ريتا عسل حاتم ترقص على رؤوس الأقلام فيضوع الشعر فوحاً وبوحاً

رنا صادق

«تابع خطواتي

سأعلّمك الرقص

على رؤوس الأقلام…»!

تتبعثر الكلمات في ومض الإحساس برهف على حافة القصيدة بشكل عام، إلى حين ترتقي قمة المعنى والمغزى. الكتابة هي نوع آخر من الرقص. الرقص الداخلي الذي يتفجّر على الورق، لذلك كان عنوان ديوانها «رقص على رؤوس الأقلام».

بضع كلمات تحمل التساؤل عن معناها، أنهت الشاعرة ريتا عسل حاتم ديوانها فيها، وفتحت المجال أمام القارئ نحو آفاق جديدة، علّها قصيدة جديدة ترافقه في الطريق، أو أنها كانت مجرّد نصيحة منها إلى القارئ.

تتشاطر الشاعرة ريتا عسل حاتم في ديوانها «رقص على رؤوس الأقلام» انبعاثاً من جوانّيتها إلى الخارج، على شكل كلمات تشعّ حبّاً، تضحية، وفاءً وإخلاصاً، وتعتمد بذلك على استخدام المصطلحات القريبة من القلب والبعيدة عن البغض. وفي بعض الأحيان تكتب بألم وحزن، لكنّ ذلك لم يسيطر على جوّ الديوان العام.

اختارت الشاعرة ريتا عسل حاتم في ديوانها المؤلف من 192 صفحة، والصادر عن «مطبعة أميون»، 2017، راقصة الباليه التي تتمايل بفستانها الحريريّ زهريّ اللون على رؤؤس أصابعها، موجّهةً رأسها نحو الأعلى مغمضة العينين غلافاً لديوانها. واللافت أن الراقصة تمسك يديها بإحكام، ما يؤشر على عدّة عوامل من بينها عدم التخلّي عن الحبّ والسعادة والتمسّك بهما. واللوحة من إبداع الفنانة جانيت جرجس.

وتقول ريتا عن العنوان والغلاف: أختار دائماً العنوان الذي يشدّ القارئ ليرى الداخل، فالعنوان نصف الكتاب. أمّا بالنسبة إلى الغلاف، فالباليه من أرقى أنواع الرقص. هو فنّ تعبيري هادئ ثائر يحملنا إلى عوالم أخرى. لذلك اخترت الغلاف للفنانة جانيت جرجس.

كثرة إسقاط الصور

كلمات أبت من خلالها الشاعرة أن تملأ مخيّلة القارئ بالصورة المشبّعة بالإحساس، وكأن ذلك إشارة منها إلى أنّ الأسلوب القريب من القلب قادر على الوصول أسرع من غيره. عند الشروع في القراءة تستوقفنا تعابير ريتا المرهفة برسم التفاصيل النابعة من العاطفة، حيث تقول:

«أنوثتي شتويّة

ترتدي أنفاسك

فيشتعل المكان»!

هذه الصورة تحمل في طيّاتها ما بين الحبّ والوجود ومعانٍ كثيرة، يقدر القارئ أن يرسمها بخطوط أقلامه الخاصة. استخدمت فيها الشاعرة الجملة الابتدائية والمضارعة للتدليل على آنيّتها وحضورها في أيّ زمن.

الحنين، الشغف، دقّة التفاصيل والتضحية، هذه الصفات كلها، هي «تلك» الشاعرة التي كتبت، ذاقت التجربة وعايشتها، فالحبّ عندها خبزٌ دونه لاحياة، هو عطاء دائم بلا حدود، والتضحية حتى الرمق الأخير إن كان لمحبوبها أم لأولادها أم لأصدقائها.

تأرجح الإيقاع

رغم أنّ الديوان يندرج ضمن العمل النثري، إنّما كثُرت في قصائده الموسيقى، حيث أنّ الموسيقى لها عشق كبير كما للكلمة لدى ريتا، فهي نشأت في بيت يعشق الطرب كما أن ابنها يعزف على أكثر من آلة.

وتقول على ضوء ذلك: الموسيقى هي دواء لكلّ جرح ووجع. عندما أسمع الموسيقى أحلّق فوق كلّ المشاكل كأنني فوق غيمة، تنقّي كلّ أفكاري وتبلور كلّ أحاسيسي.

ومن خلال قصيدة «كمان» ظهر ذلك حين تقول:

«تعرّي تعرّي،

كلّما يتساقط الشعر منك

تعلو الأنغام.

مرّر أناملك

بعدما كنت لك غصناً

صرت

لك كماناً».

تتوجّه الشاعرة إلى الحبيب الذي هو في وجدانها وروحها، الحبيب الذي رسمته في خيالها وقصائدها. كما تتوجّه إلى القارئ كي تصل إليه أحاسيسها ويشعر كأنه هو العاشق.

وتقول: إن لم يشعر بكلمتي ما النفع من القصيدة؟ وأن يقول شاعرة جيدة أو جميلة؟ يجب أن يقول «أفّ» كم حرّكت مشاعري، كم رقصت في الداخل. هذا ما أصبو إليه، الدهشة والصدمة الجميلة.

شهقة نفس وروح

كثرة المساحات البيضاء ما بين القصائد، لها دلالات عدّة، فمنهم من يعتبر أن مساحات تأملية تعطي القارئ فسحة للخيال والتفكير، وآخرون يرونها «تنفيسة» أو استراحة، أمّأابالنسبة إلى ريتا، فهذه المساحات الفارغة هي مساحة لها كي تقرأ القصيدة وتعيد تشكيلها، كما هي مساحات للتأمل بكينونة القصيدة، هي شهقة نفس وروح. لروح القصيدة معانٍ، ويمكن أن تتكامل ما بين الفراغات والكلمات فيها، ويمكنها أن تحمل معانٍ جميلة ومكثّفة ولو بعدّة أسطر فقط.

وجاء في قصيدة «ثورة»:

«مذاقك بطعم الثورة،

لا أؤمن بالرايات البيض في العشق».

اعتمدت ريتا القصيدة النثرية، لأنها تعتبرها مساحة تعبّر فيها عمّا تشعر به، تختار من خلالها الكلمات من دون قيود أو وفقاً للوزن والقافية. القصيدة النثرية هي فرحها ولذّتها.

يذكر أنّ الشاعرة ريتا عسل حاتم شاعرة من الطراز الرفيع الرقيق، وفي رصيدها ديوانان، «صرخة أنثى» 2013، و«رقص على رؤوس الأقلام» 2017. تعمل في مجال التعليم. وهي عضو في المنتدى الشعري «قناديل سهرانة».

مختارات

ها أنا أنفض عن قلبي

ما بقي عالقاً

من آثار حبّ،

وحلم،

وجنون.

يا أنت

أيّ جرح سكن في أضلعي

أيّ وجع سكبت في عينيّ

أنثى الحزن أنا،

أنتظر قدّيس عينيك،

يأتيني بقيامة الروح.

ما بالُها الفراشات

تتهاوى عند نافذتي،

يقيم لها الموت وليمة صفراء؟

ما بالها تهوى الانتحار

على جسد المساء

فلا عاد

يغريها زهرٌ تفجّر

ولا صوت خلاخيل الأنهار

ورائحة السماق والصعتر،

ما بالها تشقّ

صدرها بألف آهٍ وآه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى