كي لا ننسى ولا ينسوا!

روزانا رمّال

بعد الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية التي أسفرت عن فشل ذريع ونتائج معدومة، بحسب الصحافة الغربية والإسرائيلية تصاعد الحديث عن بدائل مقابل هذا الهبوط في مستوى إدارة الحلف الأميركي للعملية السياسية والعسكرية في سورية وأبرز ما يتداول بالساعات الماضية طرحان هما:

أن تبقي الولايات المتحدة الأميركية على قواتها في سورية وتسمع للنصائح الفرنسية.

الثاني: أن يتم استبدال القوات الأميركية بقوات عربية «سعودية» تحلّ مكانها. وهكذا يتمّ سحب العناصر الأميركية والتملّص من أي أضرار قد تُحسب مع ما سيسببه ذلك من انقسام حاد لدى الشارع العربي من اعتداء بلد عربي على آخر. اضافة الى نسف الحل السياسي وتسعير الخيار العسكري.

هذان الطرحان يتمّ التداول بهما على أساس أن الاثنين يثيران القلق والجدل ويبعدان الغرب عن ردود الفعل المستهزئة بالضربة ويعززان الموقف تجاه روسيا التي بدت حتى اللحظة، وبالرغم من كل ما يُحكى عن عدم احترام انتشارها في سورية والتعدي على مهابة جنودها بالتحليق والقصف فهي الرابح الأكبر جراء عبثية الضربة من دون أن تبذل جهداً لطرح بدائل جديدة بعد أن أخذت على عاتقها تخفيض السقف الأميركي والإيراني، فمرّت الضربة بسلام.

على أي حال تقدير آخر يلوح في الأفق. وهو احتمال ان تردّ إيران على استهداف عناصرها في مطار تيفور العسكري في حمص، والذي أدى لسقوط إيرانيين كانوا في المكان أثناء الغارة ما يؤكد استهدافهم مباشرة من أجل ايصال الرسالة الإسرائيلية للأميركيين. وهي: عليكم إيجاد حلّ يضمن سلامتنا قبل الشروع بإقفال الملف السوري. وها هم الإيرانيون في المعسكرات والمطارات السورية. والضربة هذه دليل كما كانت سابقتها استهداف نجل القيادي في حزب الله عماد مغنية «جهاد» مع ضباط إيرانيين.

الرسالة الإسرائيلية هذه تبتغي الحصول على ضمانة تصدر عن الأميركيين بتأمين الأمن الحيوي الإسرائيلي قبل أي أمر آخر، وتبدو ضاغطة على الأميركيين أكثر من اي وقت مضى. ولهذا السبب صار لزاماً توفير ما ينهي القضية. فالدعم الأميركي لإسرائيل وإعادة ضخّ عبارات الدعم المعنوية كتلك التي أطلقها ترامب أمس، على «تويتر»، والتي تظهر كمية الحماس الأميركي لاقتراب موعد نقل السفارة الأميركية الى القدس مع تهنئة الإسرائيليين، وبالتحديد بنيامين نتنياهو باستقلال الكيان. وهو بالواقع احتلال فلسطين لا يجد صداه إسرائيلياً. فالمطلوب أكبر بكثير فهل فعلاً تتوجّه القوات الأميركية للبقاء في سورية بعد عجزها عن طرد إيران؟ هل ستصبح المعادلة بين قوتين إقليميتين عسكريتين تتواجهان. فتكون قوات سعودية مقابل قوات إيرانية يُضاف اليها حزب الله وتنسحب واشنطن؟

ربما يكون الجواب الأفضل. هو التذكير بالتالي، خصوصاً أن الأميركيين يتعلّمون من العبر في المنطقة، فلم يخاطروا بعد بجنودهم بعد التجربة غير المشجعة في كل من افغانستان العراق:

الاول: الثامن عشر من نيسان يطل هذا العام ليذكر بأنه تاريخ تفجير سفارة الولايات المتحدة في بيروت عام 1983 الذي أسفر عنه مقتل 63 شخصاً في السفارة، في زمن الحرب الأهلية اللبنانية. وقد اتهمت الحكومة الأميركية لاحقاً حزب الله بأنه وراء التفجير إلا انه لم يكن أصلاً قد برز على الساحة اللبنانية، وكان تبني هذه العملية من قبل الجهاد الاسلامي.

التذكير الثاني: عام 1996 العدو الإسرائيلي يقصف موقع الأمم المتحدة في قانا بلبنان ما أدى إلى استشهاد 102 من المدنيين اللبنانيين كانوا قد لجأوا إلى المقرّ هرباً من القصف الإسرائيلي في العملية التي يشنّها على لبنان تحت اسم عناقيد الغضب.

خلاصة الذكرى الاولى والثانية هي المواجهة لا محالة. فالسوريون الذين لن يقبلوا الوجود الأميركي على أرضهم ولن يقبل حلفاؤهم بذلك أيضاً. واذا كانت إمكانات هذا الحلف سابقاً محدودة وأحدثت هذه النتيجة وصارت عمليات استهداف المارينز والسفارة في لبنان درساً يتعلم منه الأميركيون، فإن مجزرة قانا درس آخر تعلم منه اللبنانيون كيفية التمسك بالمقاومة من أجل عدم تكرار هذا المشهد المؤلم من ضحايا وشهداء أطفال ونساء في كل مرة يروق لـ»إسرائيل» استهداف بلدهم.

قوة الردع صارت أعلى، والإرادة السورية تترجم المشهد نفسه. فكل شيء ممكن من أجل حماية هذا الانتصار الذي أنجزته القوات السورية مع الروسية والإيرانية إضافة لحزب الله، كي لا ينسى الأميركيون وحلفاؤهم آثار البقاء في أرض عربية او احتلالها لا يبدو أن هناك اي مجال للشك بان تكرار مشهد الإقامة الأميركية في ارض سورية بعد تجربة العراق وافغانستان هي محض مخاطرة بمصير المئات من القوات الأميركية الذين لن يكونوا بمنأى عن ضربات الجيش السوري والشعب أيضاً الذي سيتعامل معها أو مع أي قوة حليفة كـ»احتلال».

البنتاغون الذي اعترض على تصعيد البيت الأبيض ورفض توسيع الضربة سيكون أمام مهمة جديدة لضبط الجموح الذي يمارسه ترامب بتصريحات البقاء في سورية استناداً الى نصائح حلفاء ثبت قصر نظرهم بما يتعلق بالأزمة السورية.

كي لا ننسى وكي لا ينسوا.

من قانا… ربيع لبنان أزهر، من شظايا ظلامية إسرائيلية فتحوّل قوة دفع ترفض كل أنواع الظلم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى