رسائل بري: لحوار بين السعودية وإيران

روزانا رمّال

يرسل رئيس مجلس النواب اللبناني الأكثر خبرة بتعقيدات الحراك السياسي العربي رسائل إرشادية للمتنازعين الإقليميين ويضع بين أيديهم ثغرات من الممكن الاستفادة منها لجهة العمل على تقريب وجهات النظر والمقصود من هذه القوى المتناحرة المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فيقول لوكالة أنباء إيرانية إن «الحوار بين العرب والجوار المسلم، وتحديداً بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، بات ضرورة ملحّة، وأن الفرصة الآن أكثر من سانحة لفتح قنوات الحوار، ولتكن بوابته القدس والعمل على إنقاذها من براثن التهويد».

كلام بري لا يأتي من فراغ، فبكل ثقة يمكن للسياسي اللبناني المخضرم والسياسي العربي الرفيع رئيس اتحاد برلمانات العرب لسنوات أن يستشرف المرحلة. وهو بهذا الإطار يحاول لعب دور وسطي كان له فيه سوابق أدّت الى الخواتيم المرجوة فسنيّ عمره السياسي تخطّت مشاكل لبنان وجعلت منه مقصدا للرئيس الراحل علي عبدالله صالح وللرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس السوري حافظ الأسد وملوك السعودية أخصهم عبدالله الذين عوّلوا على حكمته كثيراً.

يقول بري للإيرانيين اليوم هناك فرص للتلاقي مع السعوديين. اجعلوا ملف القدس بوابة لقاء بدون مقدّمات وإذا كانت السعودية تجد في هذه الخطوة صعوبة فإنها ربما تكون أخف وطأة عند الإيرانيين الذين تقدموا اكثر من مرة نحو السعودية داعين إياها للحوار.

المرة الأولى كانت دعوة مباشرة من الوزير محمد جواد ظريف إلى الاستفادة من الملف اللبناني عشية الاتفاق على حكومة لبنانية بقيادة الحريري تضمّ حزب الله أطلقت نتيجة الصفقة الرئاسية التي اتت بعون رئيساً للجمهورية. وزير الخارجية الإيراني قال آنذاك إن بلاده تجد في الملف اللبناني حواراً غير مباشر مع السعودية. عملياً كلام ظريف صحيح. فبالنظر الى الملف اللبناني وما أنتجته الصفقة الرئاسية يمكن اعتبار شراكة حزب الله وتيار المستقبل في اختيار المرشح نفسه أو الرئيس ميشال عون هو اتفاق غير مباشر بين الإيرانيين والسعوديين.

لم يستغلّ السعوديون فرصة اعتبار لبنان منصة للتقارب مع إيران، بل عملوا على التضييق على رئيس الحكومة لاعتبارات خاصة تجد في حكومة الحريري حكومة «حزب الله» فكانت الأزمة الشهيرة «احتجاز الحريري» وإرغامه على الاستقالة.

الأزمة اليمنية، كذلك الامر هي الأخرى بوابة الخلاف الاساسي، لكنها وعلى دقتها صارت سبباً آخر عزّز التباعد بعد أن توّج الخلاف الموجود أصلاً جراء انخراط السعودية وإيران في الازمة السورية بكل ما أوتيا من نفوذ وسلاح وعسكرة وصارت المجموعات المسلحة مدعومة علناً أو جهاراً من الرياض، من دون ان يشكل هذا حرجاً لها وصارت المؤتمرات الدولية التي قادها الراحل وزير خارجية المملكة سعود الفيصل مع الغرب، مؤتمرات لدعم الحرب ضد سورية وإيران بدورها حضرت رسمياً الى الارض السورية بضباط وقياديين وسلاح إضافة الى وجود كثيف لحزب الله حليفها اللبناني الاول.. كل هذا اضيف اليه الملف اليمني ليزداد الخلاف والتباعد.

يقول الرئيس بري إن فلسطين هي ملف عربي إسلامي أول، وإن أي اجتماع تحت رايتها لا يشكل حرجاً للأطراف، ولا يعني ان هذا قد ادى الى التوافق على باقي المسائل. فاذا كانت القدس والاستحقاق الخطير في المقبل من الأيام بنقل السفارة الاميركية إليها لا تستحق اجتماعاً من هذا النوع ولا يستحق التعالي على الجراح، فما الذي يستحق؟

لكن بري من حيث يدري أو لا يدري أحرج السعودية بهذا الطرح غير القابل للرفض، بالشكل ليولد السؤال حول حقيقة الموقف السعودي بعد تصريحات مكثفة أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان حول حق الإسرائيليين بدولة وباعتبار القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين أي تقسيم القدس، إضافة الى كلامه حول تلاقي المصالح مع «إسرائيل» أكثر من مرة ما يتنافى مع كلام والد الشاب الأمير الذي جاء في القمة العربية بموقف قوامه اطلاق اسم قمة القدس على القمة العربية بدورتها الـ 29 التي استضافتها الرياض على وقع صواريخ «الحوثي» التي شكلت لأول مرة تهديداً على زوار المملكة الكبار.

السعودية التي صارت مواقفها ملتبسة حيال القدس لم تسلم سابقاً مما سُمّي بصفقة القرن. واذا كان الأمير محمد بن سلمان ماضياً في هذا الاتجاه فإن دعوة بري بدون شك لن تلقى صداها، لكنها بالحد الأدنى قادرة على كشف نيات مبيتة باتجاه الفلسطينيين، وقادرة أن تشكل ارضية تعمل عليها الدول الإسلامية بتجرد بعيداً من الأحقاد.

يمكن للقدس ورفض تهويدها أن يلعبا دوراً حاسماً باتجاه تقريب وجهات النظر، بل ان هذا الامر هو الرجاء الدائم عربياً واسلامياً عند شعوب المنطقة واهلها، لكن هذا لم يلح في الأفق بعد، اما الاراضي الفلسطينية التي لن تقف على الحياد في تلك اللحظة المصيرية فمن دون شك ستشكل بداية انتفاضة فلسطينية جديدة وعدت إيران سلفاً فصائلها بعدم الوقوف على الحياد. وها هي حركة حماس والجهاد الاسلامي وغيرها ترحب بدخول الإيرانيين في هذا الملف، وبكل من يرغب بإنقاذ القدس ومصير الفلسطينيين في هذا العالم.

دعوة بري براءة ذمة أمام المتنازعين وامام فلسطين والفلسطينيين، لكنها «مفتاح» ايضاً يضعه بيد أهم دولتين إسلامييتين في المنطقة لعبور قطوع تفكك المنطقة وبيع مقدساتها ونكث عهودها وبيع تاريخها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى