض الضرائب بمن فيهم عائلة ترامب نفسه. هذه الخطة ستلغي جزئياً برنامج أوباما الصحي للفقراء. وقد وافق مؤخراًمجلس الشيوخ الأميركي على المشروع، وبذلك تحولت الأولوية من محاربة الفقر في الستينات إلى محاربة الفقراء الآن.

كتب اقتصادي معروف آخر، هو بول كروجمان Krugman الحاصل على جائزة نوبل عام 2008، تحت عنوان «أكبر عملية احتيال ضريبي في التاريخ The Biggest Tax Scam in History أنّ مشروع القانون لم يناقش ولم يخضع لتحليل تداعياته الاقتصادية المعتادة، «وأنّ المستفيدين الوحيدين هم الأغنياء الذين يجنون دخلهم من الأصول التي يمتلكونها وليس من خلال العمل. إنّ القانون يعيد توزيع الثروة ولكن من أصحاب الدخول الدنيا والمتوسطة إلى الشركات الكبرى ورجال الأعمال» 18 .

يقول مثقفون يمينيون أمثال وليام بكلي W.Buckley إنّ عدالة التوزيع يصاحبها تزايد التوقعات والمطالب من المجتمع ما يؤدي إلى عدم الاستقرار وهذا ما يكرهه المحافظون وهذا ما حدث في الستينات والسبعينات عندما كانت الضرائب على الأغنياء في حدها الأقصى ما أدى إلى حركة الحقوق المدنية والحركة المناهضة للحرب وحركة حماية البيئة وهكذا يعمل المحافظون منذ عصر ريغان في الثمانينات على الحالة السلبية للذين يتكسبون من عملهم.

ومن المظاهر الفجة، بل اللامعقولة، فضيحة برني مادوف Bernie Madoff الكبرى الذي نصب على كبار القوم في أميركا بمبالغ فاقت الـ65 بليون دولار عن طريق ما بسمي بمخطط بونزي Ponzi Scheme وقد حكم على ميدوف في يونيو 2009 بالسجن 150 عاما!ً

ما فعله ميدوف يشبه ما قامت به شركات توظيف الأموال مثل شركات «بدر» و«الريان» وغيرها في مصر مع فارق استخدام الدين في النصب والاحتيال والفساد، فكشوف الرشوة أطلق عليها اسم كشوف البركة وصدق البعض أنّ بركة الله هي التي وراء الأرباح الكبيرة. كانت تجمع الأموال وتعطي أرباحاً عالية للمودعين الجشعين دون إدراكهم أنها ليست أرباحاً بل هي جزء من أموالهم المودعة.

ذكر جوزيف ستيجليتز في كتابه «ثمن عدم المساواة: كيف يهدّد المجتمع المنقسم اليوم مستقبلنا»؟ 17 «إنّ هناك لحظات في التاريخ عندما ينهض الناس ليقولوا شيئاً ما خطأ ويطالبون بالتغيير. هذا هو ما حدث في السنو ات المضطربة 1848 و1968…. «.

تحدث أيضاً عن فشل الحكومات حول العالم في التعامل مع المشاكل الاقتصادية بما في ذلك البطالة والشعور بغياب العدل لمصلحة القلة الجشعة بما يغذي «الشعور بالخيانة». وأشار إلى ظهور حركة «los indignados»الغاضبون» بسبب معدلات بطالة أكثر من 40 في المئة في أسبانيا وحركة «Occupy Wall Street» التي رفعت شعار»99» في المئة وكذلك «الواحد في المئة» من أجل الواحد في المئة وبالواحد في المئة» في تهكم على مقولة لينكولن الشهيرة «حكومة الشعب وبالشعب وللشعب». وعكست هذه الشعارات نفس الشكاوى. يركز الكتاب على عدم المساواة المتزايدة في أميركا وبعض البلاد المتقدمة ويشرح كيف أنّ عدم المساواة وفشل النظام السياسي وعدم استقرار النظام الاقتصادي مرتبطة بشكل كبير وتساهم في تفاقم عدم المساواة في حلقة متدهورة.

يشير ستيجليتز إلى فشل البنوك نتيجة لمغامرات غير مسؤولة ولولا مساعدة الحكومة لكانت انهارت وانهار معها الاقتصاد كله كما أنّ السوق أثبت عدم كفاءته وفشل في توفير وظائف للعديد من المواطنين ومن الواضح أنّ النظام الاقتصادي في أميركا نجح في خدمة هؤلاء في القمة.

ظاهرة ازدياد العنف والفساد ومن الشخصيات التي تستدعي ذكرها هي: في مقال كتبه روجر كوهن Roger Cohen بعنوان «عام 2017 الممزقFractured 2017 «: الآن هي المحطة الأخيرة للرجل الأبيض» «والمركزية الأوروبية انتهت» «لقد شرعت إدارة ترامب هجوماً عاماً على الفقراء الذين يستفيدون من الشبكة الاجتماعية بمظاهر سائدة كعدم اعتماد الكفاءة، طمس الحقيقة مع الباطل، صعود الغباء والابتذال وفردية تتحول إلى النرجسية. 19

من مقالة ميشيل جولدبرج Michelle Goldberg

في استطلاع حديث عن شباب العصر الألفي تذكر «أن 44 في المئة يفضلون الحياة في بلد اشتراكي بالمقارنة مع 42 في المئة الذين يريدون العيش في ظلّ الرأسمالية» 20 .

أشير إلى أنّ مشروع الضرائب الذي وافق عليه مجلس الشيوخ في 2 ديسمبر 2017 سيؤدي إلى زيادة عجز تجاري يفوق التريليون دولار والذي يؤكد المحافظون ضرورة تخفيضه كما يرفع الدين القومي بأكثر من تريليون.

لقد أصبح الجشع هو القوة الدافعة بحجة أنّ الأغنياء مفيدون أكثر من الفقراء الغير مسؤولين والذين لا يريدون مساعدة أنفسهم.. يقول أحد أعضاء مجلس الشيوخ: «هؤلاء لا يرفعون إصبع لمساعدة أنفسهم فهل يقصد الـ9 مليون طفل الذين يغطيهم برنامح التأمين الصحي للأطفالCHIP أم آباءهم؟

تختتم الدراسة: «إنها الممارسة الفجة للسلطة من قبل أقلية صغيرة غير خاضعة للمساءلة التي تصدق أنها متفوقة على الآخرين».

ليس من قبيل الخيال أنّ أميركا على مشارف اضطرابات يدفعها ويؤججها الظلم الاقتصادي الاجتماعي الواقع على الملايين وعلينا أن نتوقع اضطرابات كبيرة في أوروبا وأميركا.

في الختام أصبح جلياً أنّ سياسات «الانفتاح» و«السلام» لم تؤدّ لا إلى الرخاء ولا إلى السلام، ولهذا فإنّ سورية المنتصرة تستطيع أن تقدم نموذجاً خلاقاً لنهضة عربية مستقلة معتمدة على الذات. وعندئذ نطمئن بأنّ دماء الشهداء لم تذهب سدى.

دراسة مقدمة للمؤتمر الاقتصادي الأول: نحو رؤية اقتصادية وطنية لسورية المستقبل نوفمبر 2017

أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيغان سابقاً

————–

المراجع

8ـ أشرف البيومي: قضية البحوث العلمية المشتركة والمنهج العلمي في المعالجة، الأهرام الاقتصادي 15 نوفمبر 1982

9ـ د.سهير مرسي المعونة الأميركية: حالة خاصة لسياسة عامة المواجهة الكتاب الخامس والسادس 1986 المواجهة القاهرة: لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي ترأسها المناضلة د. لطيفة الزيات .

Soheir Morsy, U.S. Aid to Egypt :An Illustration and Account of U. S.

Foreign Assistance Policy, Arab Quarterly, v8 4 :358-389،1986ol8 no4p358 1986

10 ـ توماس لبمان Thomas Lippmanواشنطون بوست 12 -9-1976

11ـ أشرف البيومي «قضية رش المصريين بالمبيدات الأهرام الاقتصادي 27 ديسمبر 1982 وعودة إلى مأساة المبيدات السرطانية الأهرام الاقتصادي 24 يناير 1983

12 ـ سهير مرسي «الدول الاستعمارية تتاجرفي أمراض الشعوب الفقيرة الأهالي 16 مايو 1984

13ـ د. سهير مرسي الإمبريالية الثقافية في مجالات الطب والصحة العالمية الأهالي 13 فبراير 1985

14-Not Only Women: Science as Resistence in Open Door Egypt. Iin Pragmatic Women and Body Politics, Cambridge 1998

15-S.Morsy»Bodies of choice :Norplant experimental trials on Egyptian women ,»in Norplant:under her skin AmsterdamZ Eburon 1993

16 ـ أشرف البيومي «الألبان المشعة ومسئولية السلطة» صحيفة الأهالي 1986

17 – How Todays Divided Society Endangers Our Society, Norton, 2012

18 ـ بول كروجمان P.KRUGMAN في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في 27 نوفمبر 2017

19 ـ روجر كوهن Roger Cohen,: «»نيويورك تايمز» 3 ديسمبر2017

20ـ ميشيل جولدبرج Michelle Goldberg : «نيويورك تايمز»4 ديسمبر 2017

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى