انتصار إرادة المقاومة السورية وسقوط أحلام أميركا وحلفائها

حسن حردان

كما انتهى العدوان الثلاثي الاستعماري البريطاني الفرنسي الصهيوني على مصر عام 1956 بهزيمة المعتدين وفشل أهدافهم وانتصار الشعب العربي في مصر واستنهاض الأمة والتفاف جماهيرها خلف الرئيس العربي المقاوم للاستعمار والرافض للتبعية للغرب والداعم لقضية فلسطين ومقاومة شعبها جمال عبد الناصر، وتحوّل مصر العروبة لتكون قبلة العرب من المحيط للخليج..

كذلك انتهى العدوان الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي، بمشاركة معلوماتية إسرائيلية وتغطية من بعض أنظمة الخليج التابعة للولايات المتحدة الأميركية، إلى الفشل في بلوغ أهدافه العسكرية والسياسية، وارتفاع شعبية الرئيس بشار الأسد كقائد عربي مقاوم للاستعمار ومخططاته، وازدياد التلاحم بين الجيش والشعب والقيادة في سورية وتحوّلها لتصبح قبلة العرب التواقين إلى قيادة عربية مقاومة قادرة على مجابهة مخططات الغرب الاستعماري والأنظمة الرجعية والنهوض بالعرب من كبوتهم وتشتتهم وتمزقهم. هذه القيادة تجسّدت اليوم بالرئيس الأسد الذي أثبت صلابة وشجاعة وجرأة في مواجهة ومقاومة أشرس حرب كونية إرهابية بقيادة أميركا التي جنّدت أكثر من مئة وعشرين دولة ودفعت بمئات آلاف الإرهابيين المجنّدين والمدرّبين والمسلحين بأحدث الأسلحة والمموّلين من أنظمة النفط، ونجح في إسقاط أهدافها وتحقيق الانتصار على الإرهابيين، وأخيراً على العدوان الذي سعى إلى إنقاذهم من الهزيمة ورفع معنوياتهم وتمكينهم من استعادة زمام المبادرة والقدرة على مواصلة حرب الاستنزاف ضدّ الدولة السورية وإطالة أمد الحرب بهدف ابتزاز القيادة السورية وإجبارها على الخضوع للشروط الأميركية لتحقيق تسوية تنهي الحرب.

لقد مُنيت قوى العدوان الأميركي الغربي بهزيمة مدوية، وتلقت صفعة قوية لم تكن تتوقعها، فلم تنجح في تحقيق أهداف العدوان بضرب مراكز ومواقع القوة العسكرية والعلمية السورية، وبالتالي فشلت في تعديل موازين القوى في الميدان وكانت النتيجة هزيلة، فإلى جانب نجاح المضادات الجوية السورية في إسقاط وحرف معظم صواريخ كروز وتوماهوك الحديثة والمتطوّرة والتي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالذكية، ومنعها من بلوغ أهدافها، فإنّ الصواريخ التي وصلت إلى بعض الأهداف لم تحقق هدفها لأنّ هذه المراكز كانت قد أُخليت قبل حصول العدوان في سياق الاستعدادات والإجراءات الاحترازية التي اتخذها الجيش السوري تحسّباً من حصول العدوان، ولهذا جاءت نتيجة العدوان صفراً كما قالت الصحافة الإسرائيلية، وهو ما انعكس خيبة أمل في أوساط القيادة الصهيونية.

إنّ هذا العدوان الفاشل والذي اقتصر على محاولة تدمير أهداف حيوية عدة، تمّ اختيارها من قبل لجنة إسرائيلية أميركية مشتركة، عبر إطلاق نحو 110 صواريخ، كان يُراد له أن يكون أصلاً عدواناً واسعاً يشمل كلّ مراكز القوة العسكرية السورية والبنى التحتية، لكن المواقف الروسية والإيرانية الحازمة والمقاومة في لبنان، أوصلت رسائل تحذيرية من مغبة التفكير باستفراد سورية وأنّ شنّ الحرب عليها سيواجه رداً روسياً إيرانياً ومن المقاومة يطال كلّ القواعد الأميركية في المنطقة ومصادر إطلاق الصواريخ وكذلك كيان العدو الصهيوني. وأدّى ذلك إلى ارتباك الإدارة الأميركية وصنّاع القرار في واشنطن وتل أبيب وحصول انقسام داخل مؤسسة صناعة القرار في واشنطن، بين مؤيّد لحرب واسعة ضدّ سورية وبين معارض لهذه الحرب تحسّباً للمخاطر التي قد تلحق بالمصالح الأميركية في المنطقة والقواعد العسكرية الأميركية في سورية والعراق ودول الخليج، وحسب ما سُرّب من نقاشات في اجتماع مجلس الأمن القومي الأميركي فإنّ وزارة الدفاع الأميركية هي التي اعترضت على الذهاب إلى حرب واسعة في سورية، لأنها ستقود إلى اصطدام مباشر مع روسيا وإيران، وبالتالي تعريض القواعد والقوات الأميركية والكيان الصهيوني إلى القصف العنيف وما يعنيه ذلك من اشتعال حرب واسعة في كلّ المنطقة لا أحد يعرف ما هي النتائج التي ستؤدّي إليها.

نتيجة لهذا الانقسام كان القرار بشنّ عدوان محدود أوسع من العدوان على مطار الشعيرات، ويكون أكثر إيلاماً لسورية ويؤدي إلى التأثير سلباً على قدرات الجيش السوري ومعنويات الشعب السوري، ويُعيد إنعاش معنويات الإرهابيين المنهارين والمهزومين في الغوطة الشرقية، وفي المقابل يحفظ ماء وجه الرئيس الأميركي الذي أطلق التهديدات وأعلن عزمه شنّ الحرب تحت ذريعة اتهام سورية بشنّ هجوم مزعوم بالسلاح الكيماوي في مدينة دوما، واستطراداً الحفاظ على هيبة أميركا في العالم وعدم تعرّضها لمزيد من الضرر إن هي تراجعت عن شنّ العدوان، وكذلك تحقيق حاجة ترامب إلى حرف الأنظار عن الفضائح التي تلاحقه في الداخل.

غير أنّ ما حصل هو أنّ إدارة ترامب مُنيت بالفشل والإخفاق وازداد مأزقها وباتت في حالة ارتباك شديد نتيجة فشل العدوان ونجاح المضادات الجوية السورية في إسقاط الصواريخ الأميركية الأكثر تطوّراً، وفي توجيه صفعة قوية لمنظومة القوة العسكرية الأميركية.

وفي المقابل، فإنّ فشل العدوان أدّى إلى تعزيز ثقة الجيش والشعب في سورية بالقدرة على التصدّي للقوة الأميركية وتحقيق النصر رغم مرور سبع سنوات على الحرب الإرهابية التي استنزفت قدرات سورية ودمّرت الكثير من المؤسّسات والبنى التحتية، كما أدّى فشل العدوان إلى تعزيز معادلة الردع السورية وكذلك تعزيز توازن الردع الاستراتيجي لمحور المقاومة والحليف الروسي في مواجهة القوة الأميركية الغربية الصهيونية، على أنّ هذا الانتصار على العدوان جاء ليتوّج الانتصار الهام في الغوطة الشرقية وإنهاء الوجود الإرهابي فيها والذي كان يستنزف العاصمة دمشق ويشكل ورقة ابتزاز بيد أميركا والغرب وكيان العدو الصهيوني والنظام السعودي التابع لهم، كما جاء ليؤكد مجدّداً سقوط أحلام أميركا والغرب ومن يدور في فلكهم بقلب المعادلة في الميدان السوري ومنع سورية من السير قدماً نحو تحقيق النصر التامّ على الإرهابيين، وبالتالي فشل محاولات واشنطن تعويم مشروع الهيمنة الأميركي الأحادي القطب، ومنع قيام نظام دولي وإقليمي جديد متعدّدة الأقطاب باتت ولادته بحكم المؤكدة من رحم انتصار سورية وحلفائها.

ويمكن القول إنّ فشل العدوان الأميركي أسدل الستار على آخر محاولة أميركية لمنع سقوط وانهيار الهيمنة الأميركية وتراجع سيطرة الولايات المتحدة وأفولها. كما يمكن القول إنه بنتيجة العدوان الفاشل والتصدّي البطولي للدفاعات الجوية السورية التي أثبتت كفاءتها تكرّست قواعد جديدة للاشتباك، وإنّ الانتصار على العدوان وفي الغوطة سوف يؤدّي إلى تسريع عملية استكمال تطهير الأراضي السورية من القوى الإرهابية وقوات الاحتلال الأجنبية الأميركية والتركية إلخ… واستطراداً تعزيز موقف سورية السياسي في منع أيّ تدخل في شؤون سورية الداخلية، وبالتالي إنجاز الحلّ السياسي المستند إلى الثوابت الوطنية السورية.

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى