سفير أميركي سابق لترامب: ليتك لم تنفذ الضربة

روزانا رمّال

صار لازماً شرح مسألة مواجهة الاسلحة الكيميائية دولياً، ومقارنتها مع باقي الخيارات الممكن استخدامها كسلاح في المعارك من أجل إقناع الحقوقيين الدوليين وأصحاب الرؤى السياسية المبنية على علاقات سلمية تحترم القانون الدولي وتتمسك بما منع من استخدامه كمحرّمات، لأن رفعها كقضية ليس منسجماً مع مبدأ الكفاح والدفاع من أجل عالم أفضل بعيداً عن الحروب. فماذا يعني أن تحارب القوى الكبرى استخدام السلاح الكيميائي وتسحبه من التداول في حين يمكن القتل بأي نوع آخر من السلاح؟ وكيف يمكن الترويج لمفهوم القتل بتعدد الوسائل بدل أن يكون مبدأ سفك الدماء محرماً دولياً.

الى اي مدى يمكن اعتبار التحرك الأميركي البريطاني الفرنسي بهجوم عسكري وقصف لمنشآت سورية منسجماً فعلاً مع الملف الكيميائي وما يعنيه ذلك من أهمية حماية المدنيين السوريين من استهداف الرئيس السوري بشار الاسد بدون ان يكون ذلك واقعاً ضمن خطوة سياسية في مكان آخر.

هذا التناقض يتحدّث عنه لصحيفة «ذا نيويوركر» الأميركية السفير الأميركي السابق «رايان كروكر» وهو كان سفيراً في سورية بالإضافة إلى العراق وباكستان وأفغانستان ولبنان والكويت ويوجّه انتقاداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوله له «إذا .. انت ضربت وقلت المهمة أنجزت، ماذا بعد؟.. لو أصابت الصواريخ الأهداف التي كانت تقصدها، فيمكن القول إن المهمة قد تمّ «إنجازها» بالمعنى الضيق. لكن في الواقع، لم تحقق الضربة شيئاً». ويتابع كروكر «ربما كان من الأفضل لنا عدم الضرب على الإطلاق. فما جرى يرسل رسالة مفادها أن القتل ممكن أو مباح بكل الطرق ما عدا بطريقة واحدة وهي عبر الأسلحة الكيميائية»..! ويختم «كم قتلوا في الغوطة الشرقية خلال هذه الحملة السورية كلها؟ أكثر بكثير من الوسائل غير الكيميائية»، بحسب تعبيره في اشارة للنظام أو الجيش السوري.

وبغض النظر عن الموقف السياسي إلا أن ما يطرحه كروكر هو واقع لجهة اعتباره إشكالية تخفي وراءها الغايات السياسية المبيتة من الضربة على سورية والتي تؤكد ان لا علاقة للسلاح الكيميائي بما جرى، خصوصاً أنها أتت استباقاً للتحقيق الذي كان من المفترض أن يشكل مادة مهمة للقوى الغربية لمتابعة دقة وجود السلاح خصوصاً أن سورية سلّمت سلاحها في الجولة الأولى من هذا الفصل المتعلق بضربة أميركية كان الرئيس السابق باراك اوباما نجمها منذ سنوات فاستعيض عن الضربة بسحب السلاح برعاية أممية ووساطة روسية أما اليوم فإن الاستهداف لم يكن استهدافاً لسورية بل لمشروع سياسي يتمثل بصدّ تصاعد لتكتل دولي قوامه روسيا وسورية وإيران.

يقول امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله باعتبار حزب الله لاعباً أساسياً في الميدان السوري إنه «لم يكن الأميركي محتاجاً لهذا الجمع او الحلف من أجل القيام بضربة فاشلة من هذا النوع، ما يعني أن وراء ذلك رسالة موجّهة شكلاً من حلف ثلاثي الى حلف ثلاثي آخر أي روسيا، سورية وايران، وأن المعركة ليست كيميائية، بل محورية تتلخص برفض أميركي بالسماح لهذا الصعود الروسي نفوذاً ووجوداً في المنطقة». وهو ما يفسره اتهام روسيا بدلاً من سورية بدعمها استخدام السلاح الكيميائي رابطة ذلك باتهامها بتسميم الجاسوس المزدوج في بريطانيا «سكريبال» فتصبح المعركة السياسية في أوجها أبرزها في انتفاضة اوروبية ترفض تسليم المنطقة لروسيا بدون ضمان مصالحها. هذه الدول التي غالباً ما تشارك الأميركيين في ضربات تحالفية هي نفسها التي شاركت في العملية العسكرية ضد ليبيا وحينها تم إخراج روسيا من مجمل مبدأ الصفقات والمنافع عن تلك الحرب، مع العلم ان روسيا لم ترفع الفيتو بوجه عملية الناتو هناك وارتكبت خطيئتها التاريخية، حسب دبلوماسيين روس لـ«البناء» اي ان الغرب مقدم دائماً على ملاحقة الروس أينما حلوا حتى لو صوّتوا معه أو لم يصوتوا، فالنتيجة سيّان.

وفي كل الاحوال هناك ما لا يمكن إنكاره الذي يتمثل بما يعني الأميركيين وما يمكن لترامب تسويقه امام الرأي العام، وهو يرضي غرور الغرب باتجاه الروسي كصراع تاريخي لن يخفت بمجرد ان تتقبل واشنطن الشراكة السياسية مع موسكو من أجل مستقبل المنطقة ويتمثل عملياً بتحدي روسيا والتحليق الثلاثي فوق أجواء سورية، حيث يفترض أن تكون روسيا صاحبة السيادة الطاغية مع حلفائها وهو ما يعني أمرين أساسيين:

الأمر الأول: إن الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا وفرنسا مستعدّة لكسر هالة روسيا التي عملت على كسبها طيلة هذه السنوات بشتى الوسائل ومن ضمنها اتهامها بقتل «سكريبال» عبر تسميمه، وبدعم الاسد لاستخدام السلاح الكيميائي وآخرها التحليق فوق أجواء تحتضن الروس في المنطقة.

أما الثاني فهو: أن على روسيا التيقظ دائماً لإمكانية استهدافها بأنواع جديدة وأفكار متعددة تستهدف صميم وجودها وإنجازاتها التي جعلت منها قطباً سياسياً كبيراً في العالم بعد أن نجحت بتثبيت حضورها في سورية ومن خلالها أوكرانيا «القرم» وتعويض خسائرها في ليبيا وغيرها من المعارك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى