حزب الله يشكر مَن يتحالف معه ويتبنّاه؟

روزانا رمّال

تُؤخذ على القانون الانتخابي الجديد «النسبي» شوائب عدة قد لا تتعلق بالقواعد التقنية لممارسة العملية الانتخابية فحسب، بالقدر الذي يتعلق بالسياسة ومفاهيمها كسلوك عام تلجأ اليه الأحزاب السياسية وتسوق له ويضطرها هذا القانون الى التخلي عنها لمصلحة آنية، فتظهر أو بوصف أدق ظهرت شوائب الأحزاب بأغلبيتها وتفضيلها تحقيق شروط القانون، بما يعنيه توفير حاصل انتخابي تؤمنه تحالفات مناسبة بين اللوائح، حتى ولو كانت هذه التحالفات بعيدة شكلاً ومضموناً عن أرضية تجمع عناصرها.

وحده حزب الله يبدو كمن يسبح خارج تيار التحالفات المصلحية المتعارضة مع مفاهيمه تتبعه شكلاً حركة امل، لكن ما يجعل حزب الله بمقدمة الخارج عن هذا السلوك هو أمر أساسي كشف عنه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس في خطابه الموجّه للائحة التضامن الوطني كسروان جبيل التي تضمّ مرشح حزبه حسين زعيتر، ورسائل وجّهها الى من تحالفوا معه في هذه المنطقة، واعداً إياهم بـ«عدم التخلي « بعد الانتخابات، مصنفاً إياهم أصدقاء وعلاقات جديدة نعتز بها وسنبقى معها ان شاء الله بعد الانتخابات والمقبل من الأيام.

هذا الكلام البعيد عن باقي الأحزاب يُعيد مسألة استحالة تكوين تحالفات منسجمة الى الواجهة. فحزب الله وحركة أمل استطاعا بالأغلب تأمين ما ينسجم مع توجهاتهما حتى في مناطق تعتبر تحدياً بالنسبة لحزب الله ككسروان جبيل، فكان هناك من رغب بالتحالف من دون أن تظهر علامات الانحراف والبيع والشراء بالمبادئ على الحزب.

يكشف أمين عام حزب الله أن هناك إمكانية للتحالف بشرف ويكشف أيضاً أهمية ان تتفوق المبادئ العامة لكل حزب على الحاصل الانتخابي ليبقى الانسجام مع القاعدة الشعبية ممكناً، لكن ما يلفت بخطاب نصرالله في كسروان جبيل أنه توجّه سلفاً لأولئك الذين لن يحالفهم الحظ ويفوزوا بمقعد نيابي بأنهم لن يكونوا قد راهنوا على فراغ. فمن يضع يده بيد حزب الله لن يندم على ما بدا بكلام نصرالله فالوفاء أقله تجاههم.

مصدر متابع لـ«البناء» يرى في كلام نصرالله سابقة ترفع مستوى التعامل بين اللوائح المدعومة منه الى ما يرتقي نحو تعاون بعيد الأمد وتأسيس لزرع حضور ووجود نفسي ومعنوي في دائرة هي معقل المسيحيين في لبنان أكثر منه الى حصد مقاعد والتحالف ثم الافتراق. ويضيف «تابع اللبنانيون بالأمس كيف شكر نصرالله السيد جان لوي قرداحي لأنه تحالف مع لائحة حزب الله في جبيل كسروان، وكأنه يقول له «نعرف أننا نحرجكم ونعرف أنكم شجعان وتحمّلتم الكلام الكثير والتأويلات ولن نترككم بعد الاستحقاق». ويختم المصدر «هذا الوعد وهذا الكلام يجب أن يشكل جرس إنذار عند أولئك الذين يعتبرون أن التحالف مع حزب الله مسيحياً محصور بهم كقوى كبرى. فها هو الدليل حول استعداد حزب الله لنسج علاقة مع كل قوة مسيحية منسجمة مع مبادئه ورفضه للاختلاف وربما صار عليهم تلقي الرسالة الوطنية».

يكرّس حزب الله للمرة الثانية مبدأ «الوفاء» لكل من يمدّ يده إليه، والمرة الأولى كان وفاؤه للتيار الوطني الحر وما نتج عن تحالف عريض معه، ليست مهمة معرفة مصير أعضاء اللائحة التي تحملت الكثير من التصويب بل الأكثر في تلك المنطقة بسبب اللغط الذي شاب ترشيح الشيخ حسين زعيتر في المنطقة. وهو بقاعي ومسؤول في حزب الله. فالأهم هو إعادة تصويب الحراك الانتخابي وتقديم دليل دامغ للناس عن ضرورة تحويل كل فرصة الى فرصة وطنية لا خلافية، وتأكيد أن التحالفات يجب أن تنطلق من مبادئ وأن ما يدور حول تحالفات الضرورة ليس الا محاولة للهرب من نتائج التمثيل الحقيقي الذي يفترض أن يشكله كل مرشح بدون اللجوء لـ «رافعات» بعيدة عن خياراته. فيضطر بعد الانتخابات الى تقديم تبريرات للناس وخلق شرخ ضمن الكتل النيابية، كما أن إمكانية الانقلابات على المفاهيم بعد الفوز تصبح أعلى عند كل اهتزاز سياسي في بلد كثير الخضات كلبنان.

يقدم نصرالله إمكانية المنافسة الشريفة للبنانيين بكل أريحية ويقدّم لهم نموذجاً من التعاون القادر على تجنيب البلاد مخاطر انقسامات فرضتها هذه التحالفات الانتخابية الطارئة، فلا يوصل المنتفعين الى المجلس النيابي سوى المنتفعين ولا يوصل الملتزمين ببناء وطن إلا الملتزمون بميثاق العيش المشترك المنسجم مع مبادئ المواطنة.

خطاب أمين عام حزب الله المخصص لتلك المنطقة مفصلي لجهة قراءته السياسة لتكوين المنطقة ومراعاة خصوصياتها والنجاح من إيجاد شخصيات مرموقة في المنطقة تؤسس لائحة مع حزب مثير للجدل كحزب الله في تلك المنطقة من دون تغطية التيار الوطني الحر. وهو وحده سابقة تؤكد رغبة اللبنانيين بالتقارب من دون عناوين ومخارج.

وبالحد الأدنى يتبنى حزب الله «أخلاقياً» كل مَن يتعاون معه مسجلاً للتاريخ بعده كل البعد عن المصلحة السياسية وفرضها كأولوية بالعمل السياسي. هذا باعتراف خصومه قبل مناصريه ليتفوّق مجدداً في الانسجام مع الذات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى